قال نائب الرئيس العراقي والقيادي في المجلس الإسلامي الأعلى عادل عبد المهدي أن أغلبية عدد السكان الشيعة في العراق لا تمنحهم التفرد بحكم البلاد، ورأى عبد المهدي خلال حديث خاص مع إيلاف أن شعبية المجلس الاعلى ليست وحدها التي تراجعت في العراق بل شمل التراجع شعبية جميع المكونات السياسية من إسلامية.وعلمانية.
وتوقع نائب الرئيس العراقي أن تشهد الانتخابات الرلمانية القادمة في العراق مفاجآت فيما لو غابت الائتلافات عنها. مضيفاً أن الائتلاف العراقي الشيعي الذي هو أحد أعضائه الآن قد يدخل الانتخابات القادمة كإئتلافين أو أكثر. دون ان يخفي رغبته في الترشح كرئيس للوزراء في العراق خلال الانتخابات القادمة في مطلع العام المقبل.
هنا نص الحوار مع نائب الرئيس العراقي الدكتور عادل عبد المهدي:
كيف ترون الانتخابات النيابية القادمة؟
ستعتمد كثيراً على التحالفات التي لم يحسم امرها بشكل نهائي لحد الان.
بعد انخفاض شعبية الاسلام السياسي في العراق واعتمادا على نتائج انتخابات مجالس المحافظات-كيف ترون مستقبل الاحزاب الموجودة على الساحة السياسية العراقية؟
الجميع انخفضت شعبيته في انتخابات مجالس المحافظات سواء اكانت احزابًا اسلامية ام احزابًا غير اسلامية. مجموع قوى الائتلاف المتمثلة بالمجلس والدعوة وتيار الاصلاح والتيار الصدري والفضيلة والمستقلين لم يحصلوا على اكثر من 2،5 مليون صوت بعد ان حصلوا على 5 ملايين صوت في الانتخابات التشريعية او انتخابات المجالس السابقة. كذلك انخفضت نسبة علاوي الى 300 الف بعد ان كانت 900 الف في الانتخابات السابقة. والامر نفسه بالنسبة إلى المطلك والحزب الشيوعي وغير ذلك من قوى.
هل تعتقدون ان الانتخابات النيابية ستحقق مفاجآت كما حدث في انتخابات مجالس المحافظات..وهل ستكون مفاجات سعيدة لصالح المواطن العراقي؟
- كل انتخابات نزيهة وشفافة يجب ان تسعد المواطن على الرغم من انها قد تغضب بعض الاحزاب والقوى. اذا لم تحصل ائتلافات واسعة ستكون هناك مفاجآت وتغييرات في الخارطة السياسية.. كذلك الامر يعتمد على النظام الانتخابي ومدى ابتعاد تدخل الدولة او غيرها من مراكز قوى. اما اذا حصلت ائتلافات موسعة -كما في السابق- فاعتقد انها ستحصد معظم المقاعد.
ما هي وثيقة الإصلاح السياسي؟ما هي بنودها؟وباعتباركم انتم من طرحتموها ودعوتم الأحزاب السياسية للعمل وفق بنودها..فهل تم تفعيلها حتى الان..؟
- كلا لم يتم تفعيلها لحد الان. اما وثيقة الاصلاح السياسي فهي سلسلة من مطالب تقدمت بها مختلف القوى السياسية وهي تعمل على حسم الملفات العالقة والتعديلات الدستورية وملف المعتقلين والاجتثاث ووجود القوات الاجنبية والتي تعتمد في حلولها على الدستور. جاءت الوثيقة خلال نقاش الاتفاقية الامنية وكانت شرطاً ضمنياً للموافقة عليها من قبل القوى السياسية. وقد اقرها مجلس النواب ونشرت في الجريدة الرسمية.
