بالمشاركة العسكرية لمقاتلي حزب الله في معارك القُصير في سوريا، إنتقل مستوى الصراع ضد تحالف مقاتلي الجماعات التكفيرية مع القوى الرجعية في المنطقة، الى المواجهة المكشوفة والتي كانت مؤجلة نوعا ما مع المؤامرة الأمريكية والصهيونية التي تستهدف القضاء على المقاومة ومشروعها بأسره.
إذ أن المؤامرة الصهيوأمريكية لا تهدف الى خلط كل الأوراق والملفات لصالح الصهاينة في المنطقة فحسب، بل هي تهدف بالأساس إلى تغيير المعادلات واعادة رسم خارطة جديدة للمنطق ، بعد أن نفذت صلاحية الخرائط السايكسبيكوية التي مر عليها قرن كامل بالتمام والكمال، ولم تعد التعديلات التي أجريت عليها منذ عام 1948 (تاريخ أنشاء الكيان الصهيوني الغاصب) بكافية .
الشيء الجديد أن استعمال التكفيريين للسلاح الكيمياوي في الحرب الدائرة، يأتي لينزع عن وجوههم القناع الإسلامي الذي خدعوا به الأمة عقودا طويلة، وهاهم اليوم أدوات علنية رخيصة في سياق ضرب المقاومة والعمل على سلب قوتها وإعادة تثبيت مصالح الاستعمار الأمريكي والصهيوني في المنطقة وتأمين حمايته.
وبقراءة موضوعية لموقف المقاومة الإسلامية التي يقودها السيد نصر الله، سيما بعد الانتصار الكبير في 2006، يلحظ أن حزب الله ومعه كل قوى الرفض، أزاحوا ذلك القناع المهلهل، وكشفوا عمق العلاقة بين الصهاينة وتحالف الدوحة والقوى التكفيرية، وكشفت كل أوراقها ولم يعد في جعبة هذه الخلطة ما يخفونه فلعبوا على المكشوف..
إن حزب الله وهو يقاتل على أرض القصير إنما يقاتل وهو ينظر إلى الأمور بنظرة إسلامية مجردة، وينظر إلى الواقع الإسلامي والقضية الإسلامية الحقة، التي يجب أن تتخذ بغض النظر عن المعيار السني أو الشيعي.
ولا شيء يحدث بالصدفة، ولم تترك الأمور على عواهنها لمشيئة الأقدار، إذ أن ما يجري في سوريا اليوم هو مخطط تفصيلي لبلقنة سوريا ولبنان بإغراقهما بدورة عنف وأضطرابات تم الإعداد لها منذ أمد ليس بالقصير، وتبدو الصورة وكأن السيناريو اليوغسلافي يراد له أن يتكرر في سوريا، فبتخطيط أميركي اسرائيلي، وتمويل وتسليح عربي خليجي وبأيد وأذرع عربية متصهينة، يجري تدريب وتمويل المسلحين والإرهابيين.
ويصاحب هذا السيناريو سيناريو بالشق الأعلامي هدفه إغراق المتلقي بكم هائل من الأكاذيب والتهويلات عن حجم التدخل الأيراني المزعوم، مع أن كل الدلائل لا تشير إلا الى دور إيراني بناء بمنع تدهور الأوضاع وأنحدارها لصالح العنف والقسوة..
وفي مفارقة فجة يجري شحن طائفي لم يشهده المسلمين ربما منذ واقعة الطف، فعلى مر التاريخ الأسلامي لم يخرج أي مسلم من الملة، لكن الهيمنة التي بسطها الوهابيين التكفيريين على المؤسسات الأسلامية السنية ، قمعت كل صوت معتدل، وصادرت الأفواه والألسن، موظفة الفتوى الدينية توظيفا خطرا ينقض كل بنيان تصالحي توافقي يقرب بين أبناء الأمة، ظهر أئمة التكفير على حقيقتهم مطلقين سيلا من قذارات التخوين وإتهامات العمالة على حزب الله وأمينه العام، مع أن مطلقيها هم أجدر بهذه الأتهامات التي لم تعيبهم بل باتوا يفخر ون بها..
وتأتي في هذا السياق الهجمة الشرسة التي يتعرض لها حزب الله وسماحة السيد حسن نصر الله، الذي قال عنه أحد المنصفين من المثقفين السعوديين بأنه النقطة المضيئة الوحيدة في تاريخ ألأمة العربية منذ أمد طويل، وحركت مملكة ال سعود ماكنتها الاعلامية بكل قوتها ضد السيد "حسن نصر الله" خاصة بعد الانتصار الكبير الذي حققه الجيش السوري ضد المجموعات المجاميع المتمردة المدعومة سعوديا وقطريا وتركيا واسرائيليا وأميركيا في مدينة القصير.
إن لهيب الحرب في سوريا بات عابرا للحدود لأن الذين أوقدوه هم من خارج الحدود، والأنباء كشفت أمس عن أرقام مذهلة تقرب من مائة ألف مقاتل من 82 جنسية يشاركون بالقتال في سوريا، وعلى هذا الطريق أيضا يجر لبنان الى أتون حرب تختبر خلالها "مهارة" اللبنانيين بالاحتراب الداخلي الذي عمل على إذكاءه تيار المستقبل ة وقوى 14 آذار بكل ارتباطاتها المشبوهة..
لكن بالمقابل فإن ميلان كفة الصراع لصالح القوات المسلحة السورية، وبدئها مرحلة جديدة من إنتزاع المبادئة والمتمثلة بشروعها بتطهير مدينة حلب ثاني كبرى المدن السورية وعاصمة البلاد الاقتصادية ، يشي بنتائج مهمة قبل مؤتمر جنيف 2..
فالقيادة السورية التي صرحت بأنها ذاهبة الى المؤتمر بلا شروط مسبقة ، ستذهب بلا عقد، وستبسط الأحداث أمام القوى الكبرى كما هي، سيما وأن تلك القوى أدركت ولو متأخرة أن مايجري في سوريا ليس في مصلحة السلم العالمي، وأنه سيقود العالم الى مواجهة قطبية عالمية، لا يبدو أن الدول الكبرى راغبة فيها مثلما هي ليست مستعدة لها، وهي منشغلة بهمومها الكبرى ومن بينها الهم الأقتصادي ..ناهيك عن أن ما يحدث في تركيا من احتجاجات متصاعدة كان مفاجأة حفلة عرس الثعالب..!..
https://telegram.me/buratha