قال نــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، ان عاشوراء، يوم ميز بين مدرستين، الاولى مثلها الامام الحسين عليه السلام واولاده واهل بيته واصحابه، والثانية، مثلها النظام الاموي الجاهلي الذي كان على راسه الطاغية يزيد بن معاوية، وكل الذين شاركوا بقتل السبط عليه السلام.
واضاف نـــــزار حيدر، الذي كان يحاضر في مركز الامام علي (عليه السلام) في العاصمة واشنطن، ضمن البرنامج الليلي في ذكرى استشهاد سبط الرسول (ص):ان ما حدث في كربلاء في العاشر من المحرم عام (61) للهجرة، لم يكن وليد اللحظة، كما انه لم يكن صدفة او من دون تخطيط مسبق من قبل النظام الاموي الذي ورث الحقد والكراهية والبغضاء ضد الاسلام والرسول واهل بيته، بل انه نتيجة طبيعية لما يسمونها الصحابة بـ (رزية الخميس) والتي يثبتها البخاري في صحيحه {كتاب المغازي، 85 ــ باب مرض النبي (ص) ووفاته، الحديثين رقم (4475) و (4476)} ومسلم في صحيحه {كتاب الوصية، 6 ــ باب ترك الوصية لمن ليس له شئ يوصي فيه، الاحاديث رقم، (4319) و (4320) و (4321) و (4322)} واحمد في مسنده (المجلد الاول، حديث رقم (2835)} والعشرات من اصحاب الحديث والسير والتاريخ، وبقراءة متمعنة لنص الحديث يتضح لنا بان الامة انحرفت عن الصراط المستقيم منذ تلك اللحظة، عندما رفض القوم ان يناولوا رسول الله (ص) الكتف والدواة، وفي رواية، اللوح والدواة، ليكتب ما يكون سبب لعدم ضلالهم.
واستطرد نــــزار حيدر يقول: لقد رفض البعض مبدا الولاية بحجة انها تؤسس لنظام الوراثة، ولكن، ماذا كانت النتيجة؟ لقد اجتمعت الوراثة والظلم على الامة منذ ذلك التاريخ والى اليوم، ما يعني ان ما احتج به القوم وقعوا فيه فكانوا مصداقا للاية الكريمة {الا في الفتنة سقطوا}. واضاف نــــزار حيدر يقول؛ ان عاشوراء ميزت بين مدرستين، مدرسة الدين ومدرسة السلطة، وبمعنى آخر، ميزت بين مدرسة سخرت السلطة من اجل الدين، واخرى سخرت الدين من اجل السلطة، الاولى مثلها اهل بيت النبوة والوحي عليهم السلام، وعلى راسهم اخو رسول الله (ص) ونفسه التي بين جنبيه الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، الذي يقول محددا معالم هذه المدرسة الطاهرة {اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شئ من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك، فيامن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك} وفي قول آخر حدد فيه صفات الحاكم العادل {وقد علمتم انه لا ينبغي ان يكون على الفروج والدماء والمغانم والاحكام وامامة المسلمين، البخيل فتكون في اموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الجائف للدول فيتخذ قوما دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيهلك الامة} ولذلك سال عليه السلام مرة عبد الله بن عباس عندما دخل عليه وهو يخصف نعله، التي يقول عنها{والله لقد رقعتها حتى استحييت من راقعها} بكم تساوي هذه النعل؟ فاجابه ابن عباس، لا قيمة لها يا امير المؤمنين، فرد عليه الامام {والله لهي احب الي من امرتكم، الا ان اقيم حقا او ادفع باطلا} وكان عليه السلام يرفض ان يطلب السلطة بالجور، فكان يقول {ان في العدل سعة ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه اضيق} وكان يتبرم من سيطرة المنحرفين على رقاب الناس فكان يقول {ولكني آسى ان يلي امر هذه الامة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولا وعباده خولا والصالحين حربا والفاسقين حزبا، فان منهم الذي قد شرب فيكم الحرام وجلد حدا في الاسلام وان منهم من لم يسلم حتى رضخت له على الاسلام الرضائخ}.
هذه معالم المدرسة الاولى، مدرسة الدين التي سخرت السلطة من اجل الله ومصلحة الناس، اما المدرسة الثانية، مدرسة السلطة، التي سخرت الدين من اجل مصالحها الدنيوية، فقد مثلتها الشجرة الخبيثة الملعونة في القرآن الكريم، واقصد بها بني امية، التي قال زعيمهم عندما وصلت الخلافة الى الخليفة الثالث (تلاقفوها يا آل ابي سفيان، ويقصد الخلافة والسلطة، والذي يحلف به ابو سفيان انه لا جنة ولا نار) اي ان (الوحي) عنده سلطة وليس دين ابدا، او كما قال الاخر عندما وضعوا امامه راس السبط الشهيد في مجلسه في الشام؛لعبت هاشم بالملك فـــــــــــلا خبر جاء ولا وحـــــــي نزل
وسيتواصل منهج هاتين المدرستين الى يوم يبعثون، اذ لا زال اليوم من يسعى لتسخير الدين من اجل السلطة، وهي جل الانظمة الشمولية الاستبدادية التي تحكم بلاد المسلمين، خاصة الانظمة الملكية الوراثية، كالنظام في الجزيرة العربية والاردن وغيرها، والتي تتشبه بالنظام الملكي الوراثي الذي اسسه الطليق ابن الطليق معاوية بن ابي سفيان عندما ولى ابنه الطاغية يزيد بن معاوية خليفة على المسلمين، وهو الذي تقول عنه كتب التاريخ (كان يزيد صاحب شراب، فاحب معاوية ان يعضه في رفق، فقال، يابني، ما اقدرك على ان تصل حاجتك من غير تهتك يذهب بمروءتك وقدرك ويشمت بك عدوك ويسئ بك صديقك، ثم قال؛ يا بني اني منشدك ابياتا فتادب بها، واحفظها، فانشده؛انصب نهارك في طلاب العلا واصبر على هجر الحبيب القريبحتى اذا الليل اتى بالدجـــــــى واكتحلت بالغــــمض عين الرقيبفباشر الليل بما تشتهـــــــــــي فانما الليل نهــــــــــــــــار الاريبكم فاسق تحسبه ناسكـــــــــــا قد باشر الليل بامـــــــــــــر عجيبغطى عليه الليـــــــــل استاره فبات فــــــــي امن وعيش خصيب ولذة الاحمـــــــــــــق مكشوفة يسعى لها كل عدو مـــــــــــــــريب(راجع فصل، يزيد في افعاله واقواله، في تاريخ ابن كثير).
