كان الإمام الحسين عليه السلام يحبّها حبّاً شديداً ، ويقول فيها وفي اُمّها الرباب الشعر ، قال :لعمـركَ أنّنـي لاُحـبّ داراً * تـحلّ بهـا سكينـة والربابأحبّهما وأبـذل جـلّ مـالي * ولـيس للائمـي فيهـا عتابولست لهم وإن عتبوا مطيعاً * حيـاتي أو يعلّيني التراب (1)وفي هذه الأسطر القليلة نلقي الضوء على بعض جوانب حياتها المباركة :
في كربلاء :لقد حضرت هذه العلوية الشريفة مع والدها أرض كربلاء ، وشاهدت ما جرى على أبيها واخوتها وعمومتها وبقية بني هاشم وأنصارهم ، وشاركت النساء مصائب السبي ، والسير من كربلاء إلى الكوفة ثم الشام فالمدينة .وعندما ذُبح أخوها عبدالله الرضيع اُذهلت سكينة ، حتى أنّها لم تستطع أن تقوم لتوديع أبيها الحسين عليه السلام ، حيث حفّت به بنات الرسالة وكرائم الوحي ، وقد ظلّت في مكانها باكية ، فلحظ سيّد الشهداء عليه السلام ابنته وهي بهذا الحال ، فوقف عليها يكلّمها مصبّراً لها وهو يقول :سيطول بعدي يا سكينة فـأعلمي * مـنك البكاء إذا الحِمـام دهانيلا تحـرقي قلبـي بدمعكِ حسرةً * مـا دام منّي الروح في جثمانيفإذا قتلتُ فأنـتِ أولـى بـالذي * تـأتينه يـا خيـرة النســوانوبعد مصرع الحسين عليه السلام ومجىء جواده إلى الخيام عارياً وسرجه خالياً ، خرجت سكينة فنادت : واقتيلاه ، واأبتاه ، واحسناه ، واحسيناه ، واغربتاه ، وابعد سفراه ، واكربتاه .فلمّا سمع باقي الحرم خرجن فنظرن الفرس ، فجعلْن يلطمن الخدود ، ويقلْن : وامحمداه (2) .وعند رحيل العيال بعد مصرع الحسين عليه السلام مرّوا على أرض المعركة ، فشاهدت سكينة جسد أبيها على الصعيد ، فألقت بنفسها عليه تتزوّد من توديعه وتبثه ما اختلج في صدرها____________1 ـ الأغاني 16 : 139 ، البداية والنهاية 8 : 209 ، تذكرة الخواص : 233 ، الفصول المهمة : 183 .2 ـ زينب الكبرى عليها السلام للشيخ جعفر النقدي : 109 .()
من المصاب ، ولم يستطع أحد أن ينحيها عنه حتى اجتمع عليها عدّة وجرّوها عنه بالقهر (1) .
شعرها :لم نجد من شعرها إلاّ أبيات قليلة قالتها ترثي أباها الحسين عليه السلام ، وهذا يُكذّب ما نُسب للسيّدة سكينة من مجالسة الشعراء والتحكيم بينهم ، فلو كانت بالمستوى الشعري الذي زعموه لملأت الدنيا رثاء لأبيها الحسين عليه السلام ، فقد ذكروا أنّ الخنساء كانت تقول البيت والبيتين وبعد مقتل أخوها بلغت في رثائها الغاية .ففي أمالي الزجّاج عدّة أبيات قالتها سكينة ترثي أباها الحسين عليه السلام :لا تعـذليه فـهمّ قـاطعٌ طُـرقُـه * فعينــه بـدمــوع ذُرَّفٍ غدقةإنّ الحسين غـداة الطف يـرشقه * ريب المنون فما أن يُخطىء الحدقةبـكفّ شــرّ عبـاد الله كلّهـم * نـسل البغايا وجيش المرّق الفسقةيا اُمّة السوء هاتوا ما احتجاجكـم * غـداً وجلُّكـم بـالسيف قد صفقهالويـل حلّ بكـم إلاّ بمن لحقـه * صيّـرتمـوه لأرمـاح العِدا درقـةيا عين فاحتفلي طول الحياة دمـاً * لا تبكِ ولـداً ولا أهـلاً ولا رفقـةلكن على ابن رسول الله فانسكبي * قيحاً ودمعاً وفي إثرهما العلقة (2)
زواجها :لم يسلم أهل البيت عليهم السلام من الطعن ، ومحاولة تشويه سمعتهم ، سواء كان الطعن والتشويه بشكل مباشر لأئمة أهل البيت سلام الله عليهم ، أو لِمن يتّصل بهم بنسب أو سبب ، وحتى شيعتهم ومحبيهم لاقوا ما لاقوا من شتى أنواع التهم والإفتراءات ، كلّ ذلك بسبب ولائهم لأهل بيت أذهب الله عنهم الرجل وطهّرهم تطهيراً .____________1 ـ تظلّم الزهراء : 224 .2 ـ أمالي الزجّاج : 169 ، أدب الطف 1 : 158 .)
