تحقيق : حيدر حسين الاسدي
مع إطلالة كل يوم تشهد مدينة النجف الاشرف انتشار العشرات من الاطفال والنساء بل والرجال ايضاً في ساحات وشوارع وازقة المدينة وحتى المقابر منها وبين السيارات المتوقفة عند الطرقات لاستجداء ما يجود به الناس لهم من المال ، ويكاد يرى كل راكب لسيارة نساء منقبات مبتذلات يطرقن زجاج النوافذ من دون يأس وهن يحملن صغارا بعمر الزهور ، او أوراقا متهرئة لتقارير طبية ، او اي شيء اخر يمكن ان يقنع الاخرين بأنهن فقراء يستحقون ورقة من احدى العملات الصغيرة. ممتهنون الفقر من شتى الأعمار ، بعضهم يكتفي بالاستجداء على أبواب المحال، وآخرون يدخلون مزايدات في ما بينهم من اجل شراء رصيف كامل، ويتحكمون بكل من يشحذ فيه.وأسعار الأرصفة قد ترتفع أو تنخفض تبعا لموقعها ، ونوع العابرين عليها وكثافتهم ، لكنها لا تخلو أبدا من شحاذين يلاحقون المارة في كل اتجاه.الاصالة نزلت الى الشارع واستطلعت اراء المواطنين يقول (ابو احمد) إن ظاهرة الاستجداء وممتهنو الفقر تفاقمت الى حد تجاوز المعقول ، وعلينا ان نتعامل مع فقيركل نصف ساعة . ويضيف " هؤلاء يفضلون محال الصاغة لأنهم في الغالب ينجحون في إحراج العرسان الجدد اثناء اختيارهم للنيشان ، فيحصلون على بضع أوراق نقدية ". ويرى (ابو علي) صاحب احد محال الملابس ، إن بعض الشحاذين هم عبارة عن لصوص متنكرين .ويتابع " انهم يلتصقون بالناس بحجة الحصول على صدقة ، لكن سرعان ما نكتشف انهم سرقوا شيئا ، والصغار منهم يبرعون في هذا الامر .وبشأن تعامله مع مثل هكذا حالات يقول " اصبحنا نعرفهم جيدا ، ونبادر الى طردهم حالما نراهم يقتربون من زبائننا ".ويروي (عبد الستار) احد سواق سيارات الاجرة قصة امرأة طاعنة في السن ، تأتي بها سيارة صباح كل يوم ، ويحملها شاب ويضعها على الارض ، ثم يأتي الشاب نفسه ليأخذها مع حلول المساء ، بعد ان يلملم ما القي اليها من صدقات. ويضيف " حزنت على حالها وما يفعله ذلك الشخص بها ، فقررت ان اجلب لها كل يوم شيئا من الطعام ، وكانت لا تتكلم في البداية حتى اطمأنت لي ، فكشفت لي ان الشاب هو ابنها الوحيد ، وانه يقوم باستغلال عجزها وعدم قدرتها على السير ، فيضعها هنا ليأتي نهاية اليوم ليتسلم ما جنته من مال الاستجداء!ان السؤال الذي يطرح نفسه الان من المسؤول عن انتشار هذه الظاهرة ؟ الأستاذ جعفر صادق "باحث في الشؤون الاجتماعية" يعزو تزايد اعداد الفقراء (المكادية) في الشارع الى استفحال ظاهرة الجهل والاستغلال وامتهان الفقر كوسيلة سهلة لكسب المال دون أي جهد كذلك هناك سبب اخر هو وجود مافيا متخصصة تستغل الحاجة والتشرد في تشغيل فرق من الناس تنتشر في شوارع المدينة وهذا امر نشاهده كلنا حين نتجول في المدينة والدليل على كلامي هذا هو عدم إمكانية تواجد أي فقير لا ينتمي لهذه العصابات في منطقة معينة . الاطفال الذين لم يلتحقوا بمدارسهم او تغيبوا عنها نجدهم في اول قائمة الشحاذين التي لا تنتهي". وتؤكد السيدة رنا فاضل ان تفاقم ظاهرة الاستجداء تعود الى " استسهال بعضهم امتهان الشحاذة، خاصة ان اغلب الناس في مجتمعنا يعتقدون ان اعطاء مبلغ من المال صدقة، قد تدفع عنهم البلاء.