"الحاجة أم الاإختراع" ..مقولة يطبقها العراقيون كثيرا هذه الايام بعد أن أعادتهم الحروب المتتالية ومآسيها عشرات السنين الى الوراء..فمع استمرار أزمة التيار الكهربائي في العراق وما يرافقها من أزمات الوقود التي لا تنتهي يقوم مهنيون عراقيون بتحوير المولدات الكهربائية الموجودة في السوق لكي تعمل بوقود بديل أكثر توافرية في السوق أو حتى تصنيع مولدات جديدة وبكلف أقل من مثيلاتها المستوردة.
صفاء صاحب شاكر (30 عاما) ،أحد المهنيين الذين يقومون بتصنيع المولدات الكهربائية وتجميعها محليا بواسطة معمل خراطة المحركات ( التورنه ) في الحي الصناعي بمدينة السماوة حيث يقول "عمدنا إلى تجميع هذه المولدات محليا منذ ثلاث سنوات عندما بدأت مشاكل التيار الكهربائي بالتفاقم ،ولأن المولدات الأجنبية غالية الثمن ويواجه الناس الكثير من المشاكل في صيانتها وإصلاحها فقطع غيارها غير متوفرة على الدوام."ويضيف "أما المولدات التي نقوم بتجميعها فهى سهلة التصليح وقطع غيارها متوفرة لأنها تتكون بشكل أساسي من محرك سيارة متوفر في السوق المحلية."
ويتابع "المولدات التي نصنعها بطاقة كهر بائية 30 كيلوفولت (120 أمبير) ويصل سعرها إلى ألفي دولار بينما يبلغ سعر المولد الأجنبي الذي يوازيها بالكفاءة والقدرة الإنتاجية للكهرباء إلى تسعة آلاف دولار.ويستطرد صفاء" كما أن المولدات التي نصنعها أثبتت جدارتها فمنها ما لا يزال يعمل منذ عام 2003 وبكفاءة عالية. ولا يختلف عن الأجنبي إلا بالشكل فقط. ، ولا تحتوي المولدات التي نصنعها على عقول الكترونية كالأجنبية لذا فهي بسيطة ويسهل تصليحها بواسطة شخص لديه دراية بتصليح السيارات."وعن كفاءة المولدات التي يقوم بتصنيعها يقول صفاء:"المولدات التي صنعناها في السابق لم يشتك أصحابها منها وأعتقد أنه مع المحافظة عليها من الممكن أن تبقى بنفس الكفاءة لعشر أو خمس عشرة سنة قادمة ونحن نقدم للمشتري ما يريد من الضمانات باستمرارية عمل المولدة."
وعن نوعية المحركات التي يتم استخدامها في صناعة المولدات في العراق يقول صفاء"نقوم بصناعة مولدات كهربائية تعتمد على محركات السيارات وأكثرها استخداما محركات كيا وهي كورية الصنع بكلفة تبلغ 900 دولار ونضيف إليها وحدة تبريد مناسبة تساعد المحرك على تحمل ساعات العمل الطويلة في أجوائنا الحارة تكلف 250 دولارا بالإضافة إلى وحدة توليد الطاقة الكهربائية (رأس توليد) صينية الصنع، نشتريها من بغداد وتصل قيمتها إلى 550 دولارا.أي أن تكلفتها الإجمالية تصل إلى 1700 دولار ويضاف إليها أيضا أجرة العمال ونسبة من الربح لتباع بعدها بحدود 2000 دولار."
أعداد المولدات التي يقوم صفاء بتصنيعها غير ثابتة حيث يقول"نقوم شهريا بتصنيع عدد من هذه المولدات يتراوح مابين 10 إلى 15 مولدة ، يتلقفها زبائننا من مدن البصرة والناصرية وكذلك هنا في السماوة."ويتحدث صفاء عن المشاكل التي تواجه صناعة المولدات بالقول " من أبرز المشاكل التي تواجه مصنعي المولدات في السماوة هى عدم استقرار أسعار محركات السيارات التي نستخدمها في صناعتنا ، فمحرك كيا كان سعره قبل عامين 500 دولار والآن بلغ سعره 900 دولار كما لم تعد المحركات متوفرة كما السابق بسبب منع الحكومة دخول حاويات محركات السيارات." ويضيف "كما نواجه الكثير من المشاكل الأمنية عند ذهابنا لشراء قطع المولدات من العاصمة بغداد أو من المحافظات الأخرى وقد تعرضت بضاعتنا للسرقة مرات عديدة."