ما هو مصير الائتلاف؟
- اما ان يكون ائتلافاً موحداً او ائتلافين او اكثر.. وهناك ابحاث جدية وعمل دؤوب للوصول الى ائتلاف موحد وموسع يمتد الى الساحة الوطنية عموماً
كيف هي علاقتكم الشخصية مع الصدريين؟
- من ناحيتي جيدة جداً وعليكم ان تسألوا الاخوة في التيار. لدينا لقاءات مستمرة والتفاهم بيننا جيد وهناك تطور لدى جميع الاطراف. واعتقد ان الكل يتعلم من تجارب الماضي وينظر بوعي ومسؤولية اكبر للمستقبل.
وكيف هي علاقتكم بالأطراف السنية والعلمانية كالدكتور اياد علاوي؟
- علاقاتنا علاقات تاريخية وجيدة. نتفق او نختلف لكننا عملنا دائماً سوية وتواصلت علاقاتنا وازدادت ثقة وعمقاً ونضجاً. لكن دعوني اوضح نقطتين الاولى بخصوص الشيعة والسنة والثانية بخصوص الاسلامية والعلمانية. اما بخصوص النقطة الاولى فليس المهم ان يقول المرء او لا يقول انني شيعي او انني سني. المهم ان لا يتم التعامل مع هذه القضية وكأنها غير موجودة.. فهي قائمة منذ مئات السنين.. وهي قائمة في الدول الاخرى.. فهذا كاثوليكي وهذا بروتستاني وهذا مسيحي وهذا يهودي.. واعتقد من المغالطة القول ان الانسان لا يدافع عن مذهبه او دينه، كما من العسف النيل ممن يريد اتباع اية مدرسة اسلامية يعتقد بانها تقربه لربه ودينه. المهم ايضاً ان تناقش هذه القضايا باحترام وحسب مبدأ ان تحب لاخيك ما تحبه لنفسك.. لا بمنطق المغالطات والاكاذيب وموضوعات الغلو والتطرف ونفي الاخر او تكفيره، او بمنطق ان مصلحتي هي على حساب مصلحة الاخر. يجب الا نعيش نفاقاً في هذه المسألة فنمدح او نجامل بعضنا علناً لكننا نضع الخطط للتشكيك والخوف والغاء الاخر سراً. كذلك في موضوع القدرات والامكانيات والمواقع. فالاغلبية التي يتمتع بها الشيعة لا تعطيهم الحق المطلق. فالسنة لهم اعداد معتبرة ايضاً، ثم هم اغلبيات في مواقع اخرى.. ويجب ان يكون الامر في النهاية تقديم النوع والمواطنة بغض النظر عن الانتماء. المهم ان يحمي دستورنا وتعمل انظمتنا لتشكيل اغلبيات واقليات سياسية تحمل نفس تلاوين الاطياف العراقية.
اما العلمانية فاعتقد انها موضوعة محشورة في معركتنا في العراق. العراق بلد مسلم وان الغالبية هي من المسلمين. لا توجد لدينا حركات الحادية بالمعنى الذي عرفته اوروبا. ما لدينا هي مواقف تربط بين الدين و السياسة، واخرى تفصل بينهما.. لا اعرف "علماني" في العراق ينفي عن نفسه انه مسلم او مسيحي او يدعي انه معاد للدين. نعم هناك من يرفض تدخل رجال الدين بالسياسة. وهذا حق له. وهناك رجال دين يرفضون التدخل في السياسة وهم يقيناً لا يمكن وصفهم بالعلمانيين بالمعنى المشاع استخدامه. وهناك علمانيون اقاموا اكثر الحكومات الدينية تطرفاً ونقصد بذلك دولة اسرائيل. المعادلة هي ليست بين متدينين وعلمانيين بل بين من يؤمن بان الشعب هو مصدر السلطة واختيار الحكومة ومن يؤمن بسلطة فوقية مفروضة على الشعب. السلطة المفروضة على الشعب تجدها في النظريات الدينية واللادينية. والسلطة التي يختارها الشعب عبر الانتخابات وتداول السلطة تقول بها نظريات اخرى دينية ولادينية. هكذا كان الامر قديماً وهكذا هو الامر اليوم. مع التذكير بهذه المناسبة بان حاكمية الله التي يستخدمها البعض هجوماً او دفاعاً لا تعني الالتفاف على الشعب وتعيين الحاكم المطلق المستبد. فالرسل جاؤوا في منعة من قومهم وهم بلغوا رسالات ولم يؤسسوا بالضرورة حكومات.. وان المعصومين وفي مقدمتهم امير المؤمنين (ع) قد طلب بيعة الناس في وضح النهار.. ورفضها من وراء ظهر الناس.. وكان يردد في كل مواقعه مخاطباً الناس لا احملكم على ما تكرهون.
