تتضارب التصريحات حول امكانية التوصل إلى حلول مع إيران في شأن ملفها النووي، وفيما تتضاءل احتمالات نشوب حرب حسب مصادر إسرائيلية، فإن التوصل إلى صفقة شاملة يحتاج إلى مزيد من الجهود لأنها يجب أن تشمل ضمانات لجميع الأطراف الإقليمية والدولية. ويثير الطلب الإيراني بإدراج قضيتي سورية والبحرين في مفاوضات مجموعة (5+1) أسئلة حول الأهداف والغايات من هذا الطرح.
وتكشف بعض التصريحات والتحركات في المنطقة عن استعدادات لعقد صفقة أمريكية شاملة مع إيران لتلافي الخوض في حرب إقليمية على خلفية البرنامج النووي المثير للجدل. وأغلب الظن أن تتضمن الصفقة منع هجوم إسرائيلي على المواقع النووية، ومناقشة الحد الذي يمكن أن تصله إيران في مشروعها النووي، ومستقبل حلفاء طهران في محور الممانعة والذي يضم سورية وحزب الله، إضافة إلى الدور الإيراني أثناء وبعد عملية انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، إضافة إلى دورها في منطقة الشرق الأوسط.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطاب الاتحاد شدد على أنه "يتعين على زعماء إيران ان يعترفوا بأنه حان الوقت لحل ديبلوماسي لأن هناك ائتلافا يقف متحدا في المطالبة بأن يفوا بالتزاماتهم" وجدد التزام بلاده بفعل "كل ما هو ضروي لمنعهم (الإيرانيين) من الحصول على سلاح نووي". وفي ذات الخطاب أعلن أن الولايات المتحدة سوف تسحب باقي جنودها من أفغانستان في العام 2014. وكشف عن فحوى الرسالة الأساسية التي يريد نقلها في أثناء زيارته إلى إسرائيل في الشهر المقبل وهي حسب خطابه "سنقف بثبات مع إسرائيل سعيا إلى الامن وسلام دائم".
النووي الإيراني يتصدر جولة أوباما الشرق أوسطية
وقبلها بأيام خرج البيت الأبيض بإعلان مفاجئ عن زيارة أوباما إلى إسرائيل وفلسطين والأردن في 20 مارس/ آذار المقبل. وأغلب الظن أن الزيارة لن تأتي بجديد فيما يخص عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وسوف تركز على الموضوع النووي الإيراني، والأوضاع المتوترة في سورية، وهو ما تكشف عنه تصريحات السفير الأميركي لدى إسرائيل، دان شبيرو، الذي حدّد جدول أعمال زيارة أوباما بنقطتين رئيسيتين: الأولى تطورات الأزمة السورية، والثانية الملف النووي الإيراني، وأما "المسيرة السلمية" فقد تراجعت وفق السفير الأمريكي إلى المرتبة الثالثة، كما كُشف مؤخرا أن أوباما سيزور موقعا لمنظومة "القبة الحديدية".
كل ما سبق يؤكد أن زيارة أوباما إلى المنطقة لا تهدف أساسا لدفع عملية التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وفي هذا الاطار فلا قيمة عملية لتصريحات نتانياهو الأخيرة حول التزامه بخطاب جامعة "بار إيلان" الذي أطلقه في عام 2009، وتضمن حينها موافقته على خيار الدولتين، دون اي تحديد واضح، فهو في ذات الوقت وافق على إنشاء 90 وحدة استيطانية في الضفة، تضاف إلى الهجمة الاستيطانية الكبيرة بما يعنيه ذلك عمليا من إنهاء لحل الدولتين. والخوف أن تكون تصريحات نتانياهو حول استعداده لمواصلة المفاوضات المتوقفة منذ العام 2010 بدون شروط مسبقة هي ليست أكثر من عملية ذر للرماد في العيون، على أنه من غير المستبعد أن يطلق أوباما تصريحات صاخبة أثناء لقاء قد يجمعه مع نتانياهو وعباس لن يختلف مصيرها عما آلت إليها تصريحات سابقة، أو حتى "خريطة الطريق" التي أطلقت قبل الغزو على العراق في العام 2003 عقب اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء السابق آرييل شارون، وأكثر ما يمكن القيام به هو الايحاء إلى البلدان العربية بأن واشنطن مهتمة بمتابعة الملف الفلسطيني، والعمل على نزع فتيل الأزمات القابلة للاشتعال وأهمها انهيار السلطة الفلسطينية، لأن أي خطوات إضافية سوف تواجه نفس المصير لطلباته بوقف الاستيطان في فترته الأولى عندما تجاهل نتانياهو هذا الطلب.
