لا تزال المحكمة الجنائية العليا في العراق تواصل جلساتها في قضية إعدام تجار عراقيين ومعاقبة تجار آخرين بقطع الأيدي في أعوام التسعينات. يمثل في هذه القضية كمتهمين عدد من كبار المسؤولين في نظام الطاغية المقبور صدام حسين، في مقدمتهم وزير الخارجية السابق طارق عزيز، واثنان من إخوة الطاغية المقبور صدام حسين غير الأشقاء، وطبان وسبعاوي الحسن.
حسن حسين حسن هو أحد أولئك التجار الذين تعرضوا لعقوبة قطع اليد، عام 1995. لم يكن حسن سياسياً بأي شكل من الأشكال، ولم يفهم، آنذاك، وحتى الآن، سبب اعتقاله، والحكم عليه بعقوبة قطع اليد، بتهم غامضة، مثل تخريب الاقتصاد الوطني، والتعاون مع القوى الخارجية. لم يكن حسن أيضاً من كبار التجار، يصف عمله بالقول:
"كان عندي محل لبيع السجائر في منطقة الشورجة في بغداد، وهي منطقة تجارية تقليدية. أبيع السجائر والمواد الغذائية، التي يستوردها التجار الكبار، وأقوم بتصريفها على أصحاب المتاجر الصغيرة."
اعتقال في حفلة الزفاف
لم يكن حسن يتوقع أبداً أن يحصل له ما حصل، ولم يعتقد أبداً أن العمل في سوق الشورجة يمكن أن تكون له هذه العواقب. لكن في ظل نظام سياسي يعتاش على الأزمات، ويعتبر العنف المفرط، والعشوائي، وسيلته الوحيدة للاستمرار، فإن كل شيء كان متوقعاً في عراق صدّام حسين. اعتقل حسن من المنزل في يوم حفل زفاف أخيه:
"في ذلك اليوم كان عرس أخي. لم أكن أعرف سبب الاعتقال، حين تم اعتقالي، كان متجري مغلقاً منذ أسبوع. لم أتوقع يوماً أن أتعرض للاعتقال. وحتى لو توقعتُ الاعتقال لأي سبب في ذلك الزمان، فلم يدر في ذهني أبداً أن يعتقلوني بسبب التجارة، وأن يقطعوا يدي لهذا السبب."
"مجرد خطأ"
هل كان الاعتقال مجرد خطأ؟ اشتباهاً في الاسم؟ أم محاولة للتخلص من مسؤولية الأزمة الاقتصادية في البلاد ورميها على بعض الأفراد الذين اختيروا عشوائياً؟ كيف يفسر حسن نفسه اعتقاله ومعاقبته بقطع يده؟
"أعتقد أنه تخبط سياسي لدى النظام السابق. بعد فترة من إعدام التجار الـ42، أرسل النظام رسالة إلى أهاليهم، اعتبر فيها الإعدام مجرد خطأ ارتكبته الدولة، وقدّم لهم الاعتذار. وحين أمر النظام بقطع أيدينا، عرفنا بعد فترة أنه كان يعتبرنا مسؤولين عن رفع أسعار الدولار في السوق. لكنهم لاحقاً اطلعوا على إمكانياتنا، وتبين لهم أننا لسنا في وضع يمكـّننا من ذلك. نحن لم نكن نمتلك حتى منازل خاصة بنا."
سبعاوي يسخر من الآلام
في مطلع يوليو الماضي توجه حسن إلى بغداد ليدلي بإفادته أمام المحكمة التي تنظر في قضية إعدام وقطع يد.. كانت بالتأكيد لحظات عاطفية مؤثرة.. حيث كان على حسن أن يروي تفاصيل ما حدث له أمام الكاميرات، وبحضور أركان النظام السابق المتهمين بالمسؤولية عن تلك الجرائم. من بين الحاضرين، كان سبعاوي إبراهيم الحسن، الأخ غير الشقيق لصدام حسين، والذي كان وزيراً للداخلية في الفترة التي عوقب بها حسن وزملاؤه بقطع اليد. يحتفظ حسن بنسخة من قرص سجلت عليه وقائع المحكمة، ويظهر فيها سبعاوي الحسن، وهو يسخر من معاناة حسن، حيث يعلق بعد إنهاء حسن لشهادته بالقول ساخراً "استمعنا إلى الأخ الذي سرد مذكراته." لكن حسن ليس مهتماً بتعليقات سبعاوي الحسن والمتهمين الآخرين، يقول:
"حضرت المحكمة في يوم 7-7-2008، وأدليت بالإفادة علناً وليس من وراء الكواليس.لأثبت مظلوميتي أمام العالم. وإن شاء الله بعد انتهاء المحاكمات وإدانة المسؤولين، سوف أبدأ بإجراءات المطالبة بالتعويض عما لحق بي. وفي هذا الخصوص لا أتوقع من الحكومة العراقية الحالية أن تحرك ساكناً لمساعدتي، لكني أعول كثيراً على مساعدة الحكومة الهولندية في الحصول على حقوقي. فالحكومة العراقية لم تفكر حتى الآن بتخصيص رواتب تقاعدية لنا ولعوائلنا."
السفارة العراقية
يشعر حسن أيضاً بالمرارة بسبب طريقة تعامل السلطات الحالية معه، هو وغيره من ضحايا النظام السابق. يروي كيف إن السفارة العراقية في هولندا رفضت مساعدته للسفر إلى العراق لغرض الإدلاء بإفادته في المحكمة، واضطر لطلب المساعدة من الجهات الهولندية. وفي بغداد نفسها، لم تكلف أية جهة رسمية نفسها لسؤاله، هو والآخرين من الضحايا عما يحتاجونه، وكان عليه أن يتدبر أمر عودته إلى هولندا بنفسه.
"الحكومة الهولندية دفعت لي ثلاث مرات أجور السفر إلى العراق. وفي المرة الرابعة أرادوا أن تتكفل السفارة العراقية بذلك. لكني فوجئت برفض السفير العراقي في لاهاي للطلب، مما دفع بعض موظفي السفارة إلى أن يجمعوا من جيوبهم الخاصة مبلغ الرحلة وهو 890 يورو.
الإنصاف وليس الانتقام
بالرغم من كل المعاناة التي تعرض لها لا يشعر حسن بالحقد أو الرغبة بالانتقام ممن ظلمه. تعلم من المعاناة، أن العدالة أهم بكثير من الانتقام، ويرى الآن أن إنصاف المظلومين أهم من معاقبة الفاعلين:
"الأهم هو تعويض المتضررين، وليس إنزال العقوبة. فالمتهمون يقبعون الآن في السجن، والجميع أصبح على علم بمدى إجرامهم. لكن إعادة حقوق المظلومين ومساعدتهم واجب على الحكومة العراقية. أنا لا أشعر برغبة في الانتقام، فقد تعلمتُ هنا في هولندا أن القانون هو الذي يأخذ مجراه وليس الانتقام."
المصدر : اذاعة هولندا العالمية
https://telegram.me/buratha