هدوؤه وسكينته ورزانته، وسماحة الوجه، اضفت على المهنية التي عرف بها مزايا لم تدع للسلطة القضائية العراقية بدا الا ان تختاره لمحاكمة خطيرة لرجل أخطر حكم العراق.
انه القاضي رزگار محمد امين اول قاض لمحاكمة وصفت بانها محاكمة العصر.. خرج منها ليدخل التاريخ من باب الغموض والضبابية التي لفت استقالته من قضية يسيل لها لعاب غيره من الباحثين عن الشهرة، ذلك الغموض الذي يستثير فضول اي صحفي ينبش في خبايا وزوايا الاحداث باحثا عن الحقيقة.
رزگار محمد أمين, من مواليد السليمانية عام 1957 واكمل المراحل الدراسية الاولية وأنهى الاعدادية فيها ليتم قبوله قي كلية القانون والسياسة جامعة بغداد ويتخرج فيها عام 1980.
عمل معاونا قضائيا ومحققا عدليا في بادئ تعيينه واستطاع اكمال دراسته العليا في المعهد القضائي في بغداد وتخرج فيه عام 1992 ومارس المحاماة لثلاث سنوات وعمل قاضي تحقيق وقاضي محكمة بداءة ورئيس لمحكمة الجنايات، ونائبا لرئيس محكمة الاستئناف ورئيسا لمحكمة الاستئناف في السليمانية وكالة، ثم اختارته وزارة العدل في حكومة اقليم كوردستان ورشحته الى المحكمة العراقية الجنائية العليا وجرى انتخابه من بين خمسة قضاة لرئاسة هذه المحكمة واستقال منها بعد ترؤسه عدة جلسات كانت تنقل عبر الشاشة الفضية للناس علنا.
سنحت لـ"شفق نيوز"، فرصة اللقاء بهذا القاضي وحاورته لتستجلي بعض ما دار من امر المحكمة وما خفي من اسباب استقالته المثيرة للجدل، فكانت لنا معه هذه المحصلة..
يكشف رزگار محمد امين القاضي الاول في محاكمة رئيس النظام السابق صدام حسين وعدد من اركان نظامه لأول مرة أسباب انسحابه من جلساتها، ويقول إن "التدخلات والعراقيل التي واجهتها في هذه المحكمة والتي تتعارض مع مبادئي وما أؤمن به هي التي دفعتني الى الاستقاله والانسحاب"، مؤكدا "انا لا أعير اية اهمية للانتقادات التي وجهت الي اثناء ادارة جلسات محاكة صدام لاني كنت اطبق المعايير القانونية الصحيحة وهذا جزء من واجبي المهني ولا أخشى في ذلك لومة لائم".
وينفي امين انه يكون قد ابعد قسراً عن هذه المحاكمة مضيفا ان "لاصحة لما اشيع حينها باني ابعدت عن ترؤس هذه المحاكمة قسرا.
وبشأن اتهامه بالتساهل والمرونة في جلسات محاكمة صدام، يوضح امين ان "الذين اتهموني بذلك لايفقهون من القضاء شيئا وهم امتداد لثقافة العنف والدكتاتورية وهذا جزء من النفاق والرياء السياسي، وهم انفسهم من صفقوا للنظام السابق".
ويضيف "انا اتعامل مع المتهم كقاض محايد ووفق معايير المحاكمات العادلة التي تحفظ حقوق الضحايا والمتهم بشك متساو".
وعن الانطباع الذي تولد لديه وهو يرى صدام الحاكم المستبد والظالم في قفص الاتهام، يقول امين إن "ذلك فيه الكثير من الحكمة والموعظة لامثال صدام من الحكام الطغاة الذين يبطشون بشعوبهم ولا يتذكرون غضب الشعوب وقدرة الله عليهم".
وينوه امين الى انه رشح الى هذه المحكمة من قبل وزارة العدل في اقليم كوردستان بطلب من المحكمة الجنائية العراقية العليا المختصة بالجرائم ضد الانسانية والتي شكلت بموجب القانون رقم واحد لعام 2003، الى جانب عدد اخر من القضاة العراقيين.
من جهة اخرى يشدد امين على ان "الدستور العراقي الجديد اعطى استقلالية كاملة للسلطة القضائية"، مستدركا انه "مازال هناك تدخلا من قبل السلطة التنفيذية في عمل القضاء وخاصة في الجانب الجزائي والقضايا التي تحمل طابعا سياسيا، اذ يطلع ضباط ومنتسبو وزارة الداخلية وهي جهة تنفيذية بالتحقيق بالقضايا الجزائية بدلا من منتسبي وزارة العدل فضلا عن قلة كوادر الوزارة في السجون والتوقيفات العراقية ما فسح مجالا اكبر للجهات التفيذية للتدخل بعمل القضاء".
ويؤكد امين ان "القضاء يعاني حاليا من مشكلتين كبيرتين هما المخبر السري والتعذيب"، واصفا اياهما بـ"السهمين السامّين في خاصرة القضاء العراقي".
ويلفت امين الى ان "عدم وجود ارادة سياسية تؤمن باستقلالية السلطات هي ما يضع العراقيل في عمل القضاء".
ولم ينس امين التنويه الى ان هذه المحكمة كانت "نقطة تحول في حياتي المهنية حيث زادتني اطلاعا ومعرفة بالقانون الجنائي الدولي والمعايير الدولية والتثقف بها، لانها كانت تجربة جديدة في العراق بل والشرق الاوسط، مضيفا "ذهبت الى هذه المحاكمة كقاض وعدت منها قاضيا من دون طمع في مال او شهرة".
https://telegram.me/buratha