كثيرة هي المحطات المهمة التي لم يسلط عليها الضوء الإعلامي في الساحة العراقية، فيما هي تستحق اهتماما استثنائيا لما اضطلعت به من دور حيوي في بناء العراق على مدى عقود طويلة، وهي لما تزل تكافح من أجل البقاء والاستمرار بهمة عالية.
لقد شاءت الصدفة أن ألتقي الضابط الطيار مصدق الجنابي بعد أن كنا افترقنا ساعة خروجنا من سجون صدام حسين عام 1986.استعدنا سيلا من الذكريات الممتدة على مدى سبع سنوات في تلك السجون المكتظة بالألم والمعاناة، ثم تبادلنا الحديث عن الراهن من أحوالنا، وما ان تعرف على طبيعة عملي حتى انتفض مسرورا بدعوتي الى زيارة نادي فرناس الجوي الكائن في جانب الكرخ من بغداد وفي الجهة المقابلة لـ«متنزه الزوراء».كان حريصا على لقاء «القبس» في هذا النادي مع مدربي الطيارين العراقيين منذ زمن بعيد، موضحا أنه سيجري اتصالات معهم لتحقيق اللقاء، وقد فعل.
توجهنا الى نادي فرناس الجوي، فكانوا بانتظارنا، جلسنا قليلا في غرفة رئيس الهيئة الادارية السيد محمد راضي فهد الحائز شهاداته في تدريب الطيران من المانيا، وانكلترا، وسويسرا. وعقب تناول الشاي توجهنا الى طاولة الاجتماعات فجلسنا مع عدد من هؤلاء الخبراء الذين كانوا قد حصلوا على شهاداتهم في تدريب الطيران من الجامعات المشهورة في العالم، وتخرج على ايديهم مئات من الطيارين العراقيين.
في البدء دعوناهم الى تعريفنا بهذا النادي العريق، فقالوا وهم يتناوبون الحديث عنه:«لقد تأسس بتاريخ 24/5/1933 باسم جمعية الطيران العراقية، بهدف نشر الطيران في العراق وتعميم استخدام الطائرة في المجتمع والتواصل بين العراق ومحيطه الإقليمي والعالم، بالإضافة الى دعم القوة الجوية العراقية الفتية التي تأسست عام 1931.
بقيت تسمية الجمعية لغاية 1970 كإحدى جمعيات المجتمع المدني، وكان المؤسسون آنذاك كلا من رئيس الوزراء جميل المدفعي، ونائب مجلس الأعيان مولود مخلص، ووزير المالية ساسون حصقيل.عام 1976 أصبحت مؤسسة عامة لتدريب الشباب تابعة لوزارة الشباب، وعقب الغاء الأخيرة ارتبطت بديوان وزارة الدفاع عام 1987، ثم أعيدت كمنظمة غير حكومية في 1999 باسمها الحالي «نادي فرناس الجوي».آلاف الطيارين من قادة المروحيات تخرجوا في هذا النادي، كما أن طياري القوة الجوية تم تأهيلهم من خلال الدورات التدريبية قبل ارسالهم الى انكلترا».وتابع المدربون «إن النادي قد وضع منذ 1940 منهجا يتضمن 27 درسا في الطيران يتم القاؤها على المتدربين خلال 40 ساعة».
الملك غازي ومشروع الفلس اللواء الركن الطيار المتقاعد مقداد عباس وزملاؤه فاضل حسن كاظم، وأمجد الجنابي، ومهدي جاسم محمد، ومحمد راضي فهد، وأمجد الجنابي، والسيدة دلال كاظم سليم الحائزة بطولة العالم في الطيران الدقيق عام 1981، اوضحوا لـ«القبس» أن بريطانيا منعت خلال احتلالها للعراق استيراد الطائرات، فعمد الملك غازي الى الاتفاق مع مؤسسي هذا النادي (الجمعية آنذاك) على وضع مشروع لجمع التبرعات من المواطنين بمقدار فلس واحد في مقابل شارة طيران زهيدة الثمن، وتم بذلك شراء 15 طائرة مقاتلة وقاصفة ايطالية من نوع breda وsafo، وفاض مما جمع من التبرعات 33 ألف دينار اشتروا بها ثلاث طائرات أسسوا من خلالها الخطوط الجوية العراقية التي كانت تسمى في حينه مصلحة الخطوط الجوية العراقية.