فعند مطالعتكَ للتأريخ لا تكاد تجد مَن سلم من هذه الإتهامات ، فعلي يشرب الخمر!!! وأبوه مات كافراً!!! وعبدالله بن جعفر زوج العقيلة زينب سلام الله عليها يسمع الغناء ويطرب!!! .وأما مسأله تعدد الزوجات والأزواج فكأنّما أصبحت من المتسالم عليها عند المؤرّخين ، فالحسن عليه السلام يتزوّج بأكثر من ثلاثمائة امرأة ، و اُم كلثوم وقصة زواجها من عمر بن الخطاب ومَن بعده ، وفاطمة بنت الحسين عليه السلام وزواجها من حفيد عثمان بن عفان ، ثم تعرّض ابن الضحّاك لها ، وسكينة وتعدد أزواجها .قالت الدكتورة بنت الشاطىء بعد أن أوردت قوائم الأزواج : وتختلط الاسماء اختلاطاً عجيباً بل شاذاً ، حتى ليشطّر الإسم الواحد شطرين ، يؤتى بكلّ شطر منهما على حدة ، فيكون منهما زوجان للسيّدة سكينة ، فعبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام شطّر شطرين فكان منه زوجان : عبدالله بن عثمان ، وعمرو بن حكيم بن حزام ، أو كما ترجم في دائرة المعارف عمرو بن الحاكم .ولا سبيل هنا أمام ما نرى من تناقض وشذوذ إلى تتبّع حياتها الزوجيّة تتبّعاً دقيقاً يعتمد على اليقين التأريخي ، هذا اليقين الذي يعزّ علينا في التأريخ النقلي بوجه عام ، وهو هنا في موضع زوجيّة سكينة ، أبعد من أن يُلتمس وأعزّ من أن يُدرك أو ينال .فنحن لا نكاد نحاول ما نبغي من تتبع حتى يلقانا عنت من اضطراب الروايات ، وتناقض الأخبار ، وتعدّد الأقوال ، واشتباك السبل ، إلى حدّ يتعذّر علينا معه أن نستبين وجه الحقّ في هذا الحشد المختلط المشتبك ، وإذ ذاك لا سبيل إلى أن نطمع في أكثر من الترجيح الذي يعتمد على ما نسميه بالطمأنينة النفسية أكثر ممّا يعتمد على مرجّحات منهجية وقرائن غالبة .لقد كان أمر هذا التناقض في الروايات والأخبار يهون ويسهل لو أنّه توزّع بين مراجع شتى مختلفة ، ينفرد كلّ منها بإحدى الروايات ، فيكون سبيلنا إلى الترجيح أن نختار أقدمها أو آصلها أو أدعاها إلى الثقة على هدي القواعد المقرّرة للترجيح والوزن والمقابلة والتعديل والترجيح . ولكنّا هنا أمام روايات متناقضة تجتمع في المصدر الواحد دون محاولة
من مؤلّفها للفصل بينها أو حسم الخلاف فيها ، بل دون كلمة تؤذن بأنّه يحسّ ضيقاً بهذا الخلاف .ففي صفحة واحدة من الأغاني مثلاً تقرأ أربع روايات متناقضة متضاربة سردها أبو الفرج متتابعة ، ثم لا شيء أكثر من هذا السرد .وإذا بلغ الخلاف في الموضع الواحد أن يكون الأصبغ المرواني أوّل أزواجها في رواية ورابعهم في اُخرى ، ثم لا يشار إلى هذا الخلاف بكلمة واحدة .وإذا بلغ الشذوذ فيما يروى من حياتها الزوجيّة ، أن تلد لمصعب بنتاً تتزوّج من عمّها أخي مصعب ( كما في دائرة المعارف الإسلامية ) .وأن يقال : إنّ الرباب بنت امرىء القيس ، التي أهلكها الحزن على زوجها الحسين ، فماتت بعده بعام واحد ، قد بُعثت من قبرها لتشهد مصرع مصعب بعد سنة 70هـ ، وترفض زواج بنتها سكينة من قاتله ( كما في الأغاني ) .وأن تزوّجها ( دائرة المعارف ) عبدالله بن عثمان ابن أخي مصعب وعمرو بن الحاكم بن حزام ، ولا خبر في نسب قريش وأنساب العرب عن وجود أخ لمصعب اسمه عثمان ، أو حفيد لحزام اسمه عمرو بن الحاكم (1) .