تعودنا في الماضي القريب أن نردد شعارات العروبة، والتضامن العربي والقومية العربية، والمصير العربي المشترك، والدفاع العربي المشترك، والتكامل الاقتصادي العربي، لكننا نجد أن هذه المفاهيم اختفت من القاموس السياسي العربي اليوم، وحدها جامعة الدول المستعربة، تتعامل مع هذه المفاهيم، ولكن بوظيفة معاكسة لطبيعتها، إذ تستطيع أن تحيل أي نظام عربي يواجه التحالف الامبريالي الصهيوني الرجعي إلى التأديب أمام مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وهذا ما يحاول أمين عام هذه الجامعة الميتة، فعله حقيقة بالنسبة لسوريا، تمهيداً لتكليف حلف الأطلسي بإسقاط نظامها وتدمير منشآتها، تنفيذاً لأوامر من يمتلك أسرار أسواق النفط، ليس من أجل إسقاط الرئيس السوري، وإنما من أجل تلاشي سورية و تقسيمها.
فمؤخراً عقدت الجامعة العربية اجتماعاً طارئاً في مقرها بالقاهرة على مستوى وزراء الخارجية بناء على طلب لبنان لبحث أوضاع اللاجئين السوريين في دول الجوار الذين اضطروا لترك ديارهم بسبب العنف المتصاعد للمجموعات المسلحة المدعومة من الغرب وبعض الدول العربية والإقليمية.
واللافت في بداية الاجتماع، هو ما قاله أمينها العام، ففي كلمته حاول الأمين العام للجامعة العربية ''نبيل العبري'' استغلال الاجتماع لغير الغايات التي انعقد من أجلها وسعى لتدويل الأزمة السورية، فطالب بإصدار قرار ملزم من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع الذي يتيح استخدام القوة ضد الدولة المعنية ما يعني دعوة صريحة للغرب للاعتداء عسكرياً على سورية معتبراً أن هذا القرار الملزم هو الطريق الوحيد لوقف العنف. وقال إنه أجرى اتصالات مكثفة مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والإبراهيمي طالب فيها الأول بضرورة إصدار قرار ملزم من مجلس الأمن بوقف القتال في سورية وأن تكون الأمم المتحدة مستعدة لإرسال قوات حفظ سلام إليها.
كلام اللاعربي ومواقف جامعته المستعربة ليست جديدة، فمنذ بداية الأزمة اتخذت تلك الجامعة العديد من القرارات المخزية بحق الشعب السوري، وبدل أن تدافع عنه وعن وحدة سورية وسيادتها كما يقتضي ميثاقها وضعت نفسها في الخندق المعادي للأمة، وأخذت على عاتقها استكمال ما عجزت أميركا والغرب عن تحقيقه في سورية، فساهمت بشكل مباشر بالأحداث، وحاصرت السوريين بتلال من القرارات الجائرة، وضيقت عليهم الخناق حتى بلقمة عيشهم في الوقت الذي غضت فيه الطرف عن ممارسات "إسرائيل" بحق الشعب الفلسطيني، ونسقت معها من تحت الطاولة للقضاء على مقاومته المشروعة، وتمييع قضيته العادلة.
لم نستغرب كثيرا التزامن بين كلام اللاعربي والمستعربين الجدد مع تعيين أردوغان والياً عثمانياً على السوريين، ومع ازدياد نبرات التحريض الإسرائيلية وتصعيد الحملات الغربية على سورية، فالجميع بات يربطهم قاسم مشترك، وهدف واحد هو إضعاف سورية، ومحاولة ضرب الركيزة الأساسية في محور المقاومة والممانعة في المنطقة.
فأردوغان يريد إحياء السلطنة العثمانية البائدة من جديد، وأميركا والغرب يريدون بسط هيمنتهم على المنطقة كلها، و"إسرائيل" كما هو معروف تسعى لفرض مشروعها التوسعي من الماء إلى الماء، أما ''البعض العربي'' فيريد كسب الرضى الأميركي والصهيوني للحفاظ على الكراسي والعروش، وسورية تقف حجر عثرة أمام الجميع.
