في تموز يوليو 1992 وفي عز الحر كان العراقيون يتهيأون لأعوام قاسية قادمة بسبب الحصار الاقتصادي الذي فرضته الأمم المتحدة . وقد أرتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل حاد ومفاجيء .
وصف أبو مهند صاحب محل تجاري في حي جميلة يوم 25 من ذلك الشهر بأنه "يوم مشؤوم". فقد انتشر ت الآلاف من قوات الطواريء والامن الاقتصادي في شوارع بغداد الرئيسية وفي مراكز العاصمة التجارية ، وتم القبض على عشرات التجار العراقين بتهمة بيع الطحين المستورد انذاك بسعر 180 دينار للكيلو الواحد.
ويضيف أبو مهند " على الرغم من أن بعض المحال كانت تدار من قبل عمال ومحاسبين الا ان ذلك لم يمنع تلك القوات من القاء القبض عليهم واعدامهم رغم اعلان هؤلاء انهم غير مشمولين بالقرار وانهم مجرد موظفين". ويسلط رئيس غرفة تجارة بغداد امجد الجبوري الضوء على ذلك اليوم الذي اعتبره " مشؤوما لكل التجار العراقيين وذكرى مؤلمة لعوائلهم " واضاف ل(اصوات العراق) قائلا "مع بداية الحصار الاقتصادي على العراق اوائل التسعينات من القرن الماضي ارتفعت اسعار السلع الغذائية الى حد لم يألفه العراقيون من قبل،الامر الذي تطلب رؤية اقتصادية جديدة للسياسات النقدية والمالية آنذاك." ويتابع "لذلك رأت الحكومة العراقية آنذاك ،وعلى راسها الرئيس السابق صدام حسين ، ان مكافحة غلاء الاسعار يمكن حله بالبطش بالتجار فكان القرار الجائر باعدام كوكبة من خيرة تجارنا المعروفين بالنزاهة والخبرة في مجال السوق آنذاك."
وحول التهمة التي حوكم بها التجار آنذاك يقول الجبوري بان تهمة " تخريب الاقتصاد " التي وجهت للتجار كانت " جائرة " ويفسر الارتفاع الذي حدث آنذاك بأن "السوق يخضع لقانون العرض والطلب وللظرف العراقي آنذاك" وتابع " الا ان النتيجة كانت تضاعف اسعار المواد الغذائية لان السياسة الاقتصادية لم تكن مبنية على اسس سليمة انما على رؤية شخصية سادية."
واشار الجبوري الى ان غرفة تجارة بغداد"لديها كافة الوثائق حول تلك الفترة الصعبة التي عاشها التاجر العراقي ، وستقوم بتقديمها الى المحكمة ما ان تستدعى لتطلعهم على كافة الاوراق الموجودة في ارشيفها لاظهار الحق واعادة حقوق الشهداء ."
وكان مصدر قضائي قد اعلن اواخر شباط الماضي عن احالة قضية أعدام التجار العراقيين التي نفذها النظام السابق عام 1992، الى محكمة الجنايات الاولى التي يرأسها القاضي رؤوف رشيد عبد الرحمن، بعد استكمال التحقيقات مع المتهمين في القضية من قبل قضاة التحقيق ، مشيرا الى ان المحكمة ستنظر في ملف القضية خلال الاسابيع المقبلة بعد أطلاع أعضاء هيئة محكمة الجنايات الاولى عليه.
وقضية اعدام التجار هي القضية التي امر فيها الطاغية المقبور صدام حسين باعدام عدد كبير من التجار العراقيين ومصادرة اموالهم المنقولة وغير المنقولة بحجة مساهمتهم رفع اسعار السلع الاساسية و"تخريب الاقتصاد الوطني" . وتم اعدامهم ومصادرة اموالهم.
وكان مصدر قضائي رفض الكشف عن اسمه قد كشف في وقت سابق ل(اصوات العراق) ان"هناك ثمانية متهمين في قضية أعدام التجار العراقيين، هم كل من المجرم وطبان ابراهيم الحسن وزير الداخلية ابان تنفيذ عملية الاعدام بالتجار، والمجرم سبعاوي ابراهيم الحسن مدير الامن العام للفترة من 1991 لغاية 1995، وهما الاخوة غير الاشقاء للطاغية المقبور صدام حسين، والمجرم علي حسن المجيد والمجرم طارق عزيز والمجرم مزبان خضر هادي كأعضاء في مجلس قيادة الثورة المنحل، والمجرم عبد حميد محمود سكرتير الطاغية المفبور والمجرم احمد حسين خضير وزير المالية من 1992 لغاية 1995، والمجرم عصام رشيد حويش محافظ البنك المركزي منذ عام 1994 لغاية 2003."