كيف ترون وتقيمون أداء الحكومة الحالية وما الذي قدمته للمواطن العراقي؟
-: يجب عدم الاستهانة بما تحقق في العراق. لا نريد الكلام عن الحريات والدستور والانفتاح والخروج من المعادلات القاتلة وتحسن المستوى المعاشي. فالسؤال له ما يبرره حيث ان مستوى الخدمات ما زال اقل بكثير من المتوقع. بل تبدو بعض الامور وكانها تراجعت عن الفترة الماضية. وهناك تفسيران مترابطان. الاول عندما ينقلب ميزان القوى على نظام سابق فان ديناميكية النظام الجديد ليست فورية. فعوامل الاستمرارية في النظام السابق تكون اكثر فاعلية من تلك التي لم تتولد بعد بشكل متكامل في النظام الجديد، وهذا ما حصل في العراق. بل هذا ما حصل في روسيا بعد الثورة البلشفية، وبعد انهيار النظام السوفياتي.. وما حصل في ايران وفرنسا وكذلك في بقية الحالات.
فالبدايات تكون عموماً بطيئة او حتى متراجعة لحين انطلاق ديناميكيات التغيير. اما التفسير الثاني فان قوى الوضع الجديد لم تنجح بعد في بناء نظرية العمل.. بل ان الكثير منها ما زال يحمل قيم ومبادئ القديم، وعى ذلك ام لم يعه. كذلك فإن الدماء الجديدة لم تجد بعد الوقت او الشروط لملء مساحاتها في مواقع المسؤولية.. ولم تتشرب بالمبادئ التي عكسها الوعي المتقدم المختزل لدى نخبة صغيرة لخصت تجربة الماضي وفهمت وضع البلاد وصاغتها على شكل مواد دستورية راشدة وهادية لفلسفة الحكم الجديد. اذا اتفقنا ان ما تقدم هو فهم صحيح وواقعي لما نعيشه فان ذلك يفسر العطل والجمود الذي تعيشه الحكومة. فالحكومة بحاجة الى 4 خطوات على الاقل لتستطيع الانطلاق لحقيق مصالح المواطن. تحتاج اولاً الى فلسفة قرار موحدة بين جميع المؤسسات والمسؤولين تشريعيين وتنفيذيين، مركزيين ولامركزيين، بل في احيان كثيرة بين قوى المؤسسة الواحدة. وهذا ما زال موضع عرقلة وتدافع بل صراع حتى بين قوى التغيير ناهيك عن القوى القديمة التي ما زال لها حضور قيمي وميداني. وتحتاج الحكومة ثانيًا الى تحديد جهة القرار.. هل هي الوزير ام رئيس الوزراء ام مجلس الرئاسة ام البرلمان ام السلطة الاتحادية ام المحلية.. الخ فهناك تداخل وعدم فهم لحدود وافاق كل مسؤولية. فاما هناك تمدد او تلكؤ غير مبررين.. وثالثاً تحتاج الحكومة الى امكانيات تنفيذ القرار من اموال وامن وخبرات وبيوتات كفوءة وتقاليد عمل ومهنية تسمح بحسن انجاز الاعمال.. واخيراً تحتاج الى حسن ادارة الملفات وحسن متابعتها وتنظيم انسيابية العوامل وتوفرها في الوقت والمكان المناسبين لتخدم بعضها البعض الاخر لا لتصادم احدها الاخرى.