''نبيل العبري'' الصهيوني واحد من كثيرين ممن فاجؤوا الناس بغبائهم السياسي رغم تاريخهم الطويل على كرسي الدبلوماسية، وهذه المفاجأة غير السعيدة ترتد إلى عوامل ذاتية وأخرى موضوعية، فأما الذاتية فتتركز في الضعف النفسي وانعكاسها على العقل، وأما الموضوعية فهي مقترنة بالأسباب الخارجية الضاغطة ومنها العمالة والعبودية للدولار، والذاتي والموضوعي يلتقيان هنا في نقطة التردي الأخلاقي والانحطاط القيمي والسقوط الوجداني.
و''نبيل'' هذا، إسم على غير مسمى هو سليل مرحلة سياسية رديئة في تاريخ مصر العروبة، وهو واحد من رموز (عصر كامب ديفيد) الذي أراد جعل مصر واقية للكيان الصهيوني ومنصة لضرب المشروع النهضوي العربي وفي جزء منه مشروع المقاومة لصالح مشروع الهزيمة العربي تحت عنوان السلام.
كان لابد من هذا التمهيد، لقول كلمة حول ما نضح من البئر الآسن المحفور في وجدان (العبري) في مؤتمر وزراء الخارجية العرب بالقاهرة. فهذا العبري طالب أن توضع الأزمة السورية تحت الفصل السابع الذي تشير مواده إلى استخدام القوة ضد الدول المارقة على القانون الدولي حفاظاً على السلم والاستقرار العالميين.
ونتساءل: كيف لايرى أمين عام جامعة الأعراب المولع ''بالفصل السابع''، الدور الأميركي الفاضح في سورية، ولا يقرأ تقارير، من صحف ووسائل إعلام موثوقة بالنسبة إليه، تتحدث عن فتح ''السلطان العثماني'' لمطاراته وحدوده لشحنات ''غير مدنية''، ولرجال ليسوا من نمط الرفيق ''تشي"، وهم يعبرون الحدود مرفقين بالفتاوى الجاهزة للجهاد من جهة، ومباركة معنوية ومادية لقادة دول ''ديمقراطية''، وغير ديمقراطية من جهة أخرى، بما يخالف كل بند من ميثاق الجامعة المستعربة التي يرأسها...!، مكتفياً بترديد ما حفظه حرفياً من تقارير الخارجية الأميركية، عن تحميل طرف واحد، وهو الحكومة السورية، مسؤولية ما يحدث.
والنقاط الدالة على غباء ''نبيل العبري'' أو تغابيه أنه لم يشأ أن يفقه مضمون الفصل السابع بمواده تلك لأنه وَسَادته وعبيد سَادته قد اعتادوا تحريف كل شيء وتزوير كل شيء في سبيل مصالحهم بما في ذلك هذا الفصل الذي استخدمته أميركا والناتو مرات استخداماً تعسفياً في أفغانستان والعراق وكوسوفو وليبيا، إذ أن كل المسوغات لهذا الاستخدام لا تنسجم ونصوص مواد هذا الفصل التي تقول في مجملها بأن استخدام القوة يكون في حالة تهديد السلم والأمن الدوليين.
فهل كان العراق يهدد السلم الدولي؟ وهل كانت ليبيا تهدد السلم والأمن الدوليين؟ وهل كانت كوسوفو تهدد السلم الدولي؟ وهل سورية تهدد اليوم السلم الدولي؟
الجواب يكمن في مفهوم السلم الدولي نفسه وهو مفهوم يعني بحسب الفهم الصهيو ـ أمريكي سلم (إسرائيل) وضمان أمنها المعادل (للأمن الدولي) كله.
وأعود إلى (العبري) الذي أوحي إليه ألا يقرأ المادة 51 من هذا الفصل والتي تنص حرفياً على أنه ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص من الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة.
لأسأل: من هذه القوة المسلحة المعتدية في الأزمة السورية؟ ولماذا يصرخ تجار الدجل السياسي في وجه سورية لأنها تتصدى لهذه القوة المسلحة المدعومة من فئران أنابيب النفط وسادتهم؟ وبأي مقياس يفهم تجار الدم والحروب القانون الدولي غير المقياس الإسرائيلي؟
إن الجواب يكمن في حقيقة واحدة وهي القراءة الأحادية لهذا القانون. فسورية لاتهدد السلم والأمن الدوليين لأنها لاتحارب دولة خارجية وإنما تطبق القانون الدولي والحق الدستوري الذي أباح لها ولغيرها التصدي لأي عدوان يقع عليها.