وعن تاريخ أول دورة تم تخرجها في هذا النادي أجابوا: عام 1940، وكانت اخر دورة عام 1982.دقيقة على الأرض تكسبك الحياةودقيقة في الجو تكسبك الخبرة هذه العبارة رددها اللواء الركن الطيار المتقاعد مقداد في معرض رده على سؤالنا عن سبب تواجدهم الدائم في ناديهم، موضحا أن الطيار لا يقبل التنازل عن معلوماته، وبالتالي نأتي بغية التواصل مع المعلومات وتحديثها، واقامة الدورات التطويرية للكادر.وتابع مع زملائه «لقد فصلنا عن الطيران قسرا بسبب الحصار والحروب التي تعرض لها العراق بسبب سياسة النظام السابق».
إنقاذ الطائرات المختبئةوماذا بعد إطاحة ذلك النظام؟- قبيل حرب 2003 خبّأ النظام السابق عددا كبيرا من الطائرات المقاتلة في البساتين المحيطة ببغداد، وعقب دخول القوات المتعددة الجنسيات الى العاصمة هرع الذين كانوا قد رصدوا أماكن هذه الطائرات الى هذه الأماكن ربما ليقوموا بتفكيكها وبيع معداتها، فسارعنا نحن الى هناك واستطعنا جلب 17 طائرة بمساعدة سائقي النقل البري الشجعان الذين طلبنا منهم المساعدة في نقل هذه الطائرات بسياراتهم.. واستجابوا على الفور رغم المخاطر الجسيمة لأن عمليات القصف كانت لم تزل متواصلة، ولكن نحن ما زلنا نشعر بالمرارة حيال مئات الطائرات التدريبية التي أتلفت أو تم تفكيكها وتهريب محركاتها واجسامها الى خارج العراق.
معركة قضائية مع الأميركيين لاستعادة مطار النادي - من بين الهموم التي تستحوذ على عقول ونفوس هؤلاء المبدعين موضوع المطار التابع للنادي الذي أكدوا انه منذ 1972 مسجل باسمه، ويحتفظ النادي بسند الملكية. وأوضحوا أن القوات الأميركية عقب دخولها العراق استولت على هذا المطار الواقع في منطقة ديالى والمسمى مطار فرناس، وتبلغ مساحته مليونين ومائتين وخمسين الف متر مربع، ويحتوي على مدرجين، وأوكار للطائرات، وفيه أيضا 58 طائرة متنوعة مع 500 مظلة رياضية ومعدات وورش.
لماذا لم تتابعوا هذا الموضوع مع الحكومة؟- منذ الاستيلاء عليه قمنا بكافة الإجراءات القانونية لاستعادته، وقد وصلنا بالمتابعة عن طريق السلطات القضائية، والأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأخيرا وعدوا باعادته خلال 90 يوما مع تعويض الخسائر التي لحقت بالمطار ومحتوياته، وقد انقضت هذه المدة قبل أيام وما زلنا ننتظر.وماذا عن نشاطكم الحالي في هذا النادي؟- بدأ النادي يستعيد نشاطه بفتح دورات للتدريب الأرضي، وعلى المظلات ذوات المحركات، وتقديم الدروس النظرية لنحو 40 طالبا.
شروط قبولكم للطالب؟
أن يكون حائزا الشهادة الإعدادية، ومتقنا اللغة الإنكليزية، وأن يجتاز الفحص الطبي واللياقة البدنية. ناديكم بما هو غير حكومي وضمن مؤسسات المجتمع المدني، كيف تستطيعون تغطية النفقات المتعلقة بعملكم فيه؟النادي يتقاضى من الراغب في التدريب عشرة آلاف دولار مقابل تأهيله خلال ستة أشهر. كما أن وزارة الشباب تدفع للنادي اربعين مليون دينار سنويا يتم صرفها لخدمات النادي البسيطة.عقب هذا الحوار اصطحبونا الى قاعات التدريس، والأجهزة الكمبيوترية ذات المواصفات الخاصة بعمليات التدريب، كما اطلعنا على عدد من الصور والبوسترات الخاصة بانجازات النادي. القبس نزار حاتم
https://telegram.me/buratha