ان ما تقدم هو كله عنوان كبير.. اما العنوان الاكبر الذي لن يتسنى اصلاح الاوضاع بدونه، ولن يتسنى بناء حكومة ودولة راشدة قادرة على لعب دورها الفعال والصحيح هو علاقة الدولة بالمجتمع. ما لم تعد الحيوية للمجتمع وهيئاته لتكون قوة الحكومة والدولة نتاج لقوة الشعب والمجتمع وليس على حسابهما فان أي اصلاح يبقى مجرد احلام. فالسؤال نفسه يحمل خطأ العلاقة التي يجب ان تبدأ بما يجب ان يقدمه المواطن لا العكس. فالقدرة الحقيقية والعمل والانجاز هي امور تبدأ من المواطنين والمجتمع وتأتي الدولة حصيلة لذلك لتعيد الكرة الى المواطنين ترشيداً وتشجيعاً ودعماً. فالمقولة تبدأ من الشعب والى الشعب وليس العكس.
في حال تم انتخابكم رئيسًا لوزراء العراق في الانتخابات النيابية القادمة ما هو برنامجكم الشخصي؟
- يجب ان نتفق اولاً ماذا نقصد بالبرنامج. هذه الكلمة تحولت الى مجرد طرح شعارات. المشاكل لا تحل بالشعارات بل تحل بالسياسات والسياسات لها اسس حقيقية. لكل مشكلة هناك عقدة رئيسية وعقد مشتقة. لذلك البرنامج هو تشخيص المشاكل ووضع الحلول المناسبة وطرق تنفيذها. ولكل مشكلة هناك ملف يجب ان يدار بشكل صحيح. ادارة الملفات امر مهم وهو غائب في معظم الاحيان في الحياة العراقية. في المرة السابقة عندما كنت مرشحاً لهذا المنصب بجانب الاخ الدكتور الجعفري كنت قد اعددت رؤى وبرامج واوراق تتعلق بكيفية ادارة الملفات والخطوط العامة للبرنامج.
وقد سلمت بعض تلك الاوراق للاخ المالكي عندما وقع عليه الخيار اخيراً ليكون رئيساً للوزراء. المطلوب هو برنامج سياسي وليس برنامج شخصي. أي برنامج تقبل به قوى كافية لدعمه والسير به في حركة التغيير والاصلاح وسط ظروف مهيئة مؤاتية. عدا حركة الدستور والانتخابات وبعض الملفات القليلة، لكنني اعتقد ان افعالنا بشكل عام كانت لحد الان ردود افعال قبل ان تكون برامج وسياسات.. هذا ينطبق في النظرة للدولة ككل وللملف الامني والسياسي والاقتصادي والخدمي وفي العلاقات الخارجية.
