سايمون هندرسون: مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن. سايمون هندرسون وهو زميل بيكر ومتخصص في شؤون الطاقة والدول العربية المحافظة في الخليج.
نشرت ذي آتلنتيك في عدد10 كانون الثاني/يناير 2013 هذا المقال وهو جزء من سلسلة من المقترحات السياسية للفترة الثانية من ولاية الرئيس الأمريكي بعنوان «أوباما والشرق الأوسط: الفصل الثاني» ، يقدمها زملاء معهد واشنطن."
ــــــــــــــــــ
في 25 كانون الأول/ديسمبر ، بينما كان العديد من الأمريكيين يتناولون لحوم الديوك الرومي أو الوجبات الصينية أو مشغولين عن العالم بطريقة أخرى، اجتمع قادة دول الخليج الفارسي العربية لقمتهم السنوية في المنامة، عاصمة البحرين.
ولم يلق الاجتماع سوى النذر القليل من الاهتمام من قبل الصحف الأمريكية ووسائل الإعلام الأخرى، وهو أمر مؤسف. فقد أصبحت دول "مجلس التعاون الخليجي" تحتل الصدارة في إحدى القضايا التي يرجح أن تصنع الأخبار الرئيسية في عام 2013 - ألا وهي البرنامج النووي الإيراني. ويأتي ذلك فيما تواجه المملكة العربية السعودية - أكبر دولة في "مجلس التعاون الخليجي" وأغناها وأكثرها هيمنة - أزمة خلافة.
ولو كان للولايات المتحدة وبقية المجتمع الدولي أن ينجحوا في إقناع طهران بالتمسك بالاستخدام السلمي للتقنية النووية، فمن المرجح أن تكون السعودية لاعباً جوهرياً في هذا الصدد. لكن الرياض حالياً عاجزة سياسياً بصورة متزايدة. فالدولة المصدرة الأكبر للنفط في العالم التي أعلنت ذاتياً أنها زعيمة العالم الإسلامي قد أصبحت تقريباً دون قائد يوجه دفتها.
فالملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الذي خضع مؤخراً لجراحة في الظهر، هو في التسعين من عمره ويعاني من وهن متزايد. كما أن خليفته وأخيه غير الشقيق، ولي العهد سلمان، الذي سيبلغ السابعة والسبعين هذا العام، حضر قمة المنامة نيابة عنه. وعلى الرغم من أن سلمان كان يبدو مركزاً، إلا أن إسهامه كان محدوداً - فدماغ الملك القادم مشوه بسبب العته الذهني.
على واشنطن أن تتغلب على خوفها الدائم من إزعاج آل سعود، وتكسر تلك العادة المتأصلة للدبلوماسية الخارجية الأمريكية وتساعد على ظهور قيادة جديدة في الرياض. ولا يلزم أن يصاحب ذلك أي صخب إعلامي - بل ربما من الأفضل أن لا يكون هناك أي إعلام. ويمكن أن تأتي بعض الضغوط من قبل دول "مجلس التعاون الخليجي" الأخرى.
إن النجاح في ذلك المسعى قد يحقق نتيجتين - ويجب أن يحققها - وهي: وقف التسلح النووي الإيراني، وتجنيب تلك المَلكيات - من الدول العربية المحافظة في الخليج - من مواجهة الاضطرابات في الشارع العربي.
وهناك من بين أعضاء العائلة السعودية الحاكمة من عقدوا العزم على ما يبدو لإبقاء ترشح سلمان في المقدمة. وتظهر الصور التي نشرتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس" بأنه يلتقي كثيراً مع المسؤولين السعوديين بل مع الدبلوماسيين والزوار الأجانب. إن من يقفون إلى جانب سلمان يعتمدون على حرية تصرف من يحضرون تلك المناسبات للحفاظ على الأسطورة أن ولي العهد لا يزال قادراً على العمل بفاعلية.
وعلى المستوى الأكثر علانية وانفتاحاً على الجمهور، يبدو أن مساعدي سلمان يتبعون خطة علاقات عامة تصور ولي العهد، الذي هو أحد أغنى الرجال في العالم، باعتباره رجلاً من الشعب. ففي خطاب له في الرياض في 20 كانون الأول/ديسمبر صرح سلمان قائلاً: "إن هذا البلد بلدكم...وأنا واحد منكم". وتلك الصياغة غير معتادة على الإطلاق في البلد الوحيد في العالم الذي يحمل اسم عائلته الحاكمة، ولم تلق ترحيب ومصداقية في اليوم ذاته الذي انتشرت فيه أخبار عن تخصيص طائرة إيه-380 جديدة ذات طابقين تابعة لابن شقيق سلمان، الأمير الوليد بن طلال، تم تكييفها وتحويلها إلى "قصر طائر" بتكلفة نصف مليار دولار.
وفي لحظة واضحة من إدراك حجم الأزمة التي تواجهها المملكة، قام الملك عبد الله في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بترقية ابن أخيه، من الجيل الثاني الأصغر سناً، الأمير محمد بن نايف، إلى منصب وزير الداخلية. وحيث أن محمد - نجل ولي العهد المتوفي الأمير نايف - يتسم بالمقدرة والعمل الجاد، يجري العمل على ما يبدو لإعداده لأن يصبح ملكاً في المستقبل. لكن صعوده الأخير أثار غيرة العديد من أبناء عمومته، كما أن ترقيته إلى مناصب أرفع قد تواجه اعتراضات من جانب حوالي عشرين من أعمامه، وهم أبناء مؤسس المملكة ابن سعود، الذين لا يزالون على قيد الحياة.
ويكمن التحدي الماثل أمام واشنطن في تأمين ترقية إضافية لمحمد بن نايف، مع المساعدة في الوقت ذاته على توجيه المملكة بين مطرقة السياسات الداخلية الفوضوية وسندان المناخ السياسي القمعي الذي أنتج في الماضي حركات سياسية متطرفة مثل تنظيم «القاعدة».
وتتعارض تلك السياسة مع الغريزة (العلنية) للدبلوماسيين الأمريكيين. ففي مقال نُشر في "نيويورك ريفيو أوف بوكس" في 10 كانون الثاني/يناير 2013، نُقل عن سفير الولايات المتحدة الحالي في الرياض جيمس بي. سميث قوله أن "الركائز الثلاث [للعلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية] هي أمن النفط والاستقرار ومكافحة الإرهاب؛ ولم تثمر الضغوط المتعلقة بحقوق الإنسان والتغيير سياسي عن [أي] نتائج"
وربما بالإمكان مساعدة الجهود الرامية لتسهيل حدوث تحول في الرياض من خلال تشجيع المناقشات بين قادة دول "مجلس التعاون الخليجي" حول الحاجة لاستجابة هؤلاء الحلفاء التقليديين بشكل إيجابي لضغوط التغيير التي تجتاح الشرق الأوسط. وقد يلقى هذا قبولاً لدى العائلات الحاكمة، التي تقول عادة إن شكل الإجماع القبلي الذي تتبعه هو أفضل من الاضطراب المحتمل للديمقراطية القائمة على غرار الطريقة الجيفرسونية [الأمريكية]. ولقد حققت بالفعل بعض الدول الأعضاء في "مجلس التعاون الخليجي" تقدماً كبيراً في تشجيع ظهور قيادات شابة. فولي عهد أبو ظبي (وبالتالي الزعيم القادم للإمارات العربية المتحدة)، محمد بن زايد آل نهيان، هو في الواحدة والخمسين من عمره، وولي عهد قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي مثل والده في المنامة، هو فقط في الثانية والثلاثين من عمره.
وقد جاء البيان النهائي لقمة المنامة في 25 كانون الأول/ديسمبر صريحاً بشكل يدعو إلى الدهشة في ظل الظروف الراهنة من ناحية انتقاده للتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول "مجلس التعاون الخليجي" والتهديد الذي يشكله برنامج طهران النووي على أمن واستقرار المنطقة. بيد، قد يرى المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي أن تجمع الكهول في قمة "مجلس التعاون الخليجي" يشكل نقطة ضعف ينبغي استغلالها.
وحتى يُكتب لإدارة أوباما الجديدة النجاح حول موضوع إيران، عليها أن تعمل مع آل سعود وكذلك العائلات الحاكمة في دول "مجلس التعاون الخليجي" الأخرى للتأكد من أن رؤساء هذه الدول هم شركاء دبلوماسيين فاعلين في العملية وليسوا مجرد نقاط ضعف.
1/5/113115
https://telegram.me/buratha