دوللي بشعلاني
ينأى لبنان بنفسه عن الأزمة السورية سياسياً، غير أنّ «حزب الله» يتدخّل عسكرياً بشكل جزئي في بلدة القصير الواقعة غربي سوريا والتي يقطنها نحو 30 ألف لبناني من الطائفة الشيعية ناشدوه الدفاع عنهم ممّا يعانوه من الجماعات المسلّحة التي سيطرت على بعض البلدات. وإذا كان البعض لا يريد سوى القول بأنّ هذا التدخّل يخرق السياسة المتخذة من قبل الحكومة، فهو لا يدري، بحسب مرجع وزاري أهمية الدور الذي يقوم به هذا الحزب لحماية المواطنين اللبنانيين أولاً، ولحماية النظام السوري بالتالي من الانهيار ما يتسبّب بأزمة كبيرة في المنطقة.
ويجد المرجع بأنّ المؤامرة خطيرة تهدف إلى نقل الفتنة السنية- الشيعية في سوريا الى لبنان، وقد تمكّنت القوى الخارجية المسيطرة والداعمة للإرهاب والإرهابيين من إحلال ذلك على الأرض اللبنانية وتحديداً في طرابلس عندما قامت بإزكاء نار الفتنة الموجودة منذ سنوات في عاصمة الشمال فعادت إلى الاشتعال منذ بدء الثورة السورية ـ وتطوّر ت الاشتباكات في الأيام الأخيرة لتصل الى حدود الجنون والانفجار المخيف، ما أدّى إلى انتشار الجيش لإعادة الأوضاع الأمنية إلى طبيعتها. فما حصل بين جبل محسن وباب التبّانة أخيراً ليس من صنع أهالي طرابلس أنفسهم، على ما أكّد المرجع نفسه، الذين لا يميّزون بين سني وشيعي بل هو صناعة خارجية سعودية مدعومة من أميركا من جهة، وإيرانية مدعومة من روسيا من جهة ثانية.
أمّا الضحايا من قتلى وجرحى فهم لبنانيون من المفترض أن يكونوا قد تعلّموا من تجربة الحرب التي عاشوها على مدى 15 عاماً ألا يحملوا السلاح مجدّداً في وجه أخوتهم وشركائهم في الوطن، وألا يجعلوا أرضهم ساحة لحروب الآخرين عليها. غير أنّه من خلال ما يحصل في طرابلس يتبيّن للجميع أنّنا أمام احتمالين لا ثالث لهما: الأول، أنّ اللبنانيين لم يتعلّموا شيئاً من تجارب الماضي. والثاني، أنّ طابوراً غريباً يتدخّل فيما بين اللبنانيين وينجح في تفجير الوضع الى حدّ أن تصبح طرابلس مسرحاً للمعارك والقتال في بلد ينعم بالأمن والاستقرار رغم كلّ شيء، وكأنّها غير موجودة على الخارطة اللبنانية. ولعلّ الاحتمال الثاني هو الأقرب الى الواقع والمنطق.
من هنا، يدعو المرجع نفسه الى الفصل بين ما يحصل في القصير وطرابلس، فـ «حزب الله لديه مهمة محدّدة يؤديها حالياً في القصير كما سبق وذكرت، وما إن يتمّ السيطرة الكاملة على بلدات القصير وريفها حتى يتراجع مقاتلوه إلى الداخل اللبناني. ولا حاجة الى أن تقوم بعض الجماعات المعارضة لما يقوم به «حزب الله» في القصير إلى مطالبته بوقف التدخّل هناك، لأنّه مصمّم على القتال حتى النصر والدفاع عن المواطنين اللبنانيين كافة. كما أنّه من غير الجائز نقل المعركة بكلّ مكوّناتها إلى طرابلس لأنّ في ذلك مخاطر كثيرة على لبنان يجب العمل على تفاديها قدر الإمكان».
وفيما يتعلّق بمهمة «حزب الله» في القصير، يقول المرجع بأنّ المساعدة التي يقدمها الحزب تهدف لسيطرة الجيش السوري على المنطقة التي تضمّ 22 قرية شيعية يسكنها العديد من اللبنانيين. وهذا الأمر يبدو مهمّاً بالنسبة للنظام لكي يكون قادراً على حماية الصلة بين دمشق والمدن الرئيسية إلى الشمال، إضافة إلى الساحل الشمالي الغربي الذي ينظر إليه كونه بمثابة القلب للمناطق العلوية في سوريا. كما لإحكام سيطرته على الخط الممتد من حمص مروراً بالقصير إلى الحدود اللبنانية، فلا تعود الجماعات المسلّحة تعبث بأمن الحدود اللبنانية – السورية أو تعمد إلى تهريب الأسلحة عبرها. ومن المؤسف القول إنّ الحزب يجد نفسه في صدام مباشر ليس مع الجماعات السورية المسلّحة من الغالبية السنية ومع مقاتلي تنظيم «القاعدة» السلفيين والمجاهدين فحسب، بل يجد نفسه أيضاً في مواجهة رفاقه من المسلّحين اللبنانيين السنّة الذين قدموا للمشاركة في هذه الحرب. ولهذا يجب أن تنتهي معركة القصير سريعاً لتلافي وقوع الضحايا من الأطراف كافة.
