ربما يعجب القارئ الشيعي إذا علم أن هناك بلدا إسلاميا كالمغرب يحتفل بيوم عاشوارء احتفالا كبيرا، وتتنوع فيه مظاهر البهجة والسرور، والغريب أنه لا يوجد تبرير منطقي لهذا الاحتفال سوى تبريرات واهية لا ترقى عشر معشار هذه المظاهر، بل قد تتجاوز احتفاليات عاشوراء في المغرب مظاهر الاحتفال بسائر الأعيادالإسلامية، فلماذ!
نحن نعلم محبة النبي(ص) للحسين(ع) واهتمامه الشديد به، ومن يشكك فعليه مراجعة مصادر السنة قبل الشيعة ليتضح له الأمر، وكذلك أهمية الحسين ويوم عاشوراء عند أهل بيت النبي(ص) حيث ورد عنهم عليهم السلام روايات كثير في أهمية عاشوراء، وعظيم المصاب الذي حدث فيه منها: "إنّ يوم الحسين (عليه السلام) أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون" و: " لا يوم كيوم الحسين" وقول الإمام الرضا(ع): "لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته، وسبوا نساءه، وانتهبوا ثقله، فلا غفر الله لهم ذلك أبداً . يا ابن شبيب، إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب، فانه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيه، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل الى الارض من الملائكة أربعة الآف لنصره فوجدوه قد قتل، فهم عند قبره شعث غبر الى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره وشعارهم : ( يا لثارت الحسين ) . يا ابن شبيب، لقد حدثني أبي، عن أبيه عن جده أنه لما قتل جدي الحسين عليه السلام أمطرت السماء دماً وتراباً أحمراً . يا ابن شبيب، إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته، صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً »، وغيرها من الروايات الكثيرة.
وإليكم تقريرا عن الاحتفال بعاشوراء في المغرب:
تميز هذه المظاهر الاحتفالية إحياء ذكرى عاشوراء في المغرب، التي تصادف العاشر من شهر محرم من كل سنة هجرية.
فإذا كان يوم عاشوراء في العراق وإيران يوم كآبة وحزن على مقتل سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه، فإنه في المغرب مناسبة للفرح والترفيه والتضامن وسط أجواء روحانية وتقاليد اجتماعية وحركة تجارية غير عادية.
“بابا عاشور”
يبدأ الاحتفال بمناسبة عاشوراء في العديد من مناطق المغرب منذ مطلع شهر محرم، حيث تمتلئ الأسواق بالتمور والفواكه الجافة من تين وتمر وجوز ولوز وكاكاو وحمص وحلوى، وهذه الفواكه معروفة عند عامة الناس في المغرب بـ“الفاكية”، ويخلق إقبال الناس على شرائها رواجا كبيرا حيث يعتبر اقتناؤها لدى الأسر المغربية أحد لوازم الاحتفال، ويعد استهلاكها وتفريقها على الأهل والجيران وأطفال الحي مظهرا من مظاهر الاحتفاء بعاشوراء.
ويصاحب ذلك شراء الآباء هدايا لأولادهم، وهذه الهدايا غالبا ما تكون عبارة عن لعب مثل مزامير ومسدسات مائية وأجهزة إلكترونية أو الدمى والبنادر والطعارج وغيرها من اللعب التي يعرضها التجار على غير العادة في الأسواق والشوارع خلال الأيام التي تسبق وتلي هذه المناسبة.
ليلة العاشر:
وبحلول ليلة العاشر من محرم، تتجمل النساء في معظم المناطق ويتزين بالحلي ويلبسن لباسهن التقليدي، ويخضبن شعورهن بالحناء، وكذا أيديهن وأرجلهن بها مع وضع شيء منها في أكف الأطفال وهن يرددن: “عيشوري عيشوري.. دليت عليك شعوري..”.
وتخرج الشابات منهن إلى الأزقة متباهيات بأزيائهن وبجمالهن في مظاهر الزينة والبهاء وهن يضربن البنادر والطعارج مرددات: “هذا عاشور ما علينا الحكام أللا.. فعيد الميلود كيحكمو الرجال أللا…”، في إشارة إلى أن الرجال لا سلطة لهم على النساء والفتيات طيلة عاشوراء، مما يسمح لهن بالغناء والرقص ليال متتابعة، وعلى الرجال أن ينتظروا انتهاء شهر ربيع الأول، موعد الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، ليسترجعوا سلطتهم “المنتزعة” من لدن النساء..
ويقرن المغاربة عاشوراء بشخصية أسطورية يطلقون عليها “بابا عاشور”، ولا أحد يعرف أصل هذه الأسطورة التي تظهر في أهازيج الفتيات وهن ينقرن طعاريجهن المزركشة، ويهتفن: “هذا عاشور ما علينا الحكام أللا.”..
