استطلاع جاسم فيصل الزبيدي بدور العامري
لا يخفى على الكل ما للمرأة من اهمية بالغة في بناء الأسرة والمجتمع ،وهذه المكانة المرموقة اكدت عليها كافة الأديان السماوية فهي الأم والأخت والأبنة والزوجة والحبيبة....هذا عن دور المرأة بشكل عام ،اما دور المرأة العاملة فيكاد يكون اكبر وأسمى من دور المرأة الطبيعي فهي الى جانب تربية وتنشأة الأسرة تقع عليها مسؤلية اعالتها …والمرأة العراقية خير مثال لهذه الشريحة المجاهدة بعد أن القت ظروف العراق بأثارها ومخلفاتها على كاهل المرأة بشكل خاص من حروب ودمار وتردي الأوضاع الأقتصادية والمعيشية وفي وقتنا الحالي فأن للمرأة العاملة هموم وشجون تكاد تنأى بها لمسارات الحزن والأسى ..فكثير منهن احترفن مهناً لا يمكن ان يشغلنها لولا شظف العيش وانعدام المعين ...اخترنا نماذج من نساء مجاهدات في سبيل لقمةالعيش يتحملن مسؤولية اعانة عوائلهن بكل صبر وجدالوضع الاقتصادي دفعني للعملالسيدة حبيبة أم لستة اطفال تروي لنا بعض من تفاصيل حياتها وعملها قائلة :كان زوجي بائع خضار في السوق ولم يترك لي شيئ بعد وفاته حيث كان اكبر ابنائي عمره 12 سنة فلم اجد حل غير ان ابحث عن عمل او مصدر للرزق يكفل ادامة معيشتي واطفالي السته فقد كان وضعنا المادي والأقتصادي جداً ضعيف ونحن نسكن في بيت عبارة عن غرفة ومطبخ صغير وهو ملك لأحد اقاربي جزاه الله خيراً والذي دعانا للسكن فيه من دون مقابل لحين تيسر امورنا،خرجت لأبحث عن عمل لي في دوائر الدولة فلم اجد غير ان اكون(عاملة نظافة)في احد المستشفيات القريبة منا ،وفي الأيام الأولى واجهت مشاكل وصعوبات عديدة اهمها رفض اخوتي لعملي كونه يمس مكانتهم الأجتماعية وهو لا يليق بهم في نظر الناس،لكنني واصلت عملي وكنت على ثقة من ان (العمل الشريف لايوجد فيه عيب أو عار) كما انني بحاجة لهذا العمل اذ لتكن عندي اي مؤهلات دراسية او شهادة اخرى تمكنني من ايجاد مكان اكثر راحة واحترام ،وهكذا استمر الحال واستطعت من مجابهة الصعوبات وتذليلها في طريقي مما زادني ثقة بنفسي وعملي واهمية المسؤولية الملقاة على عاتقياني فخورة بعمليالسيدة ام محمد( 43 عاماً)ام لولد وثلاث بنات،فقد زوجها اثناء الحرب بين العراق وايران،سردت لنا بعض من تفاصيل حياتها المليئة بالمتاعب والتي غطت ملامح وجهها بالشحوب،قائلة:فقد زوجي وترك لي اربعة اطفال دون ان يكون لنا معيل او مصدر للعيش ولادار ملك للسكن لكي تخفف عن كاهلي المثقل فأخذنا نتنقل بين الأيجارات وبعض البنايات القديمة العائدة للدولة ،لكن ماكان اصعب هو كيفية توفير القوت لي ولأبنائي وللمرأة العجوز والدة زوجي فأتخذت لي ركناً تحت جسر الخضر المعروف،واصبحت ابيع الملابس(البالات)والحاجيات المستعملة الأخرى حتى اصبحت هذه المهنة هي مصدر الدخل الوحيد الذي يعينني في توفير ابسط مستلزمات الحياة من مأكل وملبس دون الحاجة الى رأس مال كبير بعد ان عجزت وانا ابحث عن عمل او وظيفة حكومية اخرى ،وتستمر الحياة مع زيادة التعقيدات ومتطلبات الأبناء التي تكبر معهم وهكذا مرت بنا فترة التسعنيات العصيبة بكل معنى الكلمة خاصة عندما تكون عائلة بظروفنا..لكنني وبرغم كل المرار والمعاناة اشعر اني فخورة بعملي وانجازي في تربية ابنائي الذين كبروا(حتى يشيلون الحمل عني)اما بناتي الثلاثة فقد تزوجن واصبحن ربات بيوت ممتازاتالحاجة ام الأختراعاما السيدة ام لؤي هي نموذج أخر للمرأة العراقية الصابرة ، وهي ام لأحد العوائل المهجرة الى محافظة المثنى بعد ان اجبرتهم سطوة الأرهاب على ترك منازلهم وتعكير حياتهم الهادئة التي عاشوها في قضاء المحمودية لتروي لنابعض من صراعها مع الزمن قائلة:استشهد زوجي في عام 1983 وكان عمري 28 سنةانذاك وترك لي ولدين وبنتين فوقعت مسؤلية المعيشة والأعالة على عاتقي ،علماً ان راتب الشهيد لا يكفي لسد ربع الأحتياجات الضرورية للبيت والأولاد فبدأ مشروعي عن طريق تجميع (سلفة)مع نساء المنطقة لأشتري ماكنة خياطة بعد ان تعلمت الأساسيات في فن الخياطة كما يقولون(الحاجة ام الأختراع)وهكذا وبعد فترة من