لم يتوقع يوما أن يقع في محنة كالتي مرت عليه بالأمس، وبدأت عندما تململ على كرسيه قبل أن يثب واقفا في صالة الألعاب الالكترونية حيث أمضى ورفاقه أكثر من 3 ساعات متواصلة. أسرع يوسف (20 عاما) الى مدير الصالة همس في أذنه على استحياء، ثم خرج مثل بطة مسرعة لكنها لا تقوى على الركض.
مرت 15 دقيقة قبل أن ينتبه الرفاق الى أن صاحبهم لم يعد بعد، سألوا المدير عنه فتبسم ضاحكا: ذهب لقضاء "الحاجة" ويبدو أنه ما زال يبحث عن مكان مناسب لذلك، اذ لا توجد في الدواسة - منطقة تجارية وسط الموصل - مرافق صحية عامة. تدخل احدهم ليقول مازحا: سيفعلها إذن على نفسه ، قهقهوا جميعا بصوت عال.
لا لن يصل به الحال الى حد (الفلتان) رد المدير، هناك واحدة غير بعيدة من هنا لكنها قذرة. أخرج هاتفه الجوال وعاين الساعة التي كانت تشير الى الثانية ظهرا ثم أكمل: أما إذا كانت مغلقة فسيضطر في هذا الوقت الى التبول على حائط أو في مكب للنفايات أو أحد الأفرع المهجورة مثلما يفعل الآخرون.
هذه المحنة يمر بها الكثيرون لدى ارتيادهم الأسواق، والغريب أن هذه المناطق المكتظة بالناس نهارا والتي تقع في مركز المدينة تخلو تماما من أي مرافق صحية عامة، حسبما أكد مدير إعلام بلدية الموصل.
وقال اياد محسن في حديث لـ"العالم" "يوجد عدد من المرافق "الصحية" في مركز المدينة تعود ملكيتها الى البلدية لكنها مؤجرة لأشخاص يتولون إدارتها والتكسب منها، والمفروض انها تخضع لرقابة اللجان الصحية في دائرة صحة نينوى".
بدافع الاطلاع في الاعداد لكتابة هذه القصة، دخلتُ الى دورتي مياه، واحدة في الدواسة وأخرى في شارع حلب، أما الثالثة فدخلتها مضطرا بعدما أفرطت في شرب العصير والشاي، وأستطيع أن أصفها جميعها بأنها مرافق غير صحية تماما، وأشك أنها تخضع لرقابة اللجان الصحية، فالجدران مشققة، والبلاط محفر، والروائح الكريهة التي تزكم الأنوف سيدة الموقف. ولأن أغلب ماصولات المياه معطلة؛ كتب على إحدى الابواب من الداخل "تأكد من وجود المياه قبل وقوع الكارثة"، وبعد كل هذا العناء تجد من ينتظرك عند الخروج ليجبي منك 500 دينار ثمنا "للراحة"! وبسبب قلة عدد المرافق الصحية، وجهل الأغلبية بمواقعها، فقد اعتاد مرتادو شارع حلب الدواسة، وهما سوقان مختصان ببيع الملابس الرجالية، أن يروا من يتبولون على الجدران واقفين أو جالسين، ولا مفر من نيل المارة نصيبا وافرا من رائحة البول التي تعمي الأبصار.
ويشكو محمد الزهيري، وهو صاحب محل لبيع الأحذية المستعملة، من "انعدام الذوق عند بعض الرجال الذين لا يترددون في التبول في العراء ولا تردهم أقسى العبارات التي تخط لثنيهم عن هذا السلوك المعيب"، داعيا بلدية الموصل الى بناء دورات مياه عامة تدار عبر عمالها.
ويشير الى أنه وزملاءه العاملين في السوق يلجؤون الى الشقق المجاورة لقضاء الحاجة أو الانتظار الى أن يحين موعد الصلوات للذهاب الى الجامع للغرض نفسه. لأجل هذا يعبر أئمة وخطباء الجوامع في مركز المدينة باستمرار عن استيائهم ممن يقدمون الى الجوامع، لا للصلاة، وإنما لقضاء الحاجة فقط، وأوضح مثال على ذلك جامع الباشا في سوق باب السراي، حيث تصطف طوابير طويلة أمام دورات المياه كلما اقترب موعد الأذان.
واذا اعتمدت العناية في دورات المياه الصحية ونظافتها معيارا لتطور المدن ورقيها، فإننا في الموصل سنكون وبدون أدنى شك خارج السباق، لأن الحكومة المحلية ومديرية البلدية بصفتها الجهة المعنية بالأمر لم توليا هذا الجانب أي اهتمام. أخيرا عاد يوسف وعلى وجهه علامات الراحة والاسترخاء، ولما وجد رفاقه متحلقين حول مدير الصالة علم بسبب اجتماعهم فقال: علينا تقليد الحركة الاحتجاجية التي نظمها 12 استراليا عندما أخذوا مراحيضهم الخاصة الى شاطئ مدينة اديليد وجلسوا صفا واحدا بمحاذاة الشاطئ مطالبين بتوفير المزيد من دورات المياه العامة.
ويضيف مازحا في حديث مع "العالم" "ومن المناسب أن نجلس القرفصاء أمام مقر البلدية، ولأننا نعاني شحة في المراحيض يكفي أن نجلب معنا أباريق ملونة.
ويختم يوسف حديثه بدعوة جدية لمجلس محافظة نينوى لتخصيص جزء من موازنة تنمية الأقاليم لبناء دورات مياه صحية عامة في مركز المدينة والأماكن العامة، في الوقت الذي يناقش مشروع موازنة 2013، أو في الأقل الزام البلدية بتنفيذ ذلك.
https://telegram.me/buratha