وروى صاحب الاغاني عن يزيد، وقال؛ كان يزيد بن معاوية اول من سن الملاهي في الاسلام في الخلفاء، وآوى المغنين واظهر الفتك وشرب الخمر، وكان ينادم عليها سرجون النصراني مولاه، والاخطل ــ الشاعر النصراني ــ وكان ياتيه من المغنين سائب خاثر، فيقيم عنده فيخلع عليه.
هؤلاء هم رموز المدرسة الثانية، وقس على ذلك، ولذلك، فعندما التقى مروان بن الحكم الامام الحسين بن علي عليهما السلام، وهو خارج من مكة المكرمة، فقال له؛ (اطعني ترشد) فقال له الامام {قل} قال له مروان (بايع امير المؤمنين يزيد فهو خير لك في الدارين) اجابه الامام الحسين عليه السلام {انا لله وانا اليه راجعون، وعلى الاسلام السلام اذ قد بليت الامة براع مثل يزيد} فالحسين كان يرى في نزو طاغية مثل يزيد على منبر رسول الله (ص) وسلطة المسلمين، بمثابة المصيبة الكبرى التي لا يجوز السكوت عنها ابدا، وان تطلب ذلك اراقة الدم، وهذا ما فعله الامام السبط الشهيد في كربلاء في عاشوراء عام (61) للهجرة، قائلا {ان كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي، فياسيوف خذيني}.
كما ان هناك الكثير حتى من التنظيمات الارهابية التي تسعى لتسخير الدين لاعراضها الدنيئة، فتقتل وتذبح وتفجر وتنتقم من الابرياء باسم الدين والدين منهم براء، وهم بذلك يتشبهون بقتلة السبط الشهيد الذي قال قائد جيشهم ايذانا ببدء قتل ريحانة رسول الله (يا خيل الله اركبي وبالجنة ابشري) في اخطر عملية تضليل وتشويه للحقيقة شهدها تاريخ البشرية.
ولا ننسى هنا، اضاف نـــــزار حيدر، الدور الخطير الذي يلعبه وعاظ السلاطين في دعم وتاييد مدرسة السلطة، فبفتاواهم يبررون للحاكم الظالم افعاله الشنيعة باسم الاسلام، وبمواقفهم المتخاذلة يحرضون على تاييد الانظمة الشمولية الاستبدادية، من خلال اضفاء الصبغة الشرعية على ممارساتها واعمالها التي تخالف الاسلام ونهج رسوله الكريم جملة وتفصيلا.
وضرب نـــــزار حيدر مثلا على ذلك بقوله؛ ان ابرز (علماء وفقهاء المسلمين) يعيشون في ظل انظمة ملكية وراثية، وهما قطر والمملكة العربية السعودية، ما يعني ان الهواء الذي يتنفسونه ملوث بالنظام السياسي الفاسد الذي لم يرتضيه الله تعالى ورسوله للمسلمين، الا اننا لم نسمع منهم كلمة شجب او استنكار، وهذا يدل على انهم ليسوا فقهاء وعلماء حقيقيون للدين واهله، وانما هم مجرد وعاظ سلاطين وهم ليسوا الا فقهاء السلطة والبلاط، ولذلك تراهم يصدرون فتاوى التكفير والقتل والتدمير التي يرسلونها للعراق الابي بحجة الجهاد في سبيل الله تعالى، دفاعا عن العراق الذي يقولون ان عناصر من الموساد يسرحون فيه ويمرحون، الا انهم لم يروا الرئيس الاسرائيلي عندما زار قطر في العام الماضي ونزل في فندق بالقرب من منزل كبير(الفقهاء) ومن ثم تجول في مدارس قطر والتقى بطلبتها وتجول في اسواق قطر والتقى الناس واصحاب المحال، كما انهم لم يروا الفتاة الصحفية الاسرائيلية التي صحبت الرئيس الاميركي جورج بوش في زيارته الاخيرة الى ارض الحرمين، وهي تتجول في شوارع الرياض، والتي قالت بانها تلقت معاملة هذه المرة افضل مما تلقته في زياراتها السابقة، فاين (فقهاء الامة) من كل ذلك؟ ام انهم يرون مصلحة في هذا ولا يرون مصلحة في غيره؟.
ان وعاظ السلاطين شاركوا في قتل الحسين عليه السلام، ويشتركون اليوم في تضليل الامة وقتل الابرياء، تارة بسكوتهم عن الباطل، وتارة بفتاوى التكفير التي يصدرونها، ولذلك فهم المصداق البارز لقول رسول الله (ص) الذي يقول فيه {الظالم والساكت عن الظلم والمعين عليه، شركاء ثلاثة} فهم {الساكت عن الحق شيطان اخرس} انهم شياطين الامة، وليس فقهاؤها، مهما طالت لحاهم وقصرت ملابسهم وكبرت عمائمهم.
https://telegram.me/buratha