لكل ملف هناك مفتاح رئيسي او مفهوم محوري او ما يسمى بلب المشكل وجوهر الحل والذي ستدور حوله الشعارات والمطالب. في البرامج المطروحة اليوم تجدون كثرة الشعارات من قبيل الدعوة لرفع مستوى العمالة او تحسين الامن او تقديم الدعم للفلاحين الخ، الخ، الخ.. لكن دون تشخيص اين لب المشكلة للسعي الى حلها حلاً مبرمجاً صحيحاً مستديماً. فلب المشكلة في موضوعة الدولة انها احتكارية واستولت وتستولي على المصالح وتقف حاجزاً امامها.. فصار الهرم الاجتماعي يقف على قمته بدل ان يقف على قاعدته. على قمته الحادة لذلك يعيش القلق وعدم التوازن بينما قاعدته تقف على الاعلى تنوء بثقلها وتضخمها وترهالها على كل شيء حاجزة أي طريق للتقدم والاصلاح.. لذلك يجب قلب المعادلة وان يعاد الهرم ليستقر على قاعدته العريضة ثابتاً قوياً لتأتي القمة مرشقة متناسبة متناغمة مع قواعد البناء. وعلى رجالات الدولة بمبادرة وحركة واعية واجب تاريخي بفتح المجال للمجتمع لان يأخذ قصب السبق.. فالدولة اليوم ليست قوية كما يدعى بل هي متضخمة ومترهلة ومحتكرة لكل شيء. يجب ان ترشق بنقل الكثير من نشاطاتها الى هيئات المجتمع وهو الوضع الطبيعي الذي كان عليه العراق قبل عمليات الاستيلاءات المتكررة من قبل الدولة وهو الوضع الطبيعي في الدول والامم الاخرى.. الادارة في امارة ابو ظبي استطاعت في عمل اصلاحي ترشيق جهازها الاداري من حوالي (70) الف موظف لتكتفي بـ حوالى (7) الف موظف. وهم بسبب ذلك صاروا ينافسون الانظمة المتقدمة ويستطيعون تقديم المزيد والمزيد من الخدمات عبر احالة القضايا الى مؤسسات وهيئات خاصة تستطيع ان تنجز اعمالها من دون روتين معقد وبيروقراطية مقيتة. نحن بالمقابل ارتفع لدينا الجهاز الحكومي من 850 الف موظف وعامل قبل (5) سنوات وسنبلغ قريباً المليونين ونصف دون حساب المتقاعدين. هذا التضخم الذي بني على تضخم سابق لم يأت لان الخدمات والاعمال اتسعت، بل لخلل كبير نعيشه سببه غياب دور المجتمع والاعتماد كلياً على موارد النفط وملاكات الدولة.
لذلك فان الكلام عن البرنامج هو ليس تعداد للمطالب بل هو رؤية تستطيع ان تشخص اين لب المشكل فتتعامل معه، وعندما تنجح في ذلك تستطيع ان تعالج القضايا المرافقة والمشتقة. فمثلاً المشكل الاساس في الملف الزراعي هو انه لا يوجد نظام زراعي اصلاً. وبدون نظام زراعي لا يمكن اصلاح الوضع وتقدم الزراعة. لذلك ضاعت وستضيع كل سياسات الدعم والمشاريع الحكومية وغيرها. والكلام عن النظام الزراعي محوره هو الكلام عن الملكية الزراعية. لذلك يجب تنظيم الملكية الزراعية بشكل يحقق الدافع لعمل الفلاح المالك او المالك المستثمر وغيرها من علاقات اقتصادية اجتماعية هي الاساس في تقديم الحل الجذري للمشكلة الزراعية في العراق. عند انجاز ذلك، يمكن انجاز سلسلة من السياسات ستجد تأثيراتها الايجابية مع عناصر النظام (الزراعي)، التي احتلت مواقعها الطبيعية وباتت قادرة على التلقي والتفاعل والتحرك بذاتية وانسيابية، محققة الاهداف الخاصة وبالتالي العامة التي تحقق فائدة المجموع. كذلك الامر في المسألة الصحية والتربوية والصناعية والاجتماعية وغيرها من الملفات التي يجب ان يتناولها البرنامج، أي برنامج.
