عبارة الرئيس مرسي 'انتم المفلسون' التي ذكرها في خطبة سابقة ردا على منتقديه من المعارضين الذين يرون إن مصر تسير على خطى الإفلاس، بدت عبارة ناقصة غير مكتملة، فالصحيح هو أن يقول ' انتم ونحن المفلسون'،. فرغم قصر عبارة الرئيس، إلا أنها تلخص حال أمة، وشأن قوم لم يعد يجمعهم هدف، ولا يوحد بينهم رأي، فليس في جعبتهم ما يستطيعون تقديمه لصالح هذا الوطن، وهذا هو واقع الحال في مصر هذه الأيام، فالمفلسون هم الذين يتقدمون الصفوف معارضة وحكومة، والإثنين ليس لديهم الا تلك المبارزات اللفظية اليومية التي لا تنتهي، وذلك في ظل غياب كامل للمسؤولية الرئاسية، ودون ادنى اهتمام من أي جانب لتقديم رؤى واضحة لنهضة هذا البلد بعد السقوط المدوي لطائر نهضة الإخوان.
انتم المفلسون - إذن هي عبارة خلدت زمن وحقبة الرئيس مرسي، فهي تكرار لعبارات أسلافه من الحكام العرب مثل 'من أنتم' أو 'خليهم يتسلوا' أو 'فهمتكم' وهي عبارات تهكمية تعكس مدى سخرية الحاكم من المعارضين له، بل ومن الشعب ذاته، فالرئيس في هذا الحال يرى في نفسه انه هو الأصدق رؤية، والأبعد نظرا، والأحسن مفهومية وهذا بالتأكيد ليس صحيح. فالشعب هو السيد، ومطالبه هي الأحق بالاهتمام، والاحترام، والتطبيق، وعلى الرئيس أن يأخذ بها كاملة، هذا هو ما اعتقده الشعب المصري بيقين ثابت بعد انتخاب الرئيس مرسي، فعلى هذا النهج، وذلك الأمل ارتاحت الأغلبية التي صوتت للرئيس، وراحت تتطلع إلى آفاق المستقبل المشرق الذي سيأخذنا اليه سيادة الرئيس الجديد .
اعتقد الناس أنه سيقود البلاد إلى عصر الرخاء والتنمية، فهو قد تقدم للمنصب منافسا للآخرين من أجل خدمة الشعب هكذا فهم الناس.
كانت فرحة المصريين كذلك كبيرة بالتغيير الذي حدث، وراحوا مرة أخرى يحلمون ويتطلعون بلهفة وشوق إلى خطط وبرامج الرئيس التي ستحقق العدالة الاجتماعية التي نادت بها الجماهير، يتطلعون إلى العيش والحرية التي نادت بها الثورة، بل وراحوا ينظرون إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى تحويل مصر إلى موقع بناء وورشة عمل عالمية، حيث سيقف العمال والبناؤون والمهندسون بخرائطهم وآلات البناء العملاقة في حالة انسجام وتوحد من اجل إنهاء مشروع بناء مصر سياسيا واقتصاديا وصحيا وتعلميا. لكن خيبة الأمل كبيرة فالرئيس قد حاد بنا عن هذا الخط الذي حلمنا به وأخذنا إلى صحراء التيه القاحلة نقف فيها معا دون خطة ولا هدف ينظر كل منا إلى الآخر حيث لا ماء ولا زاد ولا خطة بناء ولا خريطة للسير تنقذنا من هذا الطريق الوعر، لهذا بدأت أصوات المعارضين تعلو وتتساءل أين نحن؟ أين البناء؟ وبدأ الشعب يئن ويتوجع والرجل يؤثر الصمت بعيدا، في خلوته بعيدا عن الناس، لا نسمع له صوتا، ولا نرى له خطة يوحد بها هذا الانقسام الحاد في المجتمع، ودخلنا معه في حالة من التوهان والتخبط، فالسير في الصحراء يحتاج إلى بوصلة والقائد لا يملك تلك البوصلة.
انتهز كل اللاعبين على الساحة السياسية فرصة هذا التخبط وعدم الالتفاف والتوحد على هدف واحد، وانهمك الجميع في التحزب وتبني الفكرة الضيقة والهدف الأصغر فأصبحت العملية الانتخابية القادمة لمجلس الشعب هي الهدف الاسمى وقبلها كان الاستفتاء على الدستور، وبدل ان يتجمع الجهابذة والكبار من اجل توحيد الصف لإنقاذ مصر والتواصل مع العلماء والخبراء في الداخل والخارج والبحث في إقامة المشاريع والمصانع، راحوا يسعون لاغتنام ما تيسر لهم من كراسي ومناصب بالانتخابات وغيرها، فكل وقتهم مكرس لهذا المسعى، لذلك بدأت الأزمات تتكاثر، وسوء الخدمة يتفاقم مع استمرار هذا الغياب الرئاسي، وانكشف ضعف الحكومة المهين وغابت الرؤى تماما وأصبح الجميع كالعميان يتخبطون في بعضهم البعض.
واقع الحال أن لا شيئ تغير، كل شيئ يسير على نفس طريقة النظام القديم، فمفهوم التشبث بالكرسي والبحث عنه هو المبدأ الراسخ عند الجميع، أما الإيثار والبحث عن من هو اصلح فمازال غير موجود، لقد أراد الله أن يكشف أهل السلطة أمام شعبهم، فمن سخرية القدر أن الرئيس مرسي وهو عضو مجلس شعب كان قد قدم استجوابا قويا متهما فيه الحكومة وقتها ومن هم فوقها بالإهمال والتسبب في حادث حرق قطار الصعيد، أما الآن وهو رئيس انظر كيف يتحدث عن حادثة قطار البدرشين التي حدثت قبل أيام قليلة، صوت خفيض، غياب تام لرؤية تحسين خطوط السكك الحديدية والنهوض بها ونسي تماما ما قاله وطالب به من قبل في مجلس الشعب .
الرئيس لم يبحث في كيفية حل مشكلة السكك الحديدية التي تكررت على الأقل في عهده مرات، لم يستعن بخبراء مصريين في الخارج ولا في الداخل لم يأمر بتجهيز طائرات مثلا للعمل ونقل المصابين وتقديم الخدمات الإسعافية للذين يصابون في حوادث الطرق أو القطارات.
في كل مرة بعد الحوادث والكوارث يسأل الناس أين هي القرارات؟ وأين هي المبادرات والحلول؟ وغيرها؟ والإجابة هي صمت رئاسي مطبق فلا إجابة ولا حوار إنما استمرار للتحزب والانقسام والانغلاق على الذات، والسير على نفس طريق ومنهج مبارك.
11/5/13118
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha