محمود الربيعي
في الندوة التي عقدها المركز الاسلامي في لندن بعنوان ( التأثير القيمي للاقتصاد الاسلامي في المجتمع ) وكانت فكرتها قد جاءت برسالتها التي نصها: ان النظام الاقتصادي الاسلامي ترك لنا تجارب رائعة في مجال تطبيق الاحكام الإسلامية المتعلقة بحياة الانسان الاقتصادية والدولة والمجتمع وكتب الكثير في هذا السياق لكننا نواجه اليوم تداعيات واسعة للاقتصاد الرأسمالي الى جانب الاخطار التي تحف بهذه التطورات والتي ستترك آثارها على الجميع، تُرى اين تقف الوسطية وقيم التشريع الالهي من كل هذه التداعيات هذا ما تتناوله ندوة الاسلام والحياة لهذا الشهر ضمن المحاور التالية:
اولا- حديث في حقيقة وأسباب الأزمة المالية العالمية؛ الدكتور محمد حيدر (باحث اقتصادي).
ثانيا- التطرف والاعتدال في اقتصاديات الدول (الربا نموذجاً)؛الاستاذ فلاح شفيع (المتخصص في الشؤون الاقتصادية).
وقد تحدث الاستاذ محمود الربيعي الذي ادار الندوة عن دور المذهب الاقتصادي الاسلامي واثره في حل الازمات المالية العالمية وقد تضمن حديثه مايلي: ابتدأ بقراءة سورة العصر وقال" الذين آمنوا" يعني " النظرية "، " وعملوا الصالحات " يعني"التطبيق" ، كما استشهد بدعاء الامام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام الذي ورد في الصحيفة السجادية الكاملة " اللهم متعني بالاقتصاد واجعلني من اهل اليسار والسداد "، واشار الى ان الاسلام يعتمد في مذهبه الاقتصادي على عدالة الله سبحانه وتعالى والمرتبطة بالضمير الذي يعتني به الاسلام وينمي روح النزاهة في روح الانسان بشكل متوازي مع المبادئ الاخلاقية العالية التي يدعو لها الاسلام من خلال مناهجه وخطواته التي وردت في القران الكريم ومن خلال التربية النبوية الرسالية التي جاءت عن طريق الاحاديث النبوية الصحيحة، بالاضافة الى تراث اهل البيت" الائمة الطاهرين" عليهم السلام، فقد جاء في القران الكريم الكثير من الاخبار التي تتحدث عن سيرة الانبياء حيث نصب عزيز مصر النبي يوسف عليه السلام امينا على خزائن الما ل لما يتمتع به من النزاهة والخلق العالي، كما تحدثت الاخبار عن امانة النبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى لقب بالصادق الامين، وعن الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام الذي اهتم بتولية اهل النزاهة على اعمال الولايات، وحرص على توزيع المال وحفظه بشكل دقيق.
وتحدث التاريخ عن سيرة الائمة الاثني عشر الذين ذاع خبرعصمتهم ونزاهتم حتى لقبوا بائمة المعصومين كما هو مشهور واجتمعت الملايين على الايمان بتلك العصمة كما اعتمد الامويين على استشارة الامام محمد الباقر عليه السلام في صك النقود، وائتمن الامام علي بن موسى الرضا على ولاية العهد في زمن الخلافة العباسية ايم حكم المامون، ولم يختلف الامرمع بقية الائمة المعصومين عليهم السلام حتى مرحلة الامام الحسن العسكري عليه السلام حيث كانوا مستشارين مخلصين في الامور المهمة لحل الازمات التي تتعلق بمصالح المسلمين العامة.
والمذاهب الاقتصادية المشهورة الان هي كل من المذهب الرأسمالي الذي يعزز مصالح الافراد على حساب مصالح المجتمع، والمذهب ألأشتراكي الذي يعزز مصالح المجتمع والدولة على حساب مصالح الافراد، والمذهب الاقتصادي ألأسلامي الذي يهتم باحداث التوازن في التنمية وسيرالعملية الاقتصادية.
وعلى اعتبار ان مقومات الدولة هي الفرد والمجتمع والحكومة والنظام، فان ماتعانية الدول من الفساد الاداري والمالي وسوء التخطيط والاعتماد على العناصر غير النزيهة التي لاتتمتع بالاخلاق أو رقابة الضمير فانها تعاني من المشاكل في مجالات الانفاق والخدمات وفي تغذية المشاريع التنموية وتنظيم حركة راس المال وصيانته.
والاسلام حين يهتم بالسيطرة على المال واحدث التوازن فانه يحاول توفير الحد الادنى الكافي من حاجات الفرد للمسكن والملبس والمطعم والتعليم والزواج وبناء اسرة والحصول على فرصة عمل في الوقت الذي يحاول ان يؤمن حاجات المجتمع في عملية الصيانة والبناء والاعمار والخدمات والدفاع والصحة والامن وادارة عمل الآلة والانتاج وحركة المال.
وعند توفر كل هذه العوامل والايجابيات يسمح للافراد بحرية لأن يطوروارؤوس اموالهم وينمونها على اسس صحيحة دون ان يلجأوا الى الحصول على فوائد بطريقة غير شرعية كالحصول على الربا وهي فوائد لاتعتمد على اسس النزاهة وحب الخير العام، بل تكون على حساب الفقراء والضعفاء من الناس، لذلك شدد الاسلام على حرمة الربا واعتبره من اشد المنكرات واعتبره حرب مع الله ورسوله، كما اعتبره اعظم خطرا من ارتكاب المنكرات الشخصية كالزنا.