أبو محمد يستخدم إحدى تلك المولدات التي يقوم صفاء بتصنيعها ويقول عنها "أنا استخدم هذا المولد منذ ثلاث سنوات وهي مولدات جيدة وأرخص من الأجنبية كما أنها سهلة الصيانة والتصليح ولم أواجه معها أية مشاكل،وهي تزود بيتي بالكامل بالكهرباء بما فيه من أجهزة تكييف."
مهني آخر هو محمد عبد الحسين موسى (31 عاما) الذي يملك محلا لصيانة المولدات الكهربائية التي تعمل بالبنزين قام منذ عدة أشهر بتعديل مولد كهربائي ليعمل على الغاز الطبيعي بدلا من البنزين.يقول محمد" نقوم بإجراء التعديلات على المولدات الصينية والكورية الصنع والتي تتراوح قدرتها الإنتاجية للكهرباء مابين 2.5 إلى 5.5 كيلوفولت (10 إلى 22 أمبير) وتكلف عملية التعديل 25 ألف دينار."وعن محاولته هذه يقول إنها "جاءت بسبب أزمة البنزين وشحته وصعوبة الحصول عليه في أحيان كثيرة،كما أن البنزين أصبح مكلفا فأقل مولد يستهلك أكثر من 5 لترات يوميا وبكلفة تصل عشرة آلاف دينار أسبوعيا بينما تكفي عبوة(قنينة)الغاز التي قيمتها ألفي دينار لتزويد المولد بالوقود لمدة تتراوح مابين 7 و 10 أيام."ويضيف "الفكرة راودتني قبل ذلك بكثير وتحديدا في عام 1991 إبان الحرب (حرب الخليج الثانية) عندما فقد البنزين بشكل كامل وكنت أملك دراجة نارية وزودتها فعلا بالغاز الطبيعي المسال من العبوات التي نستخدمها في بيوتنا وكانت النتيجة جيدة واستطعت حينها استخدام دراجتي."
ويشير محمد الى أنه قام بتعديل"تحوير"عدد من المولدات حيث حور أكثر من خمسين مولدا خلال الأشهر الستة الأخيرة ، مضيفا "لم يشتك أصحابها حتى الآن لأنني ألزم صاحبها عندما يأتي بها للمحل لتعديلها بتحمل كلفة منظم وقطع أخرى جديدة ليكون المولد أمينا ولا يخشى انفجاره لا سمح الله."ويقول مواطن اسمه مقداد (35 عاما) يستخدم في بيته مولدا أجرى عليه صفاء شاكر التعديلات اللازمة وأصبح يعمل بالغاز " أنا استخدم المولد (المحور) في بيتي منذ شهر وتوليد الطاقة منه مستقر وصوته أصبح أقل نسبيا ولم تصادفني معه أي مشكلة."
ولكن بعض الناس يتخوفون من استخدام المولد الذي يعمل بالغاز في بيوتهم ومنهم عائلة كرار الذي يقول:"أنا كنت أتخوف من استعمال المولد (المحور) ولكن بعدما أقنعني أحد الأصدقاء بعمل صفاء أرسلته إليه ليحوره حيث استعمله الآن في البيت منذ أسبوع إلا أنني الوحيد الذي يقترب منه ويقوم بتشغيله لأن عائلتي تتخوف منه وتتوقع انفجاره عندما يحاول أي منهم تشغيله."
ربما تكون أزمة الكهرباء في العراق من الأزمات المزمنة وقد يمر وقت طويل قبل حلها مما يتيح فرصا أكبر لصفاء والعاملين في مجال تصنيع و تحوير المولدات لمواصلة عملهم لسنوات قادمة ، وهو ما سوف يزيد إعتماد المواطن العراقي على التصنيع المحلي لمولدات تساهم ولو بجزء بسيط من الحل لهذه الأزمة ..وستظل الحاجة هى أم الاختراع.
اصوات العراق
https://telegram.me/buratha