إنها مفارقة من مفارقات زمن الرعونة الأميركي الذي مازال يتلبس العملاء التافهين الذين ارتضوا أن يكونوا جسراً لعبور المؤامرة على أجساد السوريين دون أن يعلموا أن للسوريين فلسفة في فهم الموت من أجل الوطن والحياة وهي فلسفة لا يملكها دعاة الفصل السابع من طحالب الزمن الساداتي القطرائيلي السعودي الأغبر.
ويبدو أن هاجس تدمير سورية وإضعافها بات الشغل الشاغل لبعض الأنظمة العربية العميلة أكثر مما هو لدى الدول الاستعمارية التي تستخدم ''البعض العربي'' ذاك مطية لتنفيذ أجنداتها ومشاريعها العدوانية، وما قاله أمين ما بات يسمى الجامعة العربية اللا نبيل واللا عربي، وتفاخره بطلباته المتكررة للأمم المتحدة كي تتدخل في سورية تحت البند السابع يؤكد أن الجامعة تحولت إلى مجرد ناطق باسم الدوائر الصهيو ـ أميركية تنفذ ما يوكل إليها من مهمات قذرة، ولا يسمح لها أبدا بالخروج ولو مرة واحدة عن السيناريو المكتوب لها.
فإسقاط ''سورية'' هي خريطة طريق رُسِمتْ منذ فترة طويلة لتقود في النهاية إلى إسقاط الحكم في إيران. فقدر سورية الحالي في كونها في عين العاصفة الغربية إنما يعود، على الأرجح، إلى رفض سورية الشديد، في شباط 2010، دعوات واشنطن للتفاوض على إبرام صفقة معها ضد إيران. لكن خريطة الطريق العسكرية الأميركية الغربية تذهب إلى ماهو أبعد من إعادة تقسيم الشرق الأوسط.
فكما يشرح ''ميشيل تشوسودوفسكي'' بشكل قاطع في كتابه الجديد ''نحو سيناريو الحرب العالمية الثالثة''، فإن الخريطة العسكرية لواشنطن هي الهيمنة العالمية، أما الجزء الخاص بالسيطرة على الشرق الأوسط ومناطق آسيا الوسطى الغنية بموارد الطاقة، فهو أمر حاسم في تهميش المنافسين من الوزن الثقيل، روسيا والصين. فالتحالف بين هاتين الدولتين وكل من سورية وإيران، فقط أعطى هذه الأهداف الحالية زخماً إضافياً لعملية تغيير النظام التي يقوم بها الغرب.
والآن اتجهت جامعة الأعراب باتجاه سورية قلب الصمود والمقاومة، المتمسكة بالهوية القومية، والدولة الأقدم في تأسيس هذه الجامعة، لتدميرها وإسقاطها، لتعود وقد أسقطت كلمة العربية من تسمية دولتها، لتصبح الجمهورية السورية بدلاً من الجمهورية العربية السورية، وأغلب الظن أن هذا ما يخبأ لمصر، كي تعود إلى ما قبل ثورة يوليو عام 1952، وقس على ذلك أقطاراً عربية أخرى، إذا ما استطاعت أميركا ومن يغرد في سربها إخماد صوت سورية القومي، أو إذا ما استطاعت أن تستكمل عملية تحول الحراك العربي الذي ركبت موجته، من ربيع عربي إلى ربيع إسلامي مطواع لإرادتها.
وكان من الطبيعي أن تتوطد العلاقات بين مواقع الخير في الوطن العربي وفي الإقليم بكامله، وهذا أمر خطير ومفزع بالنسبة للاستعمار الغربي، ولهذا المعنى حركوا أدواتهم في هذا الزمن وانكشف الدور، فإذا ''حمد'' هو (القائد) وهو المعتمد، وإذا ''نبيل العبري'' قد تحول مباشرة إلى سم زعاف ولسان ماكر، أي زمن أغبر هذا وكيف يحق لمن يرتبط بـ"إسرائيل" منذ عشرات السنوات ولمن انقلب على أبيه وأهانه ولمن رهن ثروة البلاد التي استودعها الله في أعماق الأرض وفوق الأرض لصالح الأجنبي ولمصلحة "إسرائيل" ولنشر الفتنة وتعميم القتل والإرهاب والمسألة جاءت في دورها تماماً، أسفر الساقطون عن وجوههم ولسوف يسفر شعبنا عن قيمه وأصالته ومواقفه.
