أحمد زين الدين
عند الحادية عشرة من صباح الأربعاء الخامس من حزيران الجاري، بدأ اجتماع روسي - أميركي - أممي في جنيف، لتذليل العقبات أمام مؤتمر "جنيف-2".
ثمة رجلان دخلا إلى هذا الاجتماع كان الزهو يملؤهما، وهما: نائب وزير الخارجية الروسية؛ غينادي غاتيلوف، أحد صقور الإدارة الروسية، والأكثر تشدداً في التعامل الروسي مع الملف السوري، ومساعد وزير الخارجية الروسية للشرق الأوسط؛ ميخائيل بوغدانوف، أحد أكثر الدبلوماسيين الروس معرفة بالتطورات الأمنية السورية.
بينما دخلت سيدتان هما اليزابيت جونز، التي كانت نائبة لحامل الملف السوري روبرت فورد، وهي مقرّبة من ناظر الخارجية الأميركية جون كيري، والتي حلت مكان فورد من قبَل الإدارة الأميركية، والذي عجز عن توحيد المعارضات السورية، فانصرف يشتمها، والثانية هي مديرة الشؤون السياسية في الخارجية الأميركية؛ ويندي تشرمان، التي تمسك أيضاً بالملف النووي الإيراني.. دخلت السيدتان متجهّمتي الوجهين، وولجتا بسرعة إلى غرفة الاجتماع، من دون الالتفاف إلى أي من الموجودين.
كان واضحاً لكل من رأى الوفدين أن أمراً كبيراً قد حصل، قلب الموازين والمقاييس، وجعل الروسييْن واثقين من خطواتهما، بينما الأميركيّتان بدتا كأن ماءً حاراً أحرق رأسيهما وأقدامهما.
في صبيحة ذاك اليوم (الخامس من حزيران) كانت محطات التلفزة ووكالات الأنباء قد بدأت منذ الفجر تبثّ أخبار إطباق الجيش العربي السوري على المعقل الهام للمجموعات المسلحة في شمال القصير، عبر عمليات خاطفة ونوعية أسفرت عن القضاء على أعداد من المسلحين، واستسلام أعداد أخرى، وفرار أعداد إلى بلدتي الضبعة والبويضة الشرقية، اللتين ترك الجيش السوري ممراً نحوهما، تمهيداً للخطوة الجديدة بالقضاء على كل بؤر المسلحين.
إذاً، كانت أخبار سيطرة الجيش العربي السوري على كامل مدينة القصير قد وصلت إلى الوفدين، كما وصل إليهما المزيد من التفاصيل، سواء عن الأساليب القتالية والتكتيكات العسكرية المذهلة التي اتبعها، أو في نتائج الوقائع الميدانية السريعة التي جعلت الجيش بأقل من ساعتين يحسم الأمور في هذه المدينة، التي كانت تُعتبر مكاناً للراحة ومنتجعاً للعصابات المسلحة من جهة، ومركز إمداد بالعديد والعتاد للمسلحين في أماكن أخرى من جهة ثانية، ونقطة تقاطع كبرى للإمداد، تتواصل مع عرسال وجرودها في البقاع، ووادي خالد وخراجها في الشمال اللبناني، لتتشكل منها الاندفاعة نحو حمص؛ مدينة ومحافظة، وإلى ريف دمشق من جهة ثالثة.
هنا، الخبراء العسكريون يصفون أن القصير شكلت سكّيناً حاداً في الجسد السوري، تمكّن الجيش السوري من كسره وإلغاء كل مفاعيله، ما سيجعل الجيش السوري أمام حركة أكثر اندفاعة وحيوية للحسم مع البؤر المسلحة في حمص بشكل سريع، خصوصاً أن المعلومات تشير إلى أن السلطات السورية ضبطت مجموعة من الوثائق على قدر كبير من الخطورة، تتحدث عن مجموعات إرهابية من قوى لبنانية وعربية وأجنبية شُكِّلت على مدى السنتين المنصرمتين، وفق منظومة محددة وأهداف قريبة ومتوسطة المدى، من شأنها أن تحرج أنظمة خليجية ودولاً غربية وعربية لها دور في تدمير سورية والمنطقة.
وتفيد المعلومات الأولية أن السلطات السورية وضعت الروس في تفاصيل هذه الوثائق، والذين قرروا التحرك بسرعة نحو القوى المعنية بالإرهاب، لوضعها في صورة ما تمّ العثور عليه من وثائق.
إلى ذلك، وكما يشير الخبراء العسكريون، فإن مسؤولين أميركيين من أجهزة الاستخبارات والخارجية، كانوا قد اجتمعوا مع مسؤولين سعوديين من جهاز المخابرات ووزارة الدفاع، حيث اقترح الجانب الأميركي وقف التمويل لـ"جبهة النصرة"، لكن السعوديين طرحوا هنا أمرين:
الأول: وقف الاعتماد على القطريين والأتراك، الذين لم يعودوا يعرفوا حجمهم ودورهم، ما انعكس سلباً على ما سمّوه "الثوار"، الذين وصل التنافس بينهم إلى حد الاتهامات المتبادلة بالسرقة والاختلاس، وفي كثير من الأحيان تتطوّر الخلافات في ما بينهم إلى تصفيات متبادلة.
والثاني: توحيد جميع المسلحين، بما يسمى "الجيش الحر"، وكان تشديد على أن يكون هذا الأمر، وتحديداً من القصير، وحشد كل الإمكانيات المادية واللوجستية والعناصر للاندفاع نحو حضن المقاومة في البقاع، وتحديداً إلى مدينة الهرمل وقراها، وشرقي بعلبك.. والانطلاق أيضاً نحو إحكام السيطرة على حمص والقلمون.. وبمعنى من المعاني، فإن القصير هنا تُعتبر عاصمة المسلحين للسيطرة والتمدد، في الوقت الذي تقيم فيه المخابرات الأميركية معسكرات في الأردن لتدريب المرتزقة من سوريين وعرب وأجانب، تمهيداً لهجوم من الجنوب يستهدف درعا والسويداء، وكل ذلك لتطويق دمشق وإسقاط الدولة الوطنية السورية.
في الخلاصة، فإن الانتصار الحاسم الذي حققه الجيش العربي السوري في القصير يُعتبر ضربة قاصمة للجهد الاستثنائي الذي بذلته المخابرات الأميركية والفرنسية والبريطانية والخليجية، للانطلاق من القصير، ليس للسيطرة على سورية، إنما لتغيير وجه المنطقة، والبدء بالمشروع الأميركي لما يسمى "الشرق الأوسط الجديد"، وربما من هنا نفهم سر الصراخ "الإسرائيلي" الذي أعلن في الرابع من حزيران، أي قبل يوم واحد من السيطرة الكاملة للجيش السوري على "القصير"، من القناة "الإسرائيلية" الثانية: إنهم يفضّلون سيطرة "جبهة النصرة" و"القاعدة" على سورية بدلاً من بشار الأسد، لأن الأسد حليف وثيق لإيران، التي من أهم أهدافها إزالة "إسرائيل" من الوجود..
23513606
https://telegram.me/buratha