وقال أيضاً : ونقل صاحب الأغاني رواية عن سعيد بن صخر عن اُمه سعيدة بنت عبدالله ابن سالم : أنّ السيّدة سكينة لقيتها بين مكة ومنى ، فاستوقفتها لتريها ابنتها من مصعب ، وإذا هي قد أثقلتها بالحلي واللؤلؤ ، وقالت : ما ألبستها الدر إلا لتفضحه .ثم أتبعها أبوالفرج برواية اُخرى عن شعيب بن صخر عن اُمّه سعدة بنت عبدالله : أنّ سكينة أرتها بنتها من الحزامي ، وقد أثقلتها بالحلي ، وقالت : والله ما ألبستها إياه إلاّ لتفضحه .وهكذا بين فقرة واُخرى صار سعيد بن صخر شعيب بن صخر ، وصارت سعيدة بنت عبدالله بن سالم سعدة بنت عبدالله ، كما صارت بنت مصعب بنت الحزامي (2) .____________1 ـ سكينة بنت الحسين عليه السلام ضمن موسوعة آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : 832 .2 ـ سكينة بنت الحسين عليه السلام ضمن موسوعة آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : 885 .(وتتحدّث الدكتورة عن زواج سكينة بعمرو بن حاكم بن حزام فتقول : وعمرو هذا أو عمر هو أخ لجد عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام ، زوجها بعد مصعب ، ولا ندري كيف أدركت سكينة إلى أن يصبح في حساب هؤلاء أن تتزوّج من رجلين بينهما ثلاثة أجيال (1) .وقالت : إنّ الشيعة كما ذكرنا في مطلع هذا الفصل يرفضون الإعتراف بهذه الزيجات المتعاقبة ولا يقبلون منها غير ما ذكروه من زواجها بابن عمّها الحسن ، ثم مصعب بن الزبير ، وعذرهم واضح ، فما كانت هذه الأخبار في تناقضها وتدافعها واختلاطها بالتي تدعو إلى شيء من ثقة وطمأنينة ، وقد رأيناها زوّجت سكينة من عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم ابن حزام ، ثم من عمّ أبيه عمرو بن حكيم .وبعثت الموتى من قبورهم بعد سنين ذوات عدد ، فجعلت الرباب اُم سكينة ترفض زواجها من عبدالله بن مروان بعد قتل مصعب .وسبقت الزمن فجاءت على مسرح الأحداث بالأجنّة في بطون اُم هاتهم ، حتى جعلت هشام بن عبدالملك ـ الذي ولد بعد مقتل مصعب أو كان رضيعاً في عامه الأوّل ـ يتدخل في حكاية ابراهيم بن عبدالرحمن لمّا أراد زواجها بعد ترمّلها من مصعب بن الزبير .فليس بالغريب أن ترفض الشيعة هذه الروايات جميعاً ، وقد تعارضت فتساقطت ، وكذّب بعضها بعضاً ، وجاوزت نطاق المعقول (2) .وقال علي دخيل : والذي عليه الشيعة أنّها لم تتزّوج غير ابن عمّها عبدالله بن الإمام الحسن عليه السلام ، ويوافق الشيعة على زواجها بعبدالله بن الإمام الحسن عليه السلام غيرهم من السنّة ، نذكر من كتب الطرفين : إعلام الورى : 127 للمجدي ( مخطوط ) ، اسعاف الراغبين : 210 ، رياض الجنان : 51 ، مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم : 330 ، سكينة بنت الحسين عليه السلام للمقرّم : 72 ،____________1 ـ سكينة بنت الحسين عليه السلام ضمن موسوعة آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : 884 .2 ـ سكينة بنت الحسين عليه السلام ضمن موسوعة آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : 885 .
https://telegram.me/buratha