إيران لا تتجاوز الخط الأحمر...
أكدت إيران عشية زيارة وفد من خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية استعدادها لعقد "اتفاق شامل"، وشدد رئيس "المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية" فريدون عباسي دواني على ضرورة "أن تأخذ المحادثات النووية مساراً أكثرعقلانياً، بعيداً من إثارة الخلافات"، وقبلها أكد الناطق باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمان برست أن بلاده تحوّل بعضاً من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، إلى وقود نووي للاستخدام في تشغيل مفاعل طهران للبحوث الطبية. وجدد استعداد بلاده للتوصل إلى "اتفاق شامل مع الوكالة الذرية، يعترف بالحقوق النووية لإيران في شكل كامل، طبقاً لمعاهدة حظر الانتشار النووي". ملمحا إلى أن "مناقشة زيارة موقع بارشين، قد يشكّل جزءاً من اتفاق" مع الوكالة الدولية.
ومنذ أيام نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر دبلوماسية في فيينا بأن التقرير التالي للوكالة الدولية للطاقة حول نشاطات إيران، المتوقع طرحه نهاية الشهر الحالي، سوف يشير إلى أن الايرانيين يواصلون توجيه كميات من اليورانيوم المخصب لدرجة 20 في المائة لاغراض مفاعل البحث العلمي لديهم. ما يعني أن ايران تمتنع عن الاقتراب من الخط الاحمر الذي رسمته اسرائيل وهو جمع كمية كافية من اليورانيوم (نحو 250كغم) لانتاج قنبلة نووية واحدة.
نتانياهو يقترب من الموقف الأمريكي...
التصريحات الإيرانية وفحوى التقرير المرتقب تعدّ أسبابا كافية، حسب مراقبين، للتقليل من احتمال اقدام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على مغامرة عسكرية يعارضها معظم العسكريين في بلاده، ولا تتوفر الامكانات اللوجستية لاتمامها عند سلاح الطيران الإسرائيلي بالاضافة إلى الثمن الكبير لمثل هذه الضربة في حال الرد الإيراني مباشرة أو من قبل حلفائه في المنطقة. كما كشفت الأيام الأخيرة تغيرا في موقف نتانياهو فرغم تحذيره من أن "أجهزة طرد مركزي حديثة ستشغلها ايران في منشأة فردو المحصنة قرب مدينة قم، قد تختصر بنسبة الثلث الفترة الزمنية التي تحتاج إليها لصنع قنبلة نووية" وتأكيده على أن الإيرانيون باتوا "أكثر قرباً من الخط الأحمر" فإنه شدد على ضرورة "ممارسة ضغط أكثر قوة، وفرض عقوبات أكثر قسوة". ورأى "وجوب أن يعلم (الإيرانيون) انهم سيواجهون تهديداً عسكرياً يعتدّ به، إن فشلت العقوبات والديبلوماسية".
ويقترب نتانياهو بهذه التصريحات في شكل كبير من وجهة النظر الأمريكية المنطلقة من أن العقوبات الاقتصادية القاسية بدأت تؤتي أوكلها على الجانب الإيراني، وأن القيادة في طهران باتت تدرك أن البلاد قد تتعرض لهزة عنيفة على أبواب الانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران المقبل على نمط "الحركة الخضراء" التي فشلت بعد انتخابات 2009 لكنها اليوم يمكن أن تنجح في ظل ما يتعرض له الوطن العربي من هزات، والأوضاع الاقتصادية الداخلية الصعبة جراء العقوبات.
