في كربلاء يتجول شحاذون من مختلف الأعمار والأجناس عند تقاطع الشوارع يطرقون نوافذ السيارات، طلبا للمساعدة وهم يحملون أطفالا صغارا، ومنهم من يقف عند أبواب المحلات التجارية تربصا بالمتبضعين، وآخرون يدخلون المباني ودوائر الدولة من دون أن يمنعهم أحد.
ولم يكتف المتسولون بذلك بل استكملوا المطاردات للمواطنين حتي علي المقابر حيث تواجد العشرات منهم من الرجال والنساء والأطفال من مختلف الاعمار وراحوا يطاردون الزائرين الذين جاءوا لزيارة موتاهم او المراقد المقدسة مسببين لهم الازعاج وحرجا فضلاً عن الإساءة البالغة للمظهر الحضاري للبلاد.
وخلال اجراء هذا التحقيق تبيّن لنا ان اغلب المتسولين هم من المهجرين الذين اضطرتهم الظروف الأمنية والأعمال الإرهابية الى ترك مناطقهم والسكن في مناطق لا يعرفهم احد فيها ،ويقول أغلب المتسولين ممن تحدثنا معهم إن أبرز الأسباب التي دفعتهم لاحتراف التسول عمليات التهجير القسري من مناطقهم وأعمال العنف الطائفي التي أبقت كثيرا من العائلات من دون معيل".
ويقول المعاق (محمود) إنه ضحية لإحدى التفجيرات التي تركته معوقا لا يستطيع تأمين قوته إلا بالوقوف أمام باب أحد المطاعم لضمان الحصول على المساعدة من رواده، بعد أن عجز عن مراجعة الدوائر الحكومية طلبا للمساعدة الإجتماعية.
بينما قالت السيدة (ام علي) وهي ايضا مهجرة من قضاء الإسكندرية التابع لمحافظة بابل انها تعيل عدد من الأيتام حيث ان زوجها قتل على يد الارهابين قبل عام ونصف وهي الان تسكن في احد احياء التجاوز غربي كربلاء بينما تعترف (ام علي) ان اولادها ايضا يتسولون مؤكدة ان "الحكومة لم تلتفت الى شريحة المهجرين واعتبرت ان وزارة الهجرة والمهاجرين لم تعطيها شيئا سوى بعض البطانيات والاحذية وان مصاريف الحياة اليومية التي تنهك اصحاب الدخول، فكيف بها وهي لاتملك شيئا بهذه البلاد "
اما الطفل ( احمد) البالغ من العمر (13) عاما فانه يقول ان عائلته كانت تسكن في محافظة ديالى قبل ان يتركون منطقتهم ويلجئون الى كربلاء كونها امينة بعض الشيء وانه بحث عن عمل لكنه لم يعرف احدا هنا في كربلاء لانه غريب حتى الدراسة لم يكملها احمد لانه يصرف على عائلته هو وبقية اخوانه "
ويؤكد احمد ان" اكثر الناس عندما يطالبهم بحسنة يعارضونه ويقولون له لماذا لاتعمل بينما يقول ان اغلب اصحاب المحال في كربلاء لا يقبلون ان اعمل في محلاتهم لكوني غريب عن المنطقة لذلك لم يجد حلا سوى ان يتسوّل في الشارع "
فيما اكد أحد الأشخاص انه شاهد بالأمس سيدة تتسول في أحد الشوارع وعندما انجزت مهمتها بنجاح أطلقت ساقيها للريح حيث اقلتها سيارة تاكسي وفي لمح البصر اختفت بها بعيداً عن الأنظار،معتبرا انها تتسول منذ سنين في المدينة وهي تتخذ التسول مهنة لها ولعائلتها".
من جانبه اعلن مسؤول وحدة العلاقات في دائرة الهجرة والمهجرين (حيدر زيارة الربيعي ) ان"حالة التسول شهدها العراق منذ بداية الحصار الاقتصادي عام 1991 ونحن كدائرة انسانية تعنى بشرائح المهجرين والنازحين وان ما يحصلونه هؤلاء من مساعدات ورواتب بين الحين والآخر لايسد رمقهم من نواحي المأكل والملبس والمسكن معتبرا ان "دائرة الهجرة والمهجرين في كربلاء لديها تنسيقا مع عدة جهات إنسانية مبينا انهم معنيون كدائرة بتوفير المساعدات اللوجستية والانسانية حيث تم شمول اغلب العوائل المهجرة بمنحة رئيس الوزراء البالغة (900000) دينار اضافة الى مبالغ شبكة الحماية ومبالغ (العيديات) معتبرا ان جميع هذه المبالغ ضئيلة بالنسبة لما يعانيه المهجر من حيف وهو خارج مدينته او منطقته التي ولد فيها ".
واضاف ( الربيعي ) ان"حالات الاستجداء والتسول التي يمارسها البعض في كربلاء وباتت منتشرة في الوسط الكربلائي هي من اختصاصات دائرة العمل والرعاية الاجتماعية ولكن بحكم تعاوننا مع الدائرة المذكورة ستقوم دائرة العمل والضمان في ادخال اعداد كبيرة من هذه الشريحة ومن العاطلين منهم عن العمل في دورات تدريبية يتعلمون فيها مهن حرة لاجل ممارستها في معترك الحياة ليكونون قادرين على العمل وليحصلوا على قوتهم اليومي" مؤكدا ان"الكثير من هؤلاء المهجرين هم اسياد في مناطقهم حيث لديهم المسكن المناسب والعمل المناسب ولكن الظروف هي التي جعلتهم بهذه الحالة ونحن كجهة معنية نحاول قدر الامكان ارجاع هؤلاء الى مناطقهم رغم التخوفات التي تصاحبهم للرجوع والعودة الطوعية ".
ويحذر أخصائيون وباحثون اجتماعيون من تنامي ظاهرة التسول التي يرون أنها نتاج الأزمات والحروب التي مر بها المجتمع العراقي في العقود الماضية، والتي ذهب ضحيتها كثير من معيلي العائلات، فضلا عما خلفه العنف من آثار سلبية أجبرت كثيرين على التسول، للبحث عن لقمة عيش عجزت الحكومة عن تقديم المساعدة لهم للحصول عليها ".
فاحد الباحثيين الاختصاصيين رفض الكشف عن اسمه يقول ان "الشعوب التي تعيش وضعا طبيعيا فان حالات التسوّل تكون لاسباب محددة منها الفقر المدقع الذي يصل بالإنسان إلي درجة لا يستطيع معها أن يوفر ضروريات حياته وحياة أسرته إلا بالمسألة ،أو الدين المفظع فهو الذي يعجز الإنسان عن سداده مع حلول أجله ومطالبة أصحابه به ولا يجد حلاً للوفاء به بهذا الدين إلا بسؤال الناس.، أو الدم الموجع فهو الديات أي كأن يكون ارتكب قتلا خطأ مثل حوادث السيارات هذه الأيام ويعجز عن سداده لضيق ذات اليد ولدفع هذه الدية يلجأ إلي سؤال الناس.
ان الوضع في العراق الان يحتاج الى مراعاة خاصة من قبل المسؤولين الحكوميين من خلال وضع سياسة اجتماعية تحفظ كرامة وحقوق الإنسان من خلال المؤسسات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني والتي تعمل علي تلبية احتياجات المواطن وخاصة العوائل المهجرة في داخل البلاد وخارجها اضافة الى الأسر المتعففة وذوي الدخل المحدود وكبار السن والأرامل والمطلقات".
موقع نون
https://telegram.me/buratha