وما كان للجامعة المستعربة أن تبدي رأياً أو أن يظهر عليها ملامح حراك أو تحرك يسمي الأشياء بأسمائها على الأقل ويكون من شأنه أن يقول ببساطة إن فلسطين عربية وإن الصهيونية عدو مصيري بالنسبة للعرب وإن الاستعمار الغربي الفرنسي والبريطاني والأميركي هو مصدر للحقد على العرب، وموقع لا يعرف من العرب إلا أنهم مجموعات بشرية ولابد من تمزيقها، ولابد من السيطرة على ثرواتها وقبل هذا وذاك لابد من إغراقها في مستنقعات التخلف والجهل والاستهلاك والاقتتال، وما سمعنا صوتاً للجامعة حينما غزا الأميركيون والبريطانيون العراق الشقيق، يومها كانت سورية وحدها هي التي تحمل الأمانة وتتحمل المسؤولية وتدين هذا الاحتلال وتقف إلى جانب العراق وتغذي المقاومة الوطنية والإسلامية الشريفة وكان الملوك حينها مجرد دعاة ورعاة لجريمة احتلال العراق.
وللحقيقة نقول بأن ظهور شخص ''نبيل العربي'' فجأةً من كواليس السياسة المصرية ليحتل موقع أمين عام جامعة الدول المستعربة في مرحلة هامة من تاريخ العرب الحديث، كان مدعاة للتأمل المشوب بالريبة في هذه المرحلة التي يُراد فيها إنهاء كل أشكال التعاون العربي وضرب آخر معاقل العمل العربي المشترك وتشتيت العرب لتمرير المخطط التقسيمي الجديد الذي سيُعيد الدول العربية إلى قبائل وعشائر متناحرة خدمة للمشروع الصهيوني الكبير، لذلك جاء هذا العميل ليُثبت من جديد دوره المتأصل في العمالة للكيان الصهيوني بعد أن عمد العرب إلى تناسي اتفاقية كامب ديفيد وما فعلته بالعمل العربي المشترك بعيد معارك التحرير في تشرين الأول عام 1973، وليصبح هذا اللا نبيل واللا عربي أهم لاعب في تنفيذ قواعد التنازلات العربية عما بقي من الحق العربي الذي دفعت ثمنه الدول العربية وبخاصة دول المواجهة مع الكيان الصهيوني مئات الآلاف من الشهداء على مدى أكثر من نصف قرن مضى، إضافة إلى أكثر من 85 في المائة من مقدراتها الاقتصادية خلال تلك الفترة.
لكن هذا اللاعربي واللانبيل فشل في تنفيذ الدور المرسوم له ضد سورية، لماذا لم ينجح في سورية؟ لأنه لم يتعلم اللعب في مضمار أشراف الأمة الذين يصلون الليل بالنهار لحماية المصالح الوطنية والقومية للعرب، بل على العكس تماماً كان قد أثبت سابقاً أنه لاعب ماهر في ساحة خيانة الوطن على الساحة المصرية في عهد سادات، كمهندس لاتفاقيات كامب ديفيد، وعليه أن يُثبت من جديد لأسياده في المعسكر الصهيوني مقابل منحه أمانة الجامعة العربية أنه لم يزل قادراً على تمرير صفقة تقسيم الوطن العربي بالكامل انطلاقاً من سورية!
وما من شك أن ما يثلج صدر ملوك النفط العربي وأمرائه، هو أن يروا اللحظة التي يستطيعون من خلالها إسقاط العروبة في أي بلد من بلدان الوطن العربي، وعلى رأس هذه البلدان سورية، لا بل يوجد من هؤلاء من يعد كلمة عروبة خروجاً على الدين الحنيف، ومؤامرة صليبية على الإسلام، وبخاصة بعد أن طوى الإسلام السياسي أعلام الجهاد فيما يخص القضايا العربية المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ليصبح في دائرة الرضا الأميركي.
