ربما كان علينا ان نأخذ بالمعلومات القائلة ان نوري المالكي يتوخى من عملية الانبار قطع رأس الافعى (ما دام قطع الرؤوس شائعا)، هذا يحملنا على التساؤل لماذا صبر الرجل كل هذا الوقت، وقد سقط آلاف الضحايا بأيدي ابي بكر البغدادي وزبانيته، ومن يقف وراءهم بطبيعة الحال؟ وهل حقا ما يردده اخصامه من ان العملية استعراضية وتتعلق باشاعة مناخ سيكولوجي معيّن قبل الانتخابات التشريعية…
لا ريب ان المؤسسة العسكرية في العراق تعاني من التخلخل ان بسبب الفساد المستشري، وعلى ذلك النحو المريع في كل مفاصل الدولة ودون ان يكون ذلك بتدخل او بتأثير خارجي (ولا بمؤامرة خارجية)، او بسبب التصدع السياسي والمذهبي الذي يجعلنا نزداد اقتناعا بأن الديمقراطية عندنا تحتاج الى الف عام لتدب على قدميها. ولقد قال الكسي دوتوكفيل انها مثل اولاد الازقة تربي نفسها بنفسها.عندنا اولاد الازقة بين ثقافة البنادق وثقافة الاراكيل.
الواضح ان ثمة الف يد ويد تلعب بالعراق، إما لابقائه يترنح هكذا ولا يتحول الى دولة فاعلة بامكاناته الديموغرافية، وبموارده الطبيعية، وبادمغته التي كانت على وشك تصنيع القنبلة النووية، او لتفكيكه ليعود الى ما قبل قرار ونستون تشرشل دمج الولايات الثلاث (الموصل وبغداد و البصرة) في دولة واحدة لتكون هناك مرجعية مركزية للنفط و ليس لان الانكليز الذين اخترعوا الجامعة العربية على ذلك النحو الكاريكاتوري ضنينون بالوحدة حتى داخل الدولة الواحدة…
وحين كنا نسأل عن السبب الذي يحول دون الجيش العراقي واجتثاث ابي بكر البغدادي كما فعل الاميركيون باجتثاث ابي مصعب الزرقاوي، كنا نفاجأ بالاجابة، اي ان اجهزة الاستخبارات العراقية التي يبدو انها تعاني من التخلخل نفسه لا تملك المعلومات الكافية حول نقاط انتشار خلايا تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام، وهي الخلايا التي اكتسبت الكثير من الخبرة بل ومن البراعة في الاستقطاب كما في البنية التنظيمية وفي الاداء…
وكان يخشى ان يضيع الجيش العراقي في تلك الصحراء التي تناهز مساحتها الـ 50 الف كيلو متر مربع، ودون ان تكون هناك المعطيات الدقيقة التي تتيح لسلاح الجو توجيه ضربات قاتلة، الى ان فتح الاميركيون خزائنهم ووضعوا امام القيادة العراقية الصور التي التقطتها الاقمار الصناعية والتي تحدد امكنة التموضع والانتشار، كما اعلنوا عن اجراءات سريعة لارسال الصواريخ والطائرات دون طيار الى العراق..
اذاً، ضرب رأس الافعى، فالثابت ان « داعش»، بديناميكيتها القتالية، وبشدة بأسها، فضلا عن توترها الايديولوجي، اندفعت بقوة نحو الارض السورية، وتحديدا من الصحراء، دون ان تجد اي مشكلة في اجتياز الحدود المترامية الاطراف، وان تفرض سيطرتها على مناطق شاسعة، وصولا الى معبر باب الهوا بين سوريا وتركيا وحيث البوابة الرئيسية التي طالما استخدمتها الاستخبارات التركية للتدخل الميداني في الازمة السورية.
وثمة معلومات لا يرقى اليها الشك بأن التعاون بين الاتراك و«داعش» لا يزال قائما على قدم وساق بعدما اضطلعت انقرة بدور محوري في ايواء المجموعات المتشددة من القوقاز وآسيا الوسطى، وصولا الى اوروبا، وحتى تدريبها واعتماد تقنية المحاكاة في تعريفها على التضاريس السورية قبل ان يتم نقلها عبر الحدود الى ميادين القتال.
الاميركيون الذين بدأوا التواصل مع الجبهة الاسلامية بالرغم من رفضها الظاهري لذلك، والذين تؤكد مصادر ديبلوماسية انهم تمكنوا من التواصل مع ابي محمد الجولاني من اجل عقد صفقة ما معه ليكون شريكا في السلطة السورية العتيدة، وهو تكرار للخطأ القاتل الذي طالما ارتكتبه واشنطن، يبغون تصفية «داعش» التي تتواجد قيادتها العسكرية والسياسية في منطقة الانبار والتي تقاتل على اساس ان العراق وسوريا يشكلان وحدةجغرافية وعقائدية، دون ان ننسى انها تعتبر لبنان ايضا جزءا من هذه الخريطة.
السيناريو يقضي بقطع الترابط العملاني واللوجيستي بين منطقة الانبار والمناطق السورية التي تقع تحت سيطرة «داعش» حتى اذا ما حدث ذلك امكن للجبهة الاسلامية التي تنسق مع «جبهة النصرة» على اكثر من صعيد تصفية قوات تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام، وبالتالي اعادة تصنيع معارضة سورية يمكن للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة استخدامها في اي حل يتعلق بهيكلية السلطة في سوريا.
لا يمكننا ان نغفل هنا ان ثمة جهات داخل الجبهة الاسلامية كما داخل «جبهة النصرة» تشكك الى ابعد الحدود في النوايا الاميركية، وهي تعتبر ان الاجهاز على «داعش» انما يشبه الاجهاز على الثور الاسود ليتم القضاء على الثيران الاخرى واحدا واحدا، وبالتالي اعادة تأهيل «الجيش السوري الحر»، ببنية تنظيمية جديدة وبمفهوم قتالي (او حتى تفاوضي) مختلف..
هذه الاشكالية لم يتم حلها بالكامل بالرغم من ان الكلام الذي صدر عن الجولاني لقناة الجزيرة كان بـ«اللغة الاميركية»، كما ذكر احد المواقع الالكترونية التابعة لـ«داعش» والذي اعتبر ان ادارة باراك اوباما المتواطئة او التابــعة لادارة فلاديمير بوتين انما تخطط اســتراتيجيا لتعويم النظام الحالي في دمشق بعدما قال مايكل هايدن، رجل الاستخبارات الشهير، انه قد يكون الخيار الافضل بين الخيارات المطروحة.
بدقة نتابع عملية الانبار، وخفايا عملية الانبار التي هي جزء من السيناريو الذي يتم اعداده لسوريا. التفاصيل تأتي لاحقاً…
7/5/131229 تحرير علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha