ملاحظة: التحقيق منشور في موقع بنت الرافدين
حسين الفنهراوي (بنت الرافدين) / بابل
على بعد كيلو متر عن مدينة الحلة وعلى الجانب الايسر من شطها وهو فرع من نهر الفرات الذي يقطع المدينة الى نصفيين هناك بناية جنوب المدينة عبارة عن عدد من القاعات والجملونات يعود تاريخ بناءها الى خمسينيات القرن الماضي تشبه البنايات المهجورة حين تلقي عليها النظرة الاولى... تحيطها برك من المياه الخفيفة والثقيلة وفضلات الحيوانات وكتل العظام واللحم.. عشرات الآلآف من الذباب... بل الملايين تستقبلك بطنينها الذي لايهدأ... ربما انها تعيش نشوة الفرح وهي تعيش وسط اطنان من الازبال والنفايات واللحم ومخلفات الذبح.
جملون مسقف بأعمدة من الحديد لا تكاد ترى من كثرة الذباب العالق فيه... السنارات او ما يعرف بالعامية ( الكنارة) التي يعلق فيها اللحم هي الاخرى عبارة عن كتلة من الذباب كما هي المروحة السقفية التي كان لها النصيب الاكبر في عدد الذباب المتعلق فيها ربما لانها عالية عن الارض ولا يستطيع احد ازعاجها... الارضية مغسولة كما ذكر عامل النظافة... ولكنها كارثة فكيف كانت من قبل التنظيف من كتل اللحم وبقايا االعظام التي تملىء ارضية المكان المشققة المليئة بيرقات الديدان الخيطية وغيرها ولو رأى اي شخص مجزرة الحلة فلن يجرأ ابداً على تناول قطعة لحم واحدة "ارجوكم انقلوا هذه المأساة الى المسؤولين لعلهم يصحوا من سباتهم وينظروا باعينهم الى ما يجري من حولهم ومنها هذه المجزرة" قالها الدكتور حيدر علي حسين ( مسؤول شعبة العيادة الخارجية والداخلية في المستشفى البيطري في الحلة ) ثم اضاف بألم "بالله عليكم هل هذه مجزرة" ...
ثم بدأ يشرح مأساة هذه المجزرة التي لا يوجد فيها شيء يدل على نظافتها قائلاً:
ان عمر هذه المجزرة طويل في اواسط الخمسينيات بنيت هذه المجزرة وهي لا تملك المواصفات التي يجب ان يكون عليها انشاء المجازر فقانون المجازر يلزم بناء المجازر خارج حدود البلدية وهي داخل حدود البلدية ويجب ان تكون بعيدة عن الانهر والمبازل لكنها تقرب من شط الحلة 30 متر... اما مخازنها فانها مخازن مسقفة والمقرر ان تكون احواض أو مخازن مفتوحة حتى يتم ترسيب المياه الثقيلة فيها ومن ثم تعالج برفع الفضلات بالبوكلت حينما تمتلىء لان فيها فضلات صلبة... اضافة الى عدم وجود مياه صالحة لغسل المجزرة واللحوم فيها فاكثر المياه التي تستخدم في هذه المجزرة اما من شط الحلة او من احواض قرب المجزرة تابعة الى نسيج الحلة وهي ملوثة بسبب وجود عشرات من الكلاب السائبة بقربها وجميع هذه الكلاب مصابة بداء الجرب".
اخر المشاريع
ثم اضاف الدكتور مسؤول شعبة العيادة الخارجية والدواجن "في العام الماضي كان مشروع بناء مجزرة جديدة ضمن المواصفات الحديثة من المشاريع التي كانت تنفذ في الحلة ولكن قبل انتهاء العام اتصلنا بالجهة المانحة وهي السفارة الامريكية فاعلمتنا ان القائمقام السابق وضع هذا المشروع اخر المشاريع في بابل وعندما انتهى العام ولم ينفذ عادات الاموال الى الجهة المانحة دون الاستفادة منها ولكن المهندس عبد الحسين هادي مدير بلدية الحلة ذكر خلاف ذلك قائلاً "ان المبالغ المرصودة لبناء مجزرة حديثة في الحلة نقلت الى ترميم مستشفى ابن سيف الجنابي في المسيب".
كلاب لا تأكل اللحم!!!
في بناية المجزرة وهي عبارة عن جملون يحتوي على كمية قلية من مادة النورة التي تستخدم في تصفية وتنقية المياه ضمن مشروع ماء حي النسيج كانت عشرات الكلاب السائبة تقطن هذا المكان وجميعها مصابة بداء الجرب المعدي للانسان والحيوان... حيث ذكر الدكتور مسؤول العيادة الخارجية في مستشفى البيطري ان هذه الكلاب او البعض منها ممن لم يصب بالجرب لحد الآن يدخل المجزرة ويأكل مخلفات اللحم المتبقي اما ممن اصيب بداء الجرب فانه لا يأكل اللحم مطلقاً... ومرات عديدة نعرض على هذه الكلاب قطع لحم فتمتنع عن اكلها مطلقاً... بسبب اصابتها بمرض الجرب التي يمنعها من تناول اللحوم وعدم تقبلها له.