حظوظ نجاح الصفقة النووية والإقليمية
الصفقة النووية مع إيران قد تتضمن، حسب خبراء أمريكيين، وقف التخصيب بما يتجاوز 3.5 في المائة، وشحن أي وقود مُخصب بنسبة تتجاوز 3.5 في المائة إلى خارج البلاد، والحد من أعمال توسعة محطة فوردو للتخصيب؛ والسماح بالتفتيش المفاجئ من قبل "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" من أجل التحقق من الالتزام بجميع البنود السابقة.
وفي المقابل، ستقوم الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بتوفير الوقود والنظائر الطبية لمفاعل الأبحاث الطبية الإيراني؛ توفير قطع الغيار للطائرات المدنية؛ والامتناع عن فرض أي عقوبات إضافية والرفع التدريجي للعقوبات القائمة بالفعل مع إثبات إيران التزامها بالاتفاق.
وفي ظل المعطيات الدولية، ورغبة الولايات المتحدة في إنهاء عقد الحروب فإن هذه الصفقة تناسب واشنطن، خصوصا أنها تخطط للانسحاب من أفغانستان في العام المقبل، وتسعى إلى أن تلعب طهران دورا ايجابيا في مرحلة الانسحاب وما بعدها، وفي ذات الوقت فإن الصفقة تعد حلا مثاليا للقيادة الإيرانية الراغبة في انهاء الحصار الاقتصادي عنها الذي قد يتسبب في موجة احتجاجات على أبواب الانتخابات الرئاسية المقبلة. لكن ح طهران ترغب في ضمانات إضافية في شأن الدور الإقليمي وتيراهن في ذلك على حاجة واشنطن لمساعدته في أفغانستان، ولهذا ليس غريبا ما صرح به عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية الإيراني، أن بلاده اقترحت "ضرورة إدراج أزمتي سورية والبحرين على جدول أعمال المحادثات مع الدول الست" في ألماتا نهاية الشهر الحالي.
وتحظى الصفقة النووية بدعم روسيا التي كانت اقترحت سابقا تخصيب اليورانيوم على أراضيها للاستخدامات السلمية في إيران، كما أنها تعد نجاحا لدبلوماسيتها على مدى السنوات الماضية الراغبة في إيجاد حلول سلمية للملف النووي عبر المفاوضات في إطار مجموعة(5+1)، وضمان عدم امتلاك جارتها الجنوبية السلاح النووي، مع عدم تدميرها بضربات قد تتسبب في موجات نزوح من أراضي آسيا الوسطى، واختلالات في منظومة الأمن في منطقة بحر قزوين.
وفيما يخص المفاوضات على الدور الإقليمي لإيران ورغم أن مجموعة (5+1) لم ترد حتى الآن على الطلب الإيراني في شأن إدراج موضوعي سورية والبحرين في المباحثات، فإنه من غير المستبعد التوصل إلى حل إيراني أمريكي ذلك أن واشنطن تعلم حقيقة التأثير الإيراني في الملف السوري، ونفوذها المتزايد في أكثر من بلد عربي، كما أن حكمة القادة الإيرانيين تجعلهم أكثر براغماتية للتوصل إلى حلول وسط حتى لو لم تنل عبرها كل ماتريد.
وأخيرا فإن الأسابيع المقبلة حتى زيارة أوباما إلى الشرق الأوسط سوف تبقى مفتوحة على احتمال عقد صفقة نووية وإقليمية مع طهران، ولكن لا يمكن اسقاط تطورات قد تفضي إلى حرب شاملة في المنطقة التي تعيش أجزاء منها حربا بالوكالة يمكن أن تنتقل لتحرق الإقليم بأكمله.
22/5/13213
https://telegram.me/buratha