تمتلكون علاقة جيدة مع الأميركان والأكراد وإيران..هل يعتبر هذا امتيازا واعترافا بقدرتكم على التعامل مع كل الملفات والقضايا الساخنة؟
- اعتقد ان علاقاتي جيدة ايضاً في الاوساط العربية، داخلياً وخارجياً واعتقد ان بناء العلاقات لا يقوم على المواقف التاكتيكية اساساً بل يقوم على المواقف الاستراتيجية والثابتة، والتي عندما يحصل فيها اطمئنان فانها ستشكل رصيداً قوياً يسمح بفسحة واسعة جداً لتناول الكثير من القضايا التي يصعب البحث فيها لولا اجواء الثقة والاطمئنان الحاصلة. انني اجهد نفسي في بناء المواقف.. ولا اتخذ موقفاً الا بعد بناء قاعدة اصولية محورية يقوم عليها الموقف. والمواقف الصحيحة تكشف عن درجة نضجها بدرجة القدرة في الدفاع عنها ليس وسط الحلقات والدوائر المغلقة فقط، بل اساساً الدفاع عنها وشرحها للجمهور والنخبة السياسية واقتناعهم وقبولهم بها، وتلمس واقعيتها ونموها في ارض الواقع.
ما هي علاقتكم بالمجلس الأعلى في حال مغادرة السيد عبد العزيز الحكيم وتولى نجله عمار رئاسة المجلس؟
- المجلس الاعلى هو من اكثر التشكيلات السياسية العراقية مؤسساتية، رغم ان المؤسساتية في العراق ما زالت ضعيفة وهذا لا يستثني المجلس الاعلى. صحيح ان الرمزية وادوار القيادات مهمة لكن المجلس هو مؤسسة. لا اقول انه مؤسسة متكاملة او بلغت المرحلة المطلوبة او انه لا توجد فيها مشكلات وشوائب واخطاء، بل اقول انها –بمقاييس العراق- من اكثر الحركات السياسية مؤسساتياً. اتمنى للسيد الحكيم الصحة والعافية وطول العمر وليس اكيداً انني لن اغادر الدنيا قبله. فانا اكبر منه عمراً والاعمار بيد الله.
لكن للبقاء في حدود السؤال اقول ستبقى علاقتي بالمجلس امتداداً لعلاقتي الحالية. اتعامل مع المجلس فاندفع لما اعتقده مواقف صحيحة وادعم اخواني فيما لا اتفق فيه معهم، بل اترك لهم فرصة النجاح في سياساتهم. فممارستي بالمجلس كانت دائماً -حتى في حياة شهيد المحراب والان مع سماحة السيد عبد العزيز- سياسة مستقلة.. اؤيد ما اراه صحيحاً واعارض ما اراه خاطئاً.. و حسابات المكاسب والارباح الشخصية ليست اولوية. لا ادعي انها غير موجودة في سلوكي لكنني اسعى لمقاومة ضغوطاتها لابقى متمسكاً بالفكرة التي اعتقد بصحتها لاغلبها على ما عداها. واعتقد انكم لو سألتم الاخوة في المجلس سيؤيدون هذا الكلام. عملي مع المجلس الاعلى هو عمل محسوب وليس ولاء اعمى، حيث وضعت فيه مصلحة الدين والوطن فوق المصالح الشخصية او الحزبية. فحسابي الاساس مع ضميري والجمهور بعد الله سبحانه وتعالى قبل ان يكون مع المؤسسة او التنظيم او القيادات.
هل صحيح ان السيد هادي العامري وهمام حمودي يفكرون بترك المجلس الاعلى في حال مغادرة السيد الحكيم وزعامة السيد عمار الحكيم للمجلس الاعلى؟
- يجب اولاً ان تسألوا الاخوين العزيزين.. وثانياً لا اعتقد ان المسائل جرت في المجلس الاعلى بهذا الشكل ولا اعتقد انها ستجري لاحقاً بهذا الشكل.. فقد برهن المجلس الاعلى ان فيه درجة جيدة من الوحدة.. ولعل سبب هذه الوحدة هو بالضبط الحرية والاستقلالية الموجودة داخله والتي تنعكس بحرية الاجنحة والاتجاهات. فلو كان بناء المجلس الاعلى حديدياً لتعرض لعدة انقسامات كما يحصل عادة في الاحزاب الاخرى، ولو احياناً على حساب النتائج والاهداف.
