ودع (نزار) أطفاله الثلاثة، صباح أمس الأربعاء، بعد أن قبلهم واحدا تلو الأخر... ووعدهم بأن يجلب لكل منهم، عند عودته مساءً ، ما طلبه من أشياء تشبع دهشة الطفولة.. وترضي عاطفة الآباء ، ولم ينس (نزار)، وهو يفضي إلى الشارع الضيق من بيته البالغ البساطة المكون من غرفة واحدة وملحقات ضرورية، أن يرسم ابتسامة المعهودة وهو ينظر إلى الخلف كعادته على زوجته الحبيبة .
لم يدر بخلد ( أبو سيف) أن حفنة من المجرمين تترصده... تماما مثلما لم يدر بخلد ( أم سيف) إنها الابتسامة الأخيرة التي تراها على شفاه زوجها الحبيب، لأنها تعرف تماما أن هذا الصحفي الشاب الواعد لايثير عداوة أحد... لشفافيته وحبه المفرط للآخرين، وحب الناس له، بالرغم من الأخبار التي تسمعها يوميا وتشعل قلقها عن خطورة مهنة الصحافة .
يقول جمال الهاشمي، رئيس اتحاد أدباء ميسان، لـ ( أصوات العراق) اليوم الخميس "كان نزار مثالا للصحفي الصادق والنزيه، المحبوب من الجميع... فلم أسمع عنه في أي يوم من الأيام أنه أثار صخبا أو خلف عداوة."وأضاف الهاشمي "كان من الشباب المجدين والمجتهدين الذين يدركون أهمية الكلمة وقداستها، وكان من أهم الرموز الصحفية في ميسان... ووصف دائما بحياديته وأدائه الصحفي الملفت للإنتباه، وأسس بمثابرته وجهده المتميز لتشكيل رابطة الصحفيين الشباب في ميسان... والتي أصبحت من المنظمات المهنية الواعدة."
وسع ( نزار ) خطاه واستعجل قليلا، فثمة ورشة للصحفيين تقيمها ناشطة نسويه قادمة من البصرة... وهو قد تأخر عن موعد بدئها، وذلك ليس من عادته . وعلى إيقاع خطاه المتسارعة، يبدو أنه كان يخطط لتنفيذ الفكرة التي طرحها على زملائه قبل ساعات... وهي عمل تحقيق صحفي عن الحركة النسوية في ميسان، فقد كان يقول دائما "إن المرأة في مجتمعنا تحتاج إلى من يأخذ بيدها... وتستحق كل احترام وتقدير."
وصل ( أبو سيف) إلى فندق (الأعراس) الذي تقام فيه الورشة، ودلف بسرعة إلى القاعة التي تقام بها ورشة العمل .يقول سعد حسن الصحفي في جريدة (الصباح) الذي كان مشاركا في الورشة "حضر الزميل نزار متأخرا قليلا، وبعد أن طرزت روحه المرحة وقفشاته المحببة عمل الورشة... خرجنا في حوالي الساعة الحادية عشرة."وأضاف حسن " كان الزميل نزار خلفنا بمقدار عشرة أمتار، ووقف يتحدث مع مسؤولة الورشة ( زينب صادق) في شارع (دجلة) قرب فندق الأعراس... وفجأة سمعنا صوت الرصاص يلعلع حولنا، فإنكفأت أرضا... وكذلك بقية الزملاء، وكان هناك ثلاثة من المسلحين بلحى كثيفة ويرتدون ملابس بيضاء... وترجلوا من سيارة (بيك أب) حديثة، شاهرين مسدساتهم... وبدأوا يطلقون الرصاص دون توقف نحو الزميل نزار ونحونا."
ولفت شاهد العيان إلى أن أغلب المسدسات الثلاثة "صوبت نحو الزميل نزار، وبعد أن أفرغ المسلحون نيران أسلحتهم... استقلوا سيارتهم بكل بساطة، دون أي تدخل من رجال الشرطة الذين كانوا على مقربة من مكان الحادث."وقال حسن " توجهنا إلى نزار، الذي كان منبطحا على الأرض، ظنا منا أنه أصيب بجرح بسيط... لكن للأسف وجدناه غارقا في دمائه وقد فارق الحياة." كان مع الزميل الراحل أكثر من خمسة صحفيين، منهم سعد حسن مراسل (الصباح) وحيدر الساعدي مراسل (راديو المربد) وأحمد البهادلي وآخرين .
يقول حيدر الساعدي " كنا قد خرجنا للتو من (فندق الأعراس) في شارع دجلة، بعد أن فرغنا من ورشة الصحفيين... وفجأة إنهمر سيل من الرصاص خلفنا، وبعدها رأينا الزميل ( نزار) وقد سقط على الأرض مضرجا في دمائه الطاهرة." وأضاف الساعدي " كان نزار ناشطا في منظمات المجتمع المدني، وصحفيا ممتازا ونزيها إلى أبعد الحدود... ولا نعرف سببا لإستهدافه."
أما الصحفي أحمد البهادلي، فلم يستطع الحديث جراء صدمته وشعوره العميق بالحزن .والشهيد نزار الراضي من مواليد ميسان في (29/2/ 1969) ، وحاصل على شهادة البكالوريوس في الآداب، وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال.
وشارك المئات من مثقفي وصحفيي ميسان ومواطنيها في تشييع جثمان الفقيد الراحل أمس الأربعاء، بعد أن صدمهم خبر اغتيال أحد فرسان الكلمة الصادقة الحرة الشريفة . وبدلا من يعود ( نزار ) في المساء إلى أطفاله الثلاثة بالحلوى ولزوجته الموعودة بابتسامته الدائمة، عاد قبل الأوان إلى بيته المتواضع في ذلك الزقاق القديم الذي ضاق بأحلامه وحبه الكبير للوطن... محمولا على الأكتاف، وملفوفا بالعلم العراقي... والجميع غير مصدقين ما حدث، ويتساءلون: ماذا جناه هذا الشاب اللامع... وماذا جناه الآلاف غيره من شباب هذا الوطن، ومتى ينتهى هذا الكابوس الجاثم على أنفاس العراق والعراقيين...؟
https://telegram.me/buratha