الزمن ولاني كنت مبدعة في الخياطة فقد اصبحت تتردد علي النساء من اماكن مختلفة بعد ان اثبت مهارتي وجدارتي في الخياطة والحمدلله سارت الأمور بصبر وتصميم على مواصلة الحياة غير ان هذه المهنة اخذت الشيء الكثير من صحتي،حيث كنت اقضي بعض الليالي بالخياطة المستمرة في سبيل اتمام عملي بالموعد المطلوب وعدم الأخلال بألتزاماتي مع زبائني،لأجد ثمرة تعبي وسهرالليالي في تربية ابنائي تربية صالحة وتوفير الحياة الكريمة لهم وها هم الأن ولدي البكر لؤي متزوج ويعمل صاحب محل كهربائيات والذي يساعده اخية الأصغر أما بناتي واحدة منهن طالبة في كلية التربية والأخرى في كلية العلومقررت الأعتماد على نفسياما الست سميرة والتي تعمل معلمة لمادة الزراعة تلك السيدة التي استطاعت بحسن اخلاقها وقوة شخصيتها ان تكسب احترام الجميع سواء في العمل او داخل المجتمع بصورة عامة فهي صورة اخرى للمرأة العاملة في ظروف غير اعتيادية تقول:كانت حياتي ميسرة لحين تخرجي من معهد المعلمات بعد ذلك تزوجت برجل اكتشفت فيما بعد انه غير كفوء فقد سافر وتركني مع ابنتاي(التوأم )و بعد ان انتقلنا معه من الكوت الى مدينة السماوة فطلبت منه الطلاق لكنه لم يطلق مما اجبرني على البقاء وعدم العودة الى اهلي، فقررت الأعتماد على نفسي في كل شيء خاصة تربية بناتي وعدم التأثيرعلى حياتهن ومستقبلهن،كانت ايام عصيبة فالراتب لا يتعدى ثلاثة الاف دينار ورغم ذلك كنت اوفر جزءاً بسيطاً منه لشراء الأجهزة الضرورية للبيت مثل الثلاجة والمروحة والطباخ،علماً اننا كنا نسكن في مشتمل صغير لبيت عائلة محترمةبالقرب من المدرسة التي اعمل بها وقد استطعت التوفيق بين عملي كوني معلمة ومعاونة مدير في المدرسة وبين واجبي كأم مسؤولة عن معيشةعائلتي الصغيرة وبشهادة زملائي في المدرسة،لا اخفيكم سراً اننا عانينا الحرمان من اشياء كثيرة على سبيل المثال ملابسنا كانت من الحصص المخصصة للموظفين في الأسواق المركزية اما بالنسبة لنوعية الطعام كنا نرى اللحم وا الدجاج في يوم استلام الراتب فقط وتستمر الحياة بصبر وثبات وانا الأن فخورة بمستوى وتربية بناتي اللتان شاءت الأقدار ان يدخلا كلية واحدة وهي التربية /قسم الناريخ اتمنى ان يكونا مدرستين على قدر المسؤلية في تنشئة الجيل الجديد ويكملا المسيرة.واجبات تختلف عن واجباتلانطيل الوقوف امام تلك السيدة المثابرة لنحط الرحال قرب سيدة اخرى اعتادت على تحمل الأعباء منذ نعومة اضافرها السيدة أم عباس بائعة لبن وام لخمس بنات وولدين كانت تجلس في احد الطرق الفرعية للسوق وبجانبها شابتين يضعن امامهن اواني (لقيمر وجبن العرب)قالت:انا امتهن بيع الروبة والقيمر والجبن منذ صغري ففي عوائلنا نحن اصحاب الجاموس،للمرأة واجبات اخرى غير واجب المرأة العادية بالأضافة الى كونها أم ومسؤلة عن تربية الأطفال تقع عليها اعالة العائلة عن طريق صناعة اللبن ومنتجات الحليب الأخرى وبيعها وتصريفها في اليوم التالي بالنسبة لي اخذت هذه المهنة من امي وجدتي وبعد فترة ستقوم زوجة ابني وابنتي في هذا الدور بحثاً عن لقمة العيش الشريفةثم التفت ابنتها لأسألها عن رأيها بالعمل الذي تزاوله واهم المشاكل التي تواجهها اجابت:انا مهمتي توزيع الطلبات على البيوت ولكني مستاءة من معاملة البعض لي والنظرة المتدنية التي ينظرون الينا بها فلو كنت قد اكملت تعليمي لما كان هذا حالي !فقد كانت في القرية مدرسة ابتدائية واحدة اما المتوسطة كانت في المدينة وهي تبعد عنا كثيراً فلم استطع الألتحاق بها وحاجتي الى المصاريف حالت بيني وبين اتمام تعليمي ولربما سأكون في وظيفة اخرىوتطول القائمة بأسماء لسيدات أعمال وصور مختلفة لنساء مجاهدات لا يمكن للمجتمع اغفال المنجزات العظيمة التي قدمنها للمجتمع ورفده بالجيل القادم وابت انفسهن الا الاعتماد على انفسهن ولذا من الضروري الوقوف بجانبهن ومساندتهن في تحدي الظروف القاهرة عن طريق تخصيص راتب شهري او توفير السكن لمن لا سكن لهم وبذلك تكون الدولة قد ازاحت بعض من هموم هذه الشريحة المنتجة.
https://telegram.me/buratha