قرار الاتحاد الأوروبي وضع «الجناح العسكري» لحزب الله على لوائح الإرهاب لا يقدّم ولا يؤخّر من وجهة نظر الحزب. «العصمة الآن» في يد حزب الله فهو لن يوقف ما يراه مناسباً في سوريا ولم يخسر شيئاً من قرار أوروبا هي التي خسرت
لم تبرد بعد الكنبة التي جلست عليها السفيرة السويسرية روث فلنت قبل أسبوعين. هناك في مكتب النائب علي فياض الطامح إلى أن يكون «إرهابياً» وفق التصنيف الأوروبي الجديد لم تستطع فلنت أن تنعم بالضيافة المعتادة؛ لأن «الإرهابيين» صائمون. السفير الفرنسي باتريس باولي كان أفضل حالا إذ لم يكن شهر رمضان قد بدأ بعد خلال زيارته الأخيرة للمكتب ذاته.
شرب باولي الشاي واستمع إلى وجهة نظر حزب الله من الأزمة السورية. قبل أيام أي قبل قرار الاتحاد الأوروبي وضع «الجناح العسكري» لحزب الله على لائحة الإرهاب، كانت زيارات سفراء دول الاتحاد لمسؤولي الحزب تسير بانتظام، ولا تنحصر بمسؤول العلاقات الدولية في الحزب النائب السابق عمار الموسوي بل تتعداها إلى مسؤولين آخرين، يلبسون «توكسيدو» خلال أيامهم العادية، ويعلّقون بذلاتهم العسكرية في الخزانة. ولن يتغيّر شيء على ما يبدو، إلّا إذا قرّرت المقاومة عكس ذلك.
لا يخفى أن العدد الأكبر من سفراء الاتحاد كان شغلهم الشاغل في المرحلة الماضية، وتحديداً خلال وبعد معركة القصير، استطلاع دور حزب الله في سوريا، طبيعته، أهدافه، حدوده وأسبابه. حتى إن بعضهم «تذاكى»؛ إذ شمل استطلاعه ما قد يكون عليه ردّ حزب الله إذا ما صدر القرار، ومدى تأثير هذا القرار على العلاقة مع القوات الدولية العاملة في الجنوب «اليونيفيل» وكيفية تعامل حزب الله معها.
وخلال جولة لها قبل ثلاثة أسابيع استمعت سفيرة الاتحاد أنجلينا إيخهورست إلى رؤساء بلديات منطقة مرجعيون وهم يشرحون تأثير قرار من هذا النوع على علاقة الأهالي بالقوات الدوليّة إلّا أن إيخهورست طمأنتهم ولربّما طمأنت اليونيفيل، لا الأهالي، إلى أن القرار لم يتّخذ حتى الآن لأن الاتحاد حريص على الاستقرار في لبنان.
ليس هذا فحسب. ليل الأحد ــ الاثنين أي في ليلة صدور القرار، التقى مسؤول في الاتحاد الأوروبي بمسؤولين من الحزب، واستوضح المسؤول الأوروبي موقف الحزب من جديد في حال صدور القرار، مشيراً إلى أن هناك انقساماً حاداً حوله بين دول الاتحاد.
الضغط الأميركي والإسرائيلي على دول الاتحاد الأوروبي لم يتوقّف في الأصل، طوال السنوات العشر الأخيرة، لتصنيف حزب الله إرهابياً. صمدت أوروبا كل هذا الوقت، لكن «شو عدا ما بدا؟». تقول مصادر مقرّبة من حزب الله أن السبب الرئيسي للخضوع الأوروبي هو مشاركة حزب الله في سوريا، «ليس لديهم أي شيء للردّ على مشاركة حزب الله في سوريا والإنجازات التي يحققها محور المقاومة سوى هذا القرار، ويعرفون أن الحزب لن يناقش في مثل هذه الأمور، ولن يوقف ما يراه ضرورياً في سوريا». تجمّعت العوامل إذاً، الضغط الأميركي والإسرائيلي الضخم إذ يعمل طاقم كامل من الدبلوماسيين الإسرائيليين على التحريض على حزب الله منذ سنوات، وكذلك «الحنق» من حزب الله على التدخل في سوريا، وهو ما يفضحه الموقف الفرنسي مضافاً إلى هذه العوامل تدخّل عربي ـــ لبناني.
في ما خصّ الموقف الفرنسي، يقول مقرّبون من حزب الله إن فرنسا كانت دائماً تعارض الخضوع للضغط الأميركي وتصنيف حزب الله إرهابياً، لسبب أساسي هو عدم خسارة قدرتها على التأثير في الملفّ اللبناني. أما الوجه الآخر لفرنسا، أي قيادة الحملة على حزب الله، فهدفه واضح بحسب المقربين من الحزب: «وضع مدوّنة سلوك أو قائمة ممنوعات ومسموحات، بحيث يصبح حزب الله خاضعاً وتصبح القرارات سيفاً مصلتاً عليه، وهم يعرفون أن هذه الأساليب لا تنفع مع المقاومة». وتشير المصادر ذاتها إلى أن الوثائق التي نوقشت في بروكسل لفتت نظر دبلوماسيين إلى أن بعضها يحمل «نفساً» لبنانياً وبصمات لبنانية.
وهي مشابهة إلى حدّ كبير لتلك التي جرى تداولها قبل أسبوعين في جلسة مجلس الأمن الدولي، الذي شهد تجاذباً حول بيانه الرئاسي لجهة إدانة دور حزب الله في سوريا والطلب منه سحب مقاتليه قبل أن تعطّل الدبلوماسية الروسية هذا التوجّه.
وتتحدّث مصادر أخرى مقرّبة من حزب الله أيضاً، عن أن جولة الأمير بندر بن سلطان الأخيرة إلى أوروبا قبل عشرة أيام التي قيل إن الهدف منها الحثّ على تسليح المعارضة السورية بأسلحة تقلب مجريات الميدان السوري لمصلحتها، تخلّلها تحريض سعودي وتشجيع لأوروبا على اتخاذ قرار بإدراج حزب الله ضمن قوائم الإرهاب .
حصل ما حصل. من وجهة نظر المقاومة، فإن «أوروبا بقرارها الأخير قد أخطأت بحقّ نفسها، ثمّ بحقّ دورها وسياستها في لبنان. فليعطونا فائدة من قرارهم الأخير». وتشير المصادر إلى أن القرار «يخلّ بالتوازن في الدور الأوروبي ويقوّض دور الاتحاد كوسيط يحتفظ بقدر، ولو ضئيلاً جدا من النزاهة في الصراع بين المقاومة وإسرائيل أو بين مختلف الأطراف اللبنانية، ويفقده التأثير».
هذا يشبه إلى حدٍّ كبير الخطأ الذي ارتكبته أوروبا سابقا حين وضعت حركة حماس على لائحة الإرهاب، «فبدل أن تضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات دفع قرارها إسرائيل إلى ارتكاب مزيدٍ من المجازر بحقّ الشعب الفلسطيني والإمعان في سياسة مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات على أنقاض حقوق الشعب الفلسطيني، القرار الأوروبي الجديد يفضي إلى النتيجة ذاتها في لبنان».
إلا أن قوى 14 آذار تلقّفت «محاسن» القرار بالنسبة إليها على قاعدة «مصائب قومٍ عندٍ فوائد» إذ يقول المقرّبون من المقاومة إن قوى 14 آذار زادت من تعنّتها في الملفّات الداخلية «وهي تتصرّف بطريقة صبيانية في استغلال القرار ضدّ حزب الله في الداخل اللبناني».
يدرك الأوروبيون أنهم مضطرون إلى التعامل مع حزب الله في كل شأن يخصّ لبنان وسوريا حتى إن بعض السفراء يهمسون في السّر لمن يلتقون بهم من حزب الله وغيره بأنهم يعترضون على قرار الاتحاد الأوروبي فيما يجلس البعض لساعات يستمع إلى رؤية حزب الله في ما يخصّ الأزمة السورية وتطوّراتها، لنقلها إلى حكوماتهم في أوروبا مثلما فعل أمس موفد الخارجية البلجيكية السفير مارك أوتي في لقائه مع الموسوي.
ما زالت أبواب حزب الله للأوروبيين مشرّعة، كلّ حزب الله بـ«أجنحته» المتعدّدة، «من أراد الزيارة، فأهلاً وسهلا وسنرى إن كان لدينا الوقت الكافي لاستقباله». الحزب لن يستجدي العلاقة على ما يقول مقربون منه، كذلك فإنه لم ولن يميّز بين عسكري وسياسي ومن يدري قد تُفاجأ إيخهورست عصر اليوم بالموسوي يلبس بذلته العسكرية لاستقبالها.
2/5/13726
https://telegram.me/buratha