وتابع المصدر ان "الجريمة التي سيحاكم وفقها المتهمون تقع تحت مسمى جريمة ضد الانسانية، وان زمان وقوع الجريمة كان ضمن سياسة منهجية لاعتقال التجار استمرت منذ عام 1992 ولغاية 1995، متضمنة أصدار أحكام بالاعدام وقطع الايادي والوشم بين الحاجبين ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة."
وعن اهم الوثائق والصور في ملف القضية، قال المصدر القضائي أن "الوثائق والاقراص المدمجة تبين ان الطاغية المقبور صدام حسين، أصدر توجيهاته يوم 25 من تموز/ يوليو 1992 الى وزير الداخلية ومدير الامن العامة للقيام بحملة كبيرة لاعتقال تجار المواد الغذائية في سوقي الشورجة وجميلة ببغداد، وهو ما اسفر عن اعتقال اكثر من مائتي تاجر ، انتقي منهم 40 تاجراً ارسلوا عصر نفس اليوم الى المحكمة الخاصة في وزارة الداخلية انذاك واستمرت المحكمة حتى بعد منتصف الليل.. وانتهت باصدار احكام الاعدام على جميع المتهمين وتنفيذ الحكم في اليوم التالي مباشرة دون منحهم فرصة مقابلة ذويهم او توديعهم وبدون حضور الادعاء العام او رجل دين."
وتقول ارملة احد التجار التي فضلت عدم الكشف عن اسمها عن تفاصيل ذلك اليوم بالقول "فوجئنا بالقاء القبض على زوجي واعدامه في نفس الوقت وصدمنا لانهم اعدموا ، ليس لكونهم مجرمين او خطرين على المجتمع،انما لكونهم تجار مواد غذائية " وتتابع" بعد الحدث عانينا من صعوبات كثيرة على راسها الخوف من تكرار الامر مع بقية افراد العائلة، بالاضافة الى عدم السماح لنا باقامة مجلس عزاء ، كما تخلى عنا اقرب الأصدقاء خوفا على ارواحهم ، وكان هذا اصعب جزء " وتتابع " اصبحنا ننظر بحذر الى كل شيء حتى الى المقربيين والاهل خوفا من مجهول يطرق الباب على حين غفلة ليسوقنا الى كتيبة الاعدام دون ان ندري ما الذي جنته ايدينا، وكنا نشعر بالمراقبة على الدوام".
وقال محمد خليل احد التجار المحكومين بالاعدام انذاك "اقتادتني قوات الامن الى مبنى محكمة مديرية الامن العامة وكان يراسها وطبان ابراهيم الحسن و كان القاضي محي عذاب" واضاف لـ(اصوات العراق) "قدمنا الى محكمة صورية سريعة اصدرت علينا حكما كان قد اتخذ مسبقا ،وهو الاعدام شنقا حتى الموت استنادا الى قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 15 في 15/1/1992"
وتابع "تم ترحيلنا في سيارة لانوافذ فيها، خاصة بنقل السجناء الخطرين الى سجن ابو غريب، ثم نودي علينا فرادى وسجلوا الاسم االرباعي واسم الام في شهادة الوفاة وسبب الموت، وهو تنفيذ حكم الاعدام شنقا. بعد ذلك حشرنا جميعا في مكان واحد وبعد وقت قصير بدأ تنفيذ حكم الاعدام بالمحكومين واحدا بعد الآخر" .
وحول الوضع خارج السجن وتاثيره على عوائل التجار قال" تم ابلاغ عوائلنا بتنفيذ حكم الاعدام وصودرت موجودات محلاتنا وشركاتنا ومخازننا في حي جميلة والتي تضم بضائع قيمتها اكثر من مائة الف دولار". واضاف "اول عمليات الاعدام نفذت بالسادة نجاح هادي كبة ورعد طبرة واحمد مال الله وستار صادق وسعدون جبار نادر ولؤي الطائي وسليم ال حمزة واربعة من العاملين معه ،وتبعهم ما تبقى من التجار ، حتى بلغ عددهم اربعون تاجرا."
وعن السبب بقائه مع ثلاثة آخرين ممن حكم عليهم بالاعدام احياء قال " عم جو من الفوضى المكان ولانعلم سببه وبقي اربعة تجار، انا واحد منهم، لم ينفذ بنا حكم الاعدام ،بانتظار ان يتم ذلك في وقت لاحق من اليوم المقبل، لكن الحكم لم ينفذ وبقينا احياء".
https://telegram.me/buratha