لا اقول ان المجلس لم يتعرض لانقسامات بل هو يتعرض لها في كل يوم.. لكن هذه الانقسامات لا تظهر على السطح بشكل عنيف كما هو الحال في الاحزاب. فالشهيد مهدي الحكيم له قول مشهور قد تكون فكرته واسعة لكنها تعكس ممارسة ملموسة واضحة ومفاد قوله هو ان المجلس الاعلى لا يعرف من ينتمي اليه ولا يحس بمن يغادره. والشهيد باقر الحكيم كان يقول ان المجلس الاعلى برلمان متحرك.. انه حركة تيارية قطاعية وليس حركة حزبية حديدية فردية البناء.. لذلك امتلك المجلس الاعلى قدرة عالية على التعبئة والاستقطاب العام وقدرة ضعيفة على المناورة السريعة والقصيرة الامد بينما يجيد بالمقابل تنظيم السياسات المثابرة والطويلة الاجل.
ما هي ثقتكم بنجاح مساعيكم لرئاسة الوزراء..؟ رغم ان المقربين منكم يؤكدون دوما على عدم سعيكم لمنصب رئاسة وزراء العراق؟ان صح ذلك فلماذا الخشية ومن ماذا؟
- السياسة سلوكان.. موقعي ومنهجي. ادعي انني من رواد الخط الثاني. فالسياسة بعنوانها الموقعي هي السعي لاحتلال المواقع او الموقع الاول... هذا الفهم لا يعني ان الشخص انتهازي لانه يطمح الى ذلك.. بل هذا منهج للعمل يعتقد فيه الشخص انه اذا اخذ هذا الموقع فانه يستطيع الاصلاح. اما انا فلقد قاتلت منذ نعومة اظفاري من اجل مناهج او مبادىء اؤمن بها. قد تكون المبادىء خاطئة او مضللة لكنني كنت اقاتل من اجلها كما اقاتل اليوم من اجل هذه المناهج. وعليه فان من ينهج نهجي ستكون له مستويات او اهداف يعتقد انه يلبيها ما دام يحقق احدها. المستوى الاول ان يكون في دائرة التأثير، ان كان معارضاً او غير معارض في خارج اطارات المسؤولية، وهذا وضعي سابقاً.. والثاني ان يكون في موقع القرار او في هيئة اركان القرار، وهذا وضعي حالياً.. والثالث ان يكون صاحب القرار الاول، وهذا امر يعود للمستقبل المجهول. سؤالكم يتعلق بالمستوى الثالث فقط..
اما انا فدائرة حركتي تسعى للعمل في أي من المستويات الثلاث لا فرق لدي ما دمت قادراً على التاثير على القرارات التي اعتقد انها تحمل المعاني الاصلاحية والمبدئية التي اقول بها. فالموقع يجب ان لا يطلب لذاته بل يقبل به بشرط النجاح وتوفر الظروف. واحياناً يجب الابتعاد بوعي عن المستوى الثالث اذا كانت الشروط غير متوفرة في تحقيق الغايات واحداث الاصلاح.. لذلك ينقل عن امير المؤمنين عليه السلام ما معناه: ان اكون وزيراً لكم خير من ان اكون اميراً عليكم. عكس ذلك قد يظهر الشخص قلة مسؤولية برفضه الموقع والبقاء عند المستوى الاول او الثاني اذا كانت الشروط متوفرة للنجاح في احداث الاصلاح وتخلف عن القيام بذلك.
فهذا ما سينطبق عليه قولكم الخوف او الخشية من تحمل المسؤولية. وعليه من المبكر الكلام عن هذه المسؤولية قبل معرفة ظروفها، وانا لا اتصرف لا من موقع الزهد ولا من موقع السعي المجرد الى هذا المنصب وكأنه غاية لذاته وكأن لا مجال للخدمة الا عبره.
https://telegram.me/buratha