وعلى هذا الاساس شجع الاسلام على القروض بدون فوائد مضرة للافراد، وشق طريقا صالحا لذلك بأن فسح المجال لحركة المال وجعلها تسير في خطوط منهجية صحيحة ومستقيمة.
ولقد اهتم المسلمون بالمعاملات التي تتضمن البيع والشراء والملكية والايجار واحتفظوا بها على شكل كتب فقهية واطلقوا عليها المعاملات على هيئة رسائل عملية معتمدين على القران الكريم والاحاديث الصحيحة المروية عن النبي واهل بيته الطاهرين عليهم افضل الصلاة واتم التسليم.
وقد وضع المرحوم المفكرالشهيد الصدر الاول ( السيد محمد باقر الصدر ) اول لبنات العمل بالمذهب الاقتصادي الاسلامي من خلال ماأنجزه من محاولات فقهية فلسفية واقتصادية بلور فيها المذهب الاقتصادي الاسلامي بصورة اولية من خلال ماطرحه في كتابيه الاقتصاد الاسلامي والبنك اللاربوي في الاسلام.
وتبرز الحاجة الان اكثر الى مزيد من بلورة هذا المذهب الاقتصادي وعرضه على العالم واعتماده حلا لأزماته المالية بشكل ناجح ويعطي وضوحا اكثر لرجال الاقتصاد في العالم، ولقد سمعنا مؤخرا بعض الدعوات من رجال الاقتصاد الغربيين والتي بثت أو نشرت عن طريق اجهزة الاعلام العالمية وصفحات الانترنيت الى الاستفادة من خطوات المذهب الاقتصادي الاسلامي والمساهمة في حل أزماته المالية الحالية خصوصا بعد ان مر العالم الاشتراكي لأزمة كبيرة افقدته هيبته وتفرق بعدها الى دول عديدة بعد ان كان متحدا اقتصاديا بما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي.
وهاهو العالم الرأسمالي يمر بازمة مشابهة يحتاج فيها الى الاعتماد على المذهب الاقتصادي الاسلامي لينقذ نفسه والمجتمع الدولي من الانهيار وحدوث كوارث سياسية واقتصادية في كافة دول العالم.
ان المذهب الاسلامي يعتمد على ترويض الطاقة البشرية بشكل سليم لما يتميز به من مرونة عالية يمتلكها التشريع الذي يرعى مصلحة الدولة والمصالح الشخصية للافراد من دون افراط او تفريط وهو سبيل الاعتدال وطريقه، فهو يعتمد على الضرائب المسماة بالخمس والزكاة ويرعى جميع عقود البيع والشراء وينظم التجارات على اساس قاعدة لاضرر ولاضرار وقواعد الحرام والحلال بما يسمى بالقانون الاسلامي.
كما يهتم بالمحافظة على التوازن في قوانين الميراث ويمنع تنامي الثرة ورأس المال على حسب الافراد ويهدم راس المال في حالة الوفاة ليوزعها على الوارثين للمالك المتوفي وبذلك يحدث التوازن ويحرك المال من جديد بشكل جيد، كما يعتبر ان العمل بالتشريع الالهي واجب عيني مع توفر رقابة الضمير الذي يربيه الاسلام، ويراعي هيبة القانون التي تتمثل بالحدود الشرعية في نظام العقوبات الاسلامي.
وكما يهتم المذهب الاسلامي بالانفاق والاستثمار فهو يهتم بالاستهلاك ويرعى الحقوق ومنها حقوق المراة، فالاقتصاد والمراة اليوم من اهم المشاكل الظاهرة بين العالمين الراسمالي والاشتراكي، وبين العالم الاسلامي بسبب القراءات الخاطئة للاسلام والتطبيقات العملية الخاطئة داخل الهياكل الادارية الحاكمة في البلدان الاسلامية.
ونشير هنا الى ان المراة في الاسلام لها حقوق متميزة في حركة رأس المال، فهي وصية على مالها اولا، واما في حالات الواريث فلها سهم خاص تستطيع ان تحتفظ به دون تشغيله او تحريكه في ادارة عملية الانتاج في الوقت الذي يكون فيه للرجل سهمين ويكون منفقا عليها سواء كانت زوجته او ابنته او اخته او امه في حالة عدم وجود منفق مسؤول عن نفقتها وفي ذلك عطاء كبير للمراة، والمقال لايتسع لمزيد من شرح حقوقها وبهذه العجالة.
وفي النهاية نخلص الى القول الى ان المذهب الاسلامي يهتم بالفرد والمجتمع ويقيم التوازن بينهما، كما يهتم بالانسان سواء كان رجلا ام امراة، كما يراعي الجوانب الفلسفية والروحية والاخلاقيةلكل من الفرد والمجتمع، ويسعى لتوفير جميع مصالحهما.
كما تدعو الحاجة اكثر الى المزيد من بذل الجهود من قبل العلماء واصحاب الاختصاص المهتمين بالمذهب الاقتصادي الاسلامي لبلورته وعرضه بما يتماشى مع روح العصر والحداثة بحيث تبدو اكثر جلاءا ونفعا، واظهار المزيد من التعاون مع المجتمع الدولي بغية التخلص من ازماته المالية الخانقة.
https://telegram.me/buratha