غير أن اسم «بابا عاشور» يختلف من منطقة إلى أخرى، فحسب الباحث مصطفى واعراب، فقد أطلقت عليه القبائل الأمازيغية اسم “أعاشور” أو “أبنعاشور”، وفي بعض مناطق جنوب المغرب اسم “حرمة” و”الشويخ” بينما أطلقوا عليه بمناطق شمال المغرب “با الشيخ” في حين يعرف بـ”عيشور” و”بابا عيشور” في وسط المغرب.
وخلال الأيام العشر التي تسبق عاشوراء، والتي يسميها المغاربة بـ”العواشر”، يبدأ أطفال الحي فرادى وجماعات بالتجوال عبر الدروب والأزقة محملين بالطعارج (خاصة في الأحياء الشعبية)، حيث يطرقون أبواب المنازل مرددين أهازيج خاصة بهذه المناسبة لطلب “حق بابا عيشور”، مع عرضهم لعظمة من خروف العيد مزينة بالحناء ومغطاة بثوب على أنها “بابا عاشور”.
ناضلت الباحثة والوزيرة السابقة نجيمة غزالي طاي طاي كثيرا من أجل أن يحصل المغرب على شخصية من تراثه الثقافي، لذا جسدت الشخصية التراثية الافتراضية بابا عاشور، وأضحى لدى الأطفال منافس لبابا نويل لا يظهر إلا أيام عاشوراء من كل سنة. يرتدي بابا عاشور الذي قدمته الباحثة أخيرا في لقاء صحافي، هنداما أنيقا يطغى عليه اللونان الأزرق والبرتقالي "اللون الأزرق رمز للماء الحاضر بقوة في هذه المناسبة من خلال زمزم، والبرتقالي رمز للنار المعروفة في احتفالات المغاربة بـ"شغالة"، يتخطاها الشباب ليلة عاشوراء" توضح الباحثة والمسؤولة عن مهرجان عاشوراء السنوي.
وإذا كان بابا نويل محبوبا لدى الأطفال من خلال لحيته الناصعة البياض، فإن بابا عاشور لا يقل عنه أناقة وجمالا، إذ رتب لحيته بشكل جيد وحرص على الاهتمام بماكياجه كثيرا. أما لباسه فقد صممه طلبة مدرسة للتصميم في الدار البيضاء "أردنا أن لا نفرض على الجيل الجديد شكلا معينا لهذه الشخصية، لذا منحنا لطلبة شباب فرصة لتقديم تصاميم خاصة بهذه الشخصية" توضح الباحثة في التراث المغربي طاي طاي. وقد أعلن عن مباراة شارك فيها طلبة من مدرسة متخصصة، التصميم الفائز فيها سيصبح الهندام الرسمي لبابا عاشور.
الهندام الرسمي عبارة عن لباس مغربي تقليدي، من السروال الفضفاض إلى الخف التقليدي، فالسلهام الأنيق فالجبة والفقطان، أما المحفظة فزينت بأشكال صفراء زادتها جمالا، ويتوفر بابا عاشور على عكاز مزين.
هناك ميزة أخرى لهذه الشخصية الموغلة في الثقافة الشعبية المغربية، وهي قدرتها على الغناء، وفي هذا السياق أعلنت صاحبة المشروع عن منح كاتب الأغاني الشهير أحمد الطيب لعلج كلمات تتغنى ببابا عاشور والموسيقار الكبير عبد الوهاب الدكالي موسيقى لتلك الكلمات. الأغنية ستؤديها تلك الشخصية خلال جولاتها إلى المستشفيات والدور الخيرية ودور المسنين والمؤسسات السجنية ومراكز حماية الطفولة بمدينة الدار البيضاء الكبرى. تستمر الزيارات طيلة شهر محرم. بابا عاشور سيكون محملا بالهدايا للأطفال "سنجمع هدايا من المحسنين، ثم يقوم بابا عاشور بموكبه بتوزيع تلك الهدايا على الأطفال "تقول طاي طاي. الباحثة تحرص على أن تستمر الشخصية، كما هي في تصور المغاربة، رمزا للطيبوبة والثقة والاستقامة، توحي بالتكافل والتضامن وترسيخ دور الوسيط لدى الفئات المعوزة.
أغنيته التي أدى مقطعا منها في لقاء صحافي بالدار البيضاء، مرحة وخفيفة، ولجلب اهتمام الأطفال يلجأ إلى الرقص وتغيير ملامح الوجه والتفاعل معهم. وللباحثة مشروع حول التعامل مع التراث أطلقت عليه "ممارسة جديدة" للعادات، ترى أن "الأوقات العصيبة التي نمر بها، وجب إخراج بابا عاشور من الزوايا المظلمة التي ركنه الزمان ليقوم بدوره الرمزي المتمثل في الوساطة بين الموسرين والمعوزين". كما أنها تنخرط في مشروع يدافع عن "الهوية المغربية عبر تسويق ممارساتها ثقافيا" وتشدد على ضرورة الاهتمام بهذا التراث "لماذا نحارب ما هو جميل في ثقافتنا، يجب أن نسترد مرجعيتنا وأن نكف عن استيراد حتى الاحتفالات من الخارج" أوضحت في الندوة الصحافية السالفة الذكر.