وتضيف " انا لا أعطي الشحاذ أبدا ، لأنني مقتنعة تماما ان هذا يشجعهم على الاستمرار في مهنتهم السيئة".وتساءلت " ما معنى ان يأتيني شاب بكامل صحته ، او فتاة يمكنها ان تعمل في دائرة أو محل لبيع الملابس ، ليطلبوا مني المال ، ربما لو فتشت ثيابهم سأجد انهم يملكون نقودا تفوق ما احمله ".اما رواد هذه المهنة ، فلديهم مبرراتهم التي لا يتعبون من تكرارها كلما سألهم احد ، لماذا لا يعملون في مهن شريفة بدلا من الاستجداء على قارعة الطريق.احدى الشحاذات، وهي عجوز تفترش الأرض ، اجلست الى جوارها طفلين أمام كراج الداخل ، وتساءلت " ماذا أفعل ، انا أرملة واقوم بتربية هؤلاء الايتام ، ليس عندي مهنة او شخص يتكفلني ، انا لا اعرف حتى الخياطة ". وتابعت وهي ترسل دمعتها " إنهم أبناء ابنتي التي قتل زوجها في انفجار ، وهي تسكن عندي الآن ولا معيل لنا سوى ما يجود به أهل الخير". في حين تقول (رحاب) الطفلة ذات الثمانية اعوام " أنا وأخواتي وإخوتي نستجدي، انا وأختي عند التقاطعات نقف.وهي تعتقد ان الاستجداء ليس عيبا لأنها مهنة عائلتها ، وهي احسن من السرقة او القتل على اي حال ، كما تقول. وحين اقترب منا رجل كان يتابع حديثنا عبر الشارع ، قالت " هذا خالي ابو عبدلله ، فهو الكفيل بمراقبتنا خشية ان يتعرض احدنا الى سوء او اعتداء من أي شخص غريب". قصص (المكادية لا تنتهي) هذا ما قاله احد الموظفي ، ويتابع قائلا: ان هذه المهنة لا تحتاج الى رأسمال ، بل مجرد حفظ بعض الادعية ، واراقة ماء الوجه ، كي يستمر الشحاذ في العيش مهما كان مرّاً!.ان الفقراء والشحاذين وانتشارهم في شوارعنا لهوا امر معيب ومخيف وغير حضاري نحتاج إلى إقفاله خصوصاً وأن مدينتنا قبلة للزوار والسواح من جميع بلدان العالم ومشاهدة مثل هكذا مناظر امر ينقل صوره مظلمة عن الواقع الاجتماعي وما نحتاجه الان هو تحرك سريع وتطبيق واقعي للوعود التي اطلقها المسؤولون في القضاء على هذه الظاهرة والضرب على يد كل من يتعاون معهم من رجال امن ومنتفعين، ولعل هذا الحديث يثير حفيظة العديد من القراء الاعزاء ولكني اختم تحقيقي هذا بالقول ان لو كان هؤلاء حقاً فقراء ومحتاجون لكان كلامنا غير هذا الكلام ولكنا اول المدافعين عنهم وعن حقوقهم ولكانت ابواب العمل الكثيرة وبشرف مفتحه امامهم ويمكن لكل واحد منهم ان يستحصل رزقه بالجهد الشريف ولكن هؤلاء الذين نراهم في تقاطعات الطرق هم مالكون للاموال اكثر من الناس الذين يعطوهم بعض الدنانير ولديهم ارصده وحسابات في المصارف واملاك قد يعجز البعض عن حصرها .
https://telegram.me/buratha