وأفادت المعلومات في هذا السياق أنّ موقع ديبكا المقرّب من الدوائر الاستخباراتية الصهيونية قال في تقرير له منذ أيام أنّ «نجاح الجيش السوري في عملية إعادة سيطرته على مدينة القصير يُعتبر انتصاراً كبيراً لكونها همزة الوصل بين جبل الهرمل بمرتفعات لبنان ومدينة حمص السورية»، مشدّداً على أنّ «هذا الانتصار للجيش السوري سيجلب له فوائد قوية هي: قطع قنوات إمداد المتمرّدين السوريين بالسلاح القادم من قطر والسعودية عبر لبنان، كما أن القصير نقطة استراتيجية ستضمن له إحكام القبضة على الطرق الرئيسية المؤدية إلى حمص وحلب ودمشق، إضافة الى أنّ إحكام الجيش السوري قبضته على القصير يجعل من تركيا مصدراً وحيداً لإمداد المتمرّدين بالسلاح، (بعد أن تمّ تطويق منطقة درعا مع الحدود الأردنية)». وبذلك، يُنهي لبنان تدخّله في هذا الصراع وتتوقّف عملية نقله من سوريا إليه عبر الحدود، ولعلّ هذا هو أكثر ما يريده اللبنانيون.
وبرأيه، إنّ الصراع السنّي- الشيعي في طرابلس لا يخدم سوى إسرائيل بالدرجة الأولى التي تقف مسرورة برؤية أبناء الطائفتين يقضون على بعضهم البعض، وما يهمّها أكثر هو تصفية مقاتلي «حزب الله»، إن كان في طرابلس أو في سوريا، خصوصاً وأنّ السياسة الأميركية لا تزال تدعمها في هذا الإطار، وقد جاء على لسان الرئيس الأميركي باراك أوباما أخيراً «لا نزال نواجه خطر جماعات تستخدم الإرهاب لأهداف سياسية مثل «حزب الله» في لبنان».
وإلصاق تهمة «الإرهاب» بـ «حزب الله» لم تتوقّف عند هذا الحدّ، بل يدرس الإتحاد الأوروبي دعم الحملة البريطانية لوضع الجناح العسكري لـ «حزب الله» على لائحة الإتحاد للمنظمات الإرهابية خلال اجتماعه في بروكسل، ولكن ليس بسبب تورّطه في الصراع السوري إنّما بسبب وجود أدلّة عن أنّ الحزب وراء تفجير الحافلة في بورغاس في بلغاريا التي أدّت في تموز الماضي إلى مقتل خمسة سيّاح إسرائيليين وسائق الحافلة. كما استندت لندن إلى حكم بالسجن لمدة أربع سنوات أصدرته محكمة قبرصية في آذار المنصرم على عضو في «حزب الله» متهم بالتآمر لمهاجمة مصالح إسرائيلية على الجزيرة. ومثل هذه التهمة تخدم إسرائيل كثيراً، وفي حال أيّد الاتحاد هذا الطلب بالإجماع وتوصّل إلى اتفاق نهائي خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الذي سيُعقد في 24 حزيران المقبل، فستجبر هذه الخطوة حكومات وشركات أوروبية على وقف أي تعاملات مالية مع الجناح المسلّح للحزب.
علماً أنّ الإتحاد الأوروبي رفض ضغطاً من الولايات المتحدة وإسرائيل لوضع «حزب الله» في القائمة السوداء، لأنّ مثل هذه الخطوة، بحسب رأيه، من الممكن أن تزعزع استقرار حكومة لبنان الهشة وتساهم في الاضطرابات في الشرق الأوسط
وفي أوروبا تدرج هولندا وحدها «حزب الله» كمنظمة إرهابية في حين أنّ بريطانيا تضع الجناح المسلّح فقط على القائمة السوداء. ولم تتخذ فرنسا حتى الآن موقفاً علنياً من اقتراح بريطانيا.
الديار
11/5/13525
https://telegram.me/buratha