للتذكير فقد اعتادت الفتاة المغربية دوما، خاصة في المدن القديمة والقرى. ان تخبئ الفتيات "عظما" وتشرف على العناية به وتزيينه، ثم يقمن بدفنه يوم عاشوراء في جو احتفالي، مرددات "هذا عاشور ما علينا حكام أللا"، في إشارة إلى أن هذا الاحتفال هو يوم للحرية بالنسبة للفتيات.
“الشعالة”
تشهد الشوارع والميادين العامة في المدن والأرياف ليلة عاشوراء ظاهرة إشعال النيران التي يطلق عليها “شعالة” أو “تشعالت” بالأمازيغية، وبعد إيقاد النار يبدأ القفز عليها باعتبار أن ذلك يزيل الشر ويبعده، بل إن البعض يشعلون النار في أفنية منازلهم ويأخذون في الدوران حولها وهم يطبلون ويزمرون ويغنون، ويجتهد الفتيان في تأجيج اشتعالها لأطول مدة من الليل، وغالبا ما يستعملون لهذا الغرض عجلات مطاطية بالإضافة إلى أغصان الشجر لتتصاعد الأدخنة في عنان السماء، ويأخذون في القفز فوق اللهيب، في حركات بهلوانية يرافقها القرع على “الطعاريج” بأهازيج شعبية من قبل النساء، مع ما يصاحب
ذلك الصخب من إطلاق الأطفال للصواريخ وفرقعتهم للمتفجرات والمفرقعات…
لكن، وحسب الباحث مصطفى واعراب، فإن طقوس احتفال مغاربة اليوم “فقدت دلالاتها الرمزية وتحولت إلى مجرد لعب ولهو فقط.” وأشار واعراب إلى أن المغاربة القدامى كانوا يبدؤون التحضير لطقوس “الشعالة” منذ الأيام التي تسبق مناسبة عاشوراء، حيث يتم إعداد حطب الموقد وتجميعه في المكان نفسه الذي اعتاد الناس على إضرام النار فيه كل عام.
كما يشرعون في اختيار نوعية الحطب. وكانت الأفضلية تمنح لبعض الأشجار التي تعتبر “مباركة”، أي تلك التي تعتقد العامة أن لها “بركة” كشجيرات الدفلى والزعتر والحلفاء وأشجار الزيتون البري (الزبوج) والزيتون المثمر والنخل وغيرها.
ويضيف واعراب موضحا: “عند حلول ليلة عاشوراء تضرم النيران من طرف شخص له بعض القداسة التي يستمدها من تكوينه في أمور الدين (طالب أو إمام مسجد القبيلة)، وتعرض الحيوانات والدواب للدخان بأن تمر من خلال الدخان المنبعث من نيران المباهج، ثم يليها أفراد الأسرة من الرضيع المحمول على ظهر أمه وحتى العجوز المتكئ على عصاه، لما لدخان نيران عاشوراء من بركة تطرد الأرواح الشريرة وتُطَهِّر المنازل وتجلب السعد حسب معتقدات عامة الناس”.
وإذا كان البعض يعتبر “الشعالة” مجرد لهو ولعب، فإن بعض النساء يستغلن هذه الفرصة بالذات من كل سنة ليلقين مواد غريبة في النار المشتعلة، وتكون غالبا عبارة عن بخور ووصفات تشتمل على طلاسم وتعويذات شيطانية، حتى يضمن بلوغ أهدافهن ويحققن مرادهن إلى أن تحل عاشوراء السنة الموالية، وأغلب تلك الأعمال والصنائع السحريــــة تتركز حول مسألتين: الأولى تتــعلق بـ“ترويض’’ المرأة لزوجها وإجباره على طاعتها، والثانية ترتبط بمسألة العنوسة، إذ تلقي العانس جزءا من أثر الرجل الذي تريده زوجا لها (شيء من ثيابه أو شعر رأسه أو جسده، أو حبات تراب وطئتها قدمه..) في النار الملتهبة..
وهناك أخريات يرغبن في كسب شَعر جميل وقوي، يدخلن طرفا من شعورهن في خاتم فضي، ويقطعن ما فضل منه، ويرمينه في نار”شعالة’’….
طقوس “زمزم”
يستيقظ المغاربة مبكرا في صباح اليوم العاشر من شهر محرم (عاشوراء) اعتقادا منهم أن من ينشط في هذا اليوم سيكون العام عنده كله نشاط وبركة، وفي بعض المناطق تبادر الأمهات بإيقاظ أهاليهن عن طريق نضحهم (رشهم) بالمياه منذ الساعات الأولى من يوم عاشوراء.
وبعد الاستيقاظ، يبدأ الصغار في رش بعضهم البعض بالمياه قبل أن ينتقلوا إلى الