بعقوبة -- حيدر محمد
اعتقد انه من بداهة القول التي لا يختلف عليها اثنان بان مدن ديالى هي ليست ديالى القاعدة والكتائب والمليشيات و القتل والعنف والدم اليومي ، التي تتصدر أحداثها النشرات الإخبارية للفضائيات والمواقع الخبرية على الانترنيت , وبالتأكيد ان العجب والدهشة تتملكنا جميعا ,ويتبادر الى اذهاننا سؤالا مازل يحير كل المراقبين للشان المحلي فيها مفاده, لماذا وصلت الامور الى ماهي عليها الان ,القتلى بعشرات الالوف ومثلهم المصابين والمعاقين واكثر من الف ارملة واعداد كبيرة لم يتم احصاءها من الايتام واكثر من 13 الف اسرة مهجرة فضلا عن جيش العاطلين او المعطلين عن العمل , يرافقه تردي غير مسبوق في الخدمات الاساسية وسط عجز ولامبالاة حكومي تام تسبب في احباط ويأس تامين وتعطل شبه كامل للحياة العامة في مدنها التي كانت الى وقت قريب رمزا من رموز التاخي والتسامح والضيافة التي ترسخت باحتضانها لاغلب سكان العاصمة مرتين في عامي91 و 2003 ! .ترى ما السبيل في تبديد هذه الصورة المأساوية ؟ ومن هم المسببون لنكبتها ؟ واين هم المنقذون الذين ينتشلونها ؟ ووووعشرات الاسئلة التي مازالت دون اجابة وسط التخبط السياسي سواء في ادارتها المحلية او حتى في دوائر القرار في بغداد .قبل الولوج في هذا الملف الشائك وبيان اسباب ومسببات نمو وترعرع الارهاب في مدنها والمقترحات ومشاريع انقاذها ,نرى من الضروري الاشارة الى ماضيها بشيء من الايجاز . من المعروف تاريخيا بان ارض ديالى الحالية تتشرف بانها احتضنت حضارة مملكة اشنونا التي سبقت بابل وأكد وآشور حسب رائ المؤرخين, وكانت الممر الى فتح فارس ونشر الاسلام فيها , وكانت الى وقت قريب اثارها ورموزها شاخصة(قبل ان يقدم الظلاميون على نسفها وتفجيرها خلال العامين الماضين ) وقد تعايش اهلها الخليط بسلام ووئام دون ان يعيروا اهمية او تميزا الى اصولهم او قومياتهم او مذاهبهم .تشير البيانات والاحصائيات الرسمية الى ان مساحتها تقدرب(88000 كم مربع)، وعدد نفوسها مليون وستمائة الف نسمة تقريبا ،والمدينة تتميز بتنوع عرقي يضم كل المكونات التي تشكل الفسيفساء العراقي فهناك العرب الذي يقدر نسبتهم ب 80% والكورد الفيلية والتركمان بسبب مختلفة فضلا عن تنوع مذهبي وديني فهناك الشيعة والسنة بنسب مئوية تكاد تكوم متقاربة جدا ,فضلا عن المسيحين والصابئة المندائيين وحتى اليهود كانوا فيها قبل هجرتهم الى فلسطين والمهاجر في الخمسينات من القرن الماضي , والشيئ المهم والمييز في هذا التنوع هو عدم وجود اية جريمة او حتى دعوى و شكوى على خلفية دينية او مذهبية او قومية في سجلات الشرطة والقضاء حتى عام 2004. اما تضاريس و طبيعية المحافظة ,فهي الاخرى متنوعة مختلفة من سهول الى بحيرات و جبال، ويعتبر 70% من ارض ديالى زراعية وغالبية ابناءها يمتهنون الفلاحة والبستة , ومن ارضها التي ترتوي من نهر ديالى المنحدر من ايران عبر السليمانية تنتج اجود انواع الحمضيات والتمور والمحاصيل الاخرى لذلك سميت بمدينة البرتقال .ان هذا النسيج الاجتماعي الموروث عبر الازمان لم يستطع جبروت وطغيان النظام السابق من تمزيقه رغم محاولاته العديدة عبر تهجير الالاف من ابناءها الى ايران بحجة تبعيتهم للجنسية الايرانية وقبل ذلك حملات التطهير للكورد من الشريط الحدودي مع ايران ثم مجازره في جديدة الشط وجيزاني الامام وغيرها من بلدات ومدن المحافظة , بل العكس كنا نشاهد ونلمس تعاطف ومؤازرة من الاغلبية للمظلومين .طيب ,قد يقول قارئ ما ,اذا كانت هذه الصورة البهية الناصعة هي صورة ابناء ديالى الحقيقة, فما الذي حصل خلال اقل من عامين ,وانهار هذا النسيج المتماسك وتحول الى مجاميع مجاميع تمزق بعضها البعض اربا اربا حتى لم يسلم من بطشها الطفل الرضيع فضلا عن النساء و الشيوخ والعقارات والبساتين والمياه ! والتي فاقت ما جرى في كربلاء الحسين مئات المرات. المراقب والقارئ طبعا من حقه هذا التسائل ,بل العشرات من الاسئلة الاخرى ,لكن هل يكفي ان نبرر ونقول له ان ما تشهده مدن محافظة ديالى الان من قتل عشوائي تارة وقتل على الهوية تارة اخرى وتهجير قسري واعلان دولة اسلامية وظهور مليشيات وكتائب , هو من صنع وتفكير الاخرين ودول الجوار بالتعاون مع عراقيين لا يؤمنون بوحدة الوطن ولا يستسيغون التعايش والتنوع المذهبي والقومي! كما يبرر سياسي عراقي يتبؤا موقعا رسميا كبيرا في مؤتمر دولي حول العراق عقد مؤخرا . فان لم يكن كذلك ماذا تقولون ؟ هذا تسائل مشروع ايضا , وللاجابة والتوضيح نقول ان مدن المحافظة تشهد صراعا خفيا بين أرادات متناقضة وهي كالآتي:1- الامريكية التي تهدف الى ان يكون مجتمع ديالى احاديا متجانسا من العرب السنة لاتخاذ ارضها معبرا الى ايران في حالة نشوب حرب معها .2- العربية (من دول الجواروعمقها ) الذين يريدون من ارض ديالى مسرحا ومعقلا للمتطرفين العرب السنة و التفوق على ما سواهم وافشال الدولة الطائفية حسب تصوراتهم.3- الايرانية التي تريدها شيعية لتأمين حدودها وعرقلة المشروع الامريكي وافشاله.4- السنة العرب من اهلها الذين يريدون ربط مصيرها مع محافظة صلاح الدين والرمادي لتشكيل فدرالية سنية في حالة نجاح مشروع فدرالية الوسط والجنوب الشيعية .5- الشيعة العرب من ابناءها الذين بعتقدون بانهم دفعوا دماء زكية ابان النظام السابق وانهم احق من غيرهم لانهم الاكثرية حسب نتائج الانتخابات الاخيرة .6- الكورد الذين يطالبون باجزاءها الشرقية (خانقين ومندلي وجلولاء والسعدية وحمرين ) لضمها الى اقليمهم بعد مرحلة ضم كركوك . ان الصراعات الخفية اعلاه ,فضلا عن الدور السلبي لاعضاء في مجلس محافظة ديالى الذين عرقلوا العشرات من الخطط الامنية في محاربة الجماعات المسلحة منذ بداية نموها وترعرعها ,ثم ادارة المحافظة التي تحاول امساك العصا من المنتصف دوما ,ثم كل قادة الشرطة والجيش الذين تتابعوا على القيادة ,ثم الاحزاب الشيعية وبالخصوص قياداتها الميدانية في ديالى الذين انشغلوا في المنافسة على كسب الولاءات لاحزابهم , ولم يقدروا مكامن الخطر وحجمه رغم التحذيرات المتواصلة لهم ,فضلا عن التجاوزات والخروقات داخل الاجهزة الامنية ( الشرطة والجيش ) التي لم تعد خافية على احد فالعديد منهم هم اعضاء او قادة في الجماعات المسلحة ,وضبابية دور رؤساء القبائل والعشائر والوجهاء بسبب تهميش دورهم من جهات مسؤولة في ادارة المحافظة او حتى في مكتب الاسناد من جهة ,والخشية من استهدافهم من رموز القاعدة الناشطة في مناطقهم من جهة اخرى , واخيرا دور الاعلام العراقي المضلل , لاسيما تلك القريبة والمحسوبة على الدولة و تهميشها لمظلومية ابناء ديالى من جهة و نقلها مزاعم واكاذيب المسؤولين رغم ادراكهم التام بانها اكاذيب ,من جهة اخرى. هذه العوامل واضافة الى نشاط البعثيين المتميز في مدن ديالى التي اطلق قائدهم الضرورة عليها تسمية (المحافظة البيضاء ) لعدم مشاركتهم في الانتفاضة الشعبانية عام 1991 , و وجود منظمة مجاهدي خلق التي سخرت إمكاناتها المادية والعسكرية و الاستخباراتية في خدمة الارهابين ,و تغاضي القوات الامريكية عن جرائم الإرهاب مقابل عدم استهدافها و التعرض لها, ولجوء قيادات القاعدة من مناطق الانبار عقب صحوتها و غياب الدولة وانشغالها عن مدن المحافظة (لم يزرها حتى وكيل وزير لغاية اب 2007) واخرى غيرها , ورغم مساعي القوات الامنية المعنية في ارجاع الامور الى نصابها عبر عمليات عسكرية اطلقت عليها السهم الخارق ,الا ان تلك الارادات في النهاية افرزت واقعا فرض نفسه واصبح من المسلمات شئنا ام ابينا وهو تسيد جماعات مسلحة كانت الى وقت قريب من تنظيمات القاعدة واقترفت ما اقترفت من جرائم اغتيال وتهجير , وتزعم الان الانسلاخ عن القاعدة وتحاربها رغم ان الكثير من تصرفاتها الاخيرة هي ذات التصرفات الماضية و مازالت مدن المحافظة مقطعة الاوصال وابناء الاقضية والنواحي لايستطيعون المرور بالاقضية والبلدات الاخرى , وتحولت كل بلدة او قضاء الى فدرالية لذاتها تتحكم فيها هذه الجماعة المسلحة او تلك,فضلا عن منع عودة المهجرين الى ديارهم والتمكن من ممتلكاتهم ,فكيف نتصرف معها ؟ او نعقد مؤتمرات مصالحة وطنية معها ,ومن هو كفيل الخسائر الملحقة بهذه الاسر ؟ هل نترك المجرم لانه غير اسمه ومسماه؟ هل من الممكن ان تصفح عنه الاسر المنكوبة طبقا لمقولة عفا الله عما سلف ؟ ولماذا تصفح ؟ مقابل ماذا ,هل من اجل عدة الالاف من الدنانير من لجنة التعويضات ؟ طيب ماذا عن الشهداء والمعاقين والارامل والايتام ؟.ولكن في المقابل ,ان لم تصفح هذه الاسر عما الحق بها من ظلم ودمار ومعاناة ماهو الحل ؟هل هو في تشكيل مجاميع مسلحة والشروع في اعمال عنف انتقامية ,كما يروج البعض الان على الساحة المحلية في بعقوبة و الخالص و بلدروز ؟ او التقوقع على الذات املا في الانسلاخ من المحافظة و الانضمام الى اجزاء او محافظات اخرى كما يحصل الان في خانقين ؟ الا يعني هذا هدفا اخرا من الاهداف التي تسعى الارادات المتصارعة على تحقيقها؟ اليس المواطن العادي غيرالمرتبط بهذه الارادات هو الخاسر مرة اخرى؟ .نرى اليوم , وانطلاقا من مبدأ ان بعض الشر اهون ,ان اجراء مصالحة وطنية حقيقية ميدانية , كفيلة بحقن دماء من تبقى على الارض والسبيل الى انصاف المظلومين وارجاع حقوقهم المغتصبة وتمهيد الارضية المناسبة لتقوية دولة القانون والنظام لتكون هي الراعية للحقوق والاخذ بها , لذا على الاسر المنكوبة بابناءها ومتلكاتها , ان تواصل عطاءها وتضحياتها من خلال:1-المبادرة في تاجيل المطالبة باستحقاقاتها القانونية المترتبة بحق مسببي نكبتها بالاسلوب المليشياوي.2- اناطة امرها للقضاء العراقي كي يبت بها في سقف زمني لا يتجاوز عام واحد ,وفق السبل والاطر القانونية المرعية .على ان يتم ومنذ الان :1- تقنين عملية تواجد هولاء المسلحين على الساحة المحلية بشرط ان تكون مشتركة من كلا الطرفين .2- ان تكون الحكومة العراقية هي التي تدفع مرتباتهم بواقع نصف راتب منتسبي الشرطة .3- ضرورة اطلاق تسمية جديدة عليها لمحو الصور السلبية المترسخة في اذهان الناس عن مسمياتهم السابقة ,كأن تكون ساهرون مع رقم لكل سرية ,فضلا عن تميزهم عن القوات النظامية بزي او اشارات متفق عليها .4- تنظيم اعدادهم وتوحيدها بعد جمع المعلومات الكافية عنهم وتقسيمهم الى سرايا وفصائل وتنسيب ضباط ادارة من الشرطة والجيش العراقي للاشراف عليها كما كان متبعا مع تجربة الافواج الخفيفة الكردية ابان الحرب العراقية الايرانية.5- ان تتزامن هذه الاجراءات مع الاسراع في عملية تعويض حقيقة للاسر المنكوبة والمهجرة على ان لاتقل عن خط الشروع (3 مليون دينار عراقي ) .6- ترويج معاملات تعويض حقيقية عن ممتلكاتها سواء كانت عقارات وبساتين ام مصالح تجارية او اثاث او عفش وغيرها وفق اليات عملية مدروسة وليست وفق الاليات التي تم اتخاذها مؤخرا بشان مبلغ ال50 مليون دولار الذي اعلنت عنه الحكومة .7- تشكيل لجان خاصة من الناشطين او العاملين ضمن ملف مهجري ديالى ,مهمتها الحث على العودة المشرفة لهم الى ديارهم بعد تامين الارضية المناسبة بالتعاون مع ادارة ومجلس المحافظة والجهات الساندة الاخرى وفق برنامج ترعاه جهة حكومية تتمتع بصلاحيات وميزانية مالية مستقلة .8- تطويع ابناء المهجرين في الجيش والشرطة باقصى سرعة ضمن الشروط المرعية , واشراك من لايمتلك هذه الشروط في هذه اللجان وفق ذات الاليات التي تعمل بها الكتائب .وبما ان عناصر الكتائب المسلحة ( اللجان الشعبية ) اصبحت حقيقة واقعة على الارض ميدانيا فيجب ان يتم وفق الشروط والاليات التالية :1- استدعاء رموزها وقادتها والزامهم على تقديم تعهدات خطية بسلامة العائدين, وبعكس ذلك يجرى التعامل معهم بحزم يصل حتى الاعدام العلني في شوارع المحافظة .2- ان يتعهد منتسبو هذه اللجان بعدم ارتكابهم اية جريمة او عملا ارهابيا خلال الفترة الماضية .3- وان كان قد اقدم عليها, يقدم اعترافا بذلك مطالبا الصفح عما ارتكبه والقبول بالحل العشائري المعروف بين المتقاتلين .4- ان يتبرأ خطيا من كل التنظيمات الارهابية التي سببت الفوضى في مدينة بعقوبة وبلداتها .5- وان يقدم ما يملك من معلوات وبيانات عن الضالعين في جرائم القتل والتهجير والابتزاز الى الجهات العراقية المعنية حصرا . وعلى مجلس النواب العراقي هو الاخر مسؤولية كبيرة ,وعليه ان يجتهد في :1- سن قوانين ومشاريع قرارات من شانها تذليل المصاعب والمشكلات التي نشات بسبب الظروف الامنية المتردية .2-الحيلولة دون تغير ديموغرافي لسكان المحافظة اواقتطاع اجزاء منها كما مخطط لها .3-تاجيل انتخابات مجلس المحافظة او ضمان ان يصوت ابن ديالى المهجر والنازح من موقعه الحالي, وعدم اهدار صوته لتفويت احدى اهم الاهداف التي سعت اليها تلك الارادات المتصارعة .
https://telegram.me/buratha