ويبدو أن هناك سباق محموم في سوق السمسرة السياسية على سورية وشعبها لا سابقة له، مكانه الجامعة المستعربة حيث يقام المزاد التآمري العلني، أصحابه تجار السياسة العربية المأجورين الذين باعوا ضمائرهم وأخلاقهم في واشنطن وعواصم أوروبية، وأتوا برصيد تآمري كبير ليتاجروا به على حساب الدم السوري وأمن سورية واستقرارها، وفي مقدمة هؤلاء المتاجرين (الحَمَد والفيصل) اللذان راحا يتباريان في سمسرة العمالة إبان كل جلسة في الجامعة المستعربة أو مجلس الأمن... بشأن سورية.
يتبارى أميرا السعودية وقطر، بتشجيع من أمراء خليجيين، في مزايدة مكشوفة لأخذ دور بارز في المؤامرة التي تتعرض لها سورية، بالتنسيق مع أصحاب المشاريع الأميركية ـ الصهيونية التي تستهدف المنطقة العربية بعامة وسورية بخاصة، علّهم يحققون من الدخول في هذه المزايدة مكاسب ترفع من مكانتهم الوضيعة وتحسّن من صورتهم القبيحة، الملطخة بألوان العمالة والتبعية للاستعمار القديم والجديد على حدّ سواء، وتاريخهم يشهد على ذلك منذ ما قبل الثورة العربية الكبرى 1916 وحتى الوقت الراهن، في تعاونهم مع الاستعمار البريطاني القديم ومن ثمّ مع الاستعمار الأميركي الجديد، وإن لبسوا العباءات العربية البعيدة عنهم في أصالتها وشيمها.
ولمَ لا؟ أليس هذا التستر المشبوه من صفات السماسرة وأساليبهم في الخداع، سواء في السياسة أم في التجارة أم في العمالة مهما كان نوعها؟!
فادعاءات هؤلاء السماسرة بمساعدة الشعب السوري للخروج من أزمته وأوضاعه المأساوية، هي ادعاءات باطلة في الشكل والمضمون، ولاسيّما التذرع بنشر الحرية والديمقراطية التي يسوّقها لهم أسيادهم، عن طريق التسلّح والإرهاب وممارسة القتل الجماعي.
فأية حرية يزعمون؟ وأية ديمقراطية يدّعون؟ وهم لايعرفون من الحرية والديمقراطية إلاّ ما يحقق مصالحهم ويتماشى مع أنظمتهم (الأسَرية والقبلية)، التي تسمح لهم بممارسة العنف والقتل ضد كل من ينتقد نظامهم، ويحرّمون أي اجتماع أو مظاهرة تطالب بإصلاحات، حتى وإن كانت سلمية، والأمثلة على ذلك كثيرة كما في (السعودية وقطر... البحرين وغيرها) لأن في ذلك مخالفة للشريعة، على حدّ فتاوى مشايخهم، لأن سلطة الملوك والأمراء لا تنظمها قوانين ودساتير، كونها مستمدة من مشيئة الله (على حدّ زعمهم)، ليصل الأمر إلى تسمية الدولة بإسم الأسرة الملكية الحاكمة، كما في (المملكة العربية السعودية) نسبة إلى آل سعود.
وهذا يذكرنا بحكم الأباطرة في العصر الوسيط، الذي أطاحت به الثورات التحررية، وفي مقدمتها الثورة الفرنسية. وإنه لأمر مثير للسخرية بالفعل، أن نرى حكام ''الاستبداد المطلق'' في السعودية والبحرين وقطر، يدعون إلى حكومة ديمقراطية بسورية، في وقتٍ تُجلد فيه المرأة بالسوط إذا ما ضُبطت ''بجريمة قيادة السيارة''، فما بالك بمعارضة النظام، أو الخروج علناً عن طاعة الحاكم؟! والسعودية، وإلى غاية كتابة هذه السطور تقوم بعمليات قمعية بصورة وحشية لكل الاحتجاجات السلمية داخل حدودها، ونفذت إعدامات بقطع الرأس في الشوارع والساحات العامة، ومملكة الوهابية هي مَنْ قادت، في الربيع الماضي، سحق قوات مجلس التعاون الخليجي للتظاهرات السلمية المطالبة بالديمقراطية في البحرين. واليوم تستمر القوات الخليجية بقيادة السعودية وبدعمٍ من واشنطن ولندن بقتل النساء والأطفال البحرينيين في الشوارع وفي المنازل.
وفي زمن الشتات العربي، فقد نصّب ''نبيل اللا عربي'' نفسه وكيلاً عن الشعب السوري، كما فعل من قبله (الحمدي/القطري)، وراح يستنهض همم المسلمين وحمية العرب ويدعوهم لمساعدة فئة من السوريين الضالين على أخوتهم في الوطنية والإسلام والعروبة.
أليس في هذا فجور سياسي، ودجل أخلاقي بأبعاده الاجتماعية والإنسانية؟! ولكن لا غرابة في ذلك طالما أنه يتمّ في مزاد السمسرة العربية، وفي سوق الجامعة المستعربة التي تحولت إلى سوق لتجار السياسة العربية، بالمال والنفط ورصيد العمالة والتآمر على الأمة العربية، بحاضرها ومستقبلها، بدلاً من أن تكون البيت الحاضن للأسرة العربية، التي تغار على أبنائها وتؤالف بينهم، وتعمل على حلّ مشكلاتهم بالتعاون فيما بينهم، وليس من خلال التفرقة وتأجيج نار العداء والفتن.
على أي حال، لم يتم توظيف هذه الدول العربية المغفلة، إلا بعد أن فشلت ادعاءات الغرب في دعمه للديمقراطية وحقوق الإنسان. ولسخرية الأقدار، أن هذه المشيخات كانت الأشد قمعاً لأي حركة شعبية مطالبة بالديمقراطية في الداخل. وجميع هذه الدول، الموصوفة إما بالممالك، أو المشيخات، أو الإمارات، أو السلطنات، تحكم بقبضة حديدية من سلالات عائلية تملك شعوبها بعقلية القرون الوسطى، وتعاملهم كعبيد.
إن أمين عام الجامعة العربية السيد ''نبيل العبري'' يعيش ربيعه حقيقة فها هو يشد الرحال من عاصمة لأخرى فنراه متنقلاً بين القاهرة والدوحة واسطنبول ونيويورك ترافقه عدسات التصوير وتتنافس القنوات الفضائية العالمية لتحصل منه على تصريح أو حديث عن الأزمة التي أقامت العالم ولم تقعده وهي بالتأكيد الأزمة السورية التي أصبحت أزمتهم هم لا أزمة السوريين إضافة إلى إطلالته علينا من منصات مجلس الأمن ومجلس ائتلاف الدوحة ومجلس الجامعة العربية ولا نعلم إذا كان ثمة مجالس أخرى سنشهد ولادتها على خلفية الأزمة السورية.
ولعل مشكلة السيد ''نبيل'' تكمن في أن ربيعه جاء متأخراً لا بل وهو في أرذل العمر وبعد أن وهن العظم منه واشتعل الرأس شيباً، وما في اليد حيلة لذلك نراه يزاور ذات اليمين وذات الشمال فيرى الشيخ والأمير في الميمنة والميسرة يحكمان الطوق عليه وبخاصة أنهما في حضرة السيد الأميركي الذي لا يخفي إعجابه بوفاء عرب الجنسية، لا لأبناء جلدتهم بل للبيت الأبيض، هذه المشاهد المخزية تختصر زمننا العربي الرديء وانكشاف أمننا القومي العربي ودرجة انخراط البعض منا في مشاريع الغرب الاستعماري حليف الكيان الصهيوني اللاعب الخفي في كل ما يجري على الساحة العربية المكشوفة والممزقة.
والحال لو أراد السيد ''العبري'' ربيعاً عربياً لما فرط في أوراق الجامعة المستعربة وقزم دورها عندما تحول إلى قاضي إحالة فيها لمجلس الأمن ما أضعف دورها وقلل من شأنها وهي التي كانت خيمة عربية جامعة للعرب لا مفرقة لهم على محدودية دورها وهذا ما لا يجادل فيه أحد ولكن أن تتحول الجامعة إلى مكسر عصا للغرب و''إسرائيل'' وذراعاً سياسية وعسكرية لهم فهذا باعتقادنا لا يمكن لعاقل أن يقبله.