فلوس .. اكو ... ماكو
بعدها قال بآلم وحسرة "ان واجبنا هو القضاء على هذه الكلاب حتى لاتكون أداة ناقلة للمرض للانسان والحيوان ولكن راجعنا مجلس المحافظة لشراء بندقية جديدة بمائة وخمسون الف دينار... ولكنه بخل علينا وعلى صحة المواطن بهذا المبلغ بذريعة ان ( فلوس ما عدنه) كما اخبرهم احد المسؤولين في المجلس... وعدنا الى طريقة قديمة وهي وضع السم القاتل في اللحم ولكن هذه الحيوانات بدأت لاتقبل اكل مادة اللحم"... مضيفاً ومشيراً الى قبة صغيرة قال عنها "ان هذه المحرقة لم يحرق بها اي حيوان منذ عشرات السنين" وفعلاً ان ارضيتها التي تحتوي على حيوان نافق منذ اكثر من عشر سنوات دعمت صحة كلامه... قائلاً "ان اكثر من نصف القصابين بدأوا يهجرون المجزرة ويذبحون في محلاتهم لعدم وجود النظافة اولاً ولصعوبة الوصول ثانياً وللتخلص من ثمن الذبح ورسوم المجزرة ثالثاً... وهذه سابقة خطيرة .. خاصة اننا هنا نفحص الحيوان قبل الذبح وبعده بوجود اطباء اكفاء ماهرين وبمبلغ (50) دينار فقط ولكن البلدية تأخذ اكثر من (100) دينار ... حيث كانت تذبح يومياً 200 بقرة وعجل و500 رأس غنم اما هذه الايام بدأت تقل حتى اصبحت من 50-60 بقرة وعجل و200-300 رأس غنم والعدد يقل تدريجياً بسبب احوال المجزرة"...
ماذا تقول البلدية؟
"ماكو غيرهه، انها مشكلة مدينة الحلة ومأساتها" هكذا قالها المهندس عبد الحسين هادي مدير بلدية الحلة عندما اتصلنا به ليعلمنا عن هذه المأساة ... واضاف مبتسماً ... "المجزرة هي بأدارة مديرية بلدية الحلة وفهي التي تديرها وتشرف عليها بعد ان هجرها المستثمرون لعدم صلاحيتها للذبح وممانعة اكثر من نصف قصابي المحافظة من الذبح في المجزرة فهي لا تسد تكاليف المقاولة.. وهناك لجنة شكلت في مديرية بلدية الحلة لادارتها ... وهناك مشاكل في المجزرة منها ان هذه المجزرة هي اقدم مجزرة في العراق تقريباً ولاتستوعب هذا العدد الكبير من الذبائح وكذلك عدم تعاون المحافظة ومجلسها مع البلدية في جدية مشروع بناء مجزرة جديدة، إضافة الى الوضع الامني السيء وعدم تعاون القصابين مع لجنة الفحص والذبح والتعامل بسوء وعدم وجود مفرزة شرطة يمكنها السيطرة على كثرة الشجارات والمشاكل التي تحدث في المجزرة... اما احواض المجزرة فانها لم تكن بالصورة الصحيحة فالاحواض التي يمكن استخدامها هي عدة احواض متصلة لترتيب المياه الثقيلة وانتقال المياه الخفيفة الى الحوض الثالث والرابع ليسهل سحبه ويرفع الفضلات الصلبة بالآت رفع النفايات ونحن قد قدمنا الى مجلس المحافظة مقترح انشاء مثل هذه الاحواض وعندما وجدوا ان المبلغ كبير وهو (100) مليون دينار رفضوا ذلك". وعن المنظمات المانحة قال مهموماً "انا آسف ان الكثير من منظمات المجتمع المدني في المحافظة لم تقدم مقترح الى منظمة لـ (CHF) التي دعمت وتدعم مشاريع المحافظة ولكنها لا تعامل مع الجهات الحكومية فاطلب من المجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني بتقديم مقترح او مشروع المجزرة لمنظمة الـ (CHF) التي باستطاعتها ان تنشىء اكبر مشروع مجزرة في الحلة ... وهي منظمة جيدة ومتعاونة ومشاريعها كبيرة". مضيفاً ان مجزرة الحلة كارثة بيئية بعد ان هجرها القصابون والنظافة فهي مصصمة في الخمسينيات عندما كان نفوس مدينة الحلة لا يتعدى الــ25 الف نسمة فكيف يمكنها ان تسد الحاجة في هذا الوقت. والمجزرة كان لها كل يوم اثنين استراحة للتنظيف الجيد والتعقيم ولكن التعقيم غادرها هو الآخر... ختاماً يا مسؤولين
لم تكن مجزرة الحلة المشكلة الوحيدة في بابل فهناك عشرات المشاكل البيئية بعد ان حلت مشكلة سيارات ( النص ريم ) ودخانها الذي هدأ في العام الماضي ... ولكن المجزرة ومعامل الطابوق ونفايات المستشفيات والمياه الثقيلة ونهر اليهودية... مشاكل تنتظر الحلول من مسؤولين لايعرفون ان الوقاية خير من العلاج فهو يبني مستشفى وباستطاعته قتل المرض قبل وصوله الى جسم الانسان ...
https://telegram.me/buratha