إن هذا الدور اللامتوازن والمنحاز الذي لعبه أمين عام الجامعة المستعربة هو الذي أخرجها من دائرة الفعل السياسي وجعلها تعيش حالة انعدام وزن إضافة إلى انتقال مركز ثقلها من القاهرة بحجمها التاريخي ومركزيتها إلى الدوحة وطارئيتها وراهنيتها وهذا يعني بالمفهوم العملي أن الجامعة المستعربة تعيش خريفها فيما أمينها العام لا يزال ينعم في فصل هو من أقصر فصول السنة في بيئتنا العربية التي تلفها صحراء قاحلة؟
لقد أربكت الحالة السورية مراكز البحث الغربية التي غيرت قواعد اللعبة أكثر من مرة لتحقيق اختراق في الجسد السوري المتماسك، وعهدت تنفيذها لوطاويط السياسة العربية وأقزام البترو دولار في قطر والسعودية، الذين وضعوا كل إمكاناتهم وثرواتهم التي نهبوها من مقدرات شعوبهم في خدمة المشروع الأمرو ـ صهيوني لتدمير سورية، لكنهم أخطؤوا المكان والزمان وباءت جهودهم بالفشل، وبينت الأزمة أن الدولة السورية التي تبني سياستها انطلاقاً من المصلحة الوطنية والقومية، وتراعي مصالح شعوب العالم الآخر بما ينسجم مع تحقيق مصالح شعبها يصعب على أي قوة في العالم مهما علا شأنها أن تنال من دورها في حماية استقلالها وسيادتها، وقد فهم حلفاء سورية الحقيقيون هذا الموقف الثابت وأسبابه وخلفياته بدقة، ودعموه في المحافل الدولية بقوة بما ينسجم ومصالح المنطقة بأجمعها، وبما يُساهم في تحقيق العدل والمساواة في العالم كله انطلاقاً من سيادة القانون الدولي وتطبيقه بشكلٍ متوازن ومتساو على الشعوب الفقيرة والغنية على حد سواء بعيداً عن الأجندات الاستعمارية المقيتة، وقد نتج عن الأزمة السورية وتبعاتها خلق واقع جيوسياسي جديد أدى إلى حالة من التوازن الاستراتيجي في العلاقات الدولية.
إن مايجري في سورية عملياً هو محاولة زعزعة استقرار دولة ذات سيادة وعضو مؤسس في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة.
والشعب السوري هو من يحدد ويقرر مستقبل النظام السياسي بالأساليب والطرق الديمقراطية والتعددية السياسية، وتتحمل السعودية وقطر وتركيا وجامعة الدول المستعربة مسؤولية القتل والتدمير والتخريب الذي لحق بسورية مما يتوجب عليها دفع التعويضات عن الخسائر البشرية والمادية التي ألحقتها بالعرب وبالوطن السوري وخدمت مواقفها وممارساتها ''الفوضى الخلاقة'' التي ابتكرتها الولايات المتحدة لتفتيت الدول والمجتمعات العربية والإسلامية على أسس طائفية وعشائرية ومذهبية وعرقية. وأدخلت الفوضى الخلاقة المجتمعات العربية في مرحلة ما يسمى بالربيع العربي لإعادة تركيب وإنتاج أنظمة التبعية بلباس جديد في عملية مضللة لخداع وتضليل جماهير الشعب والأمة.
لقد انكشفت أوراق هؤلاء المتخمين، وفقدت جامعة الدول المستعربة شرعيتها عندما لم يحترم القائمون عليها أسس ميثاقها، فتحولت هذه المنظمة إلى ''حصان طروادة'' يستخدمها الطامع والساعي لخلق ''شرق أوسط جديد''، مقسم، صديق للصهاينة. لقد أثبتت تطورات ''الربيع'' أن من مصلحة العرب القومية أن يتم حل الجامعة، ليصبح مصيرها كما مصير عصبة الأمم.
3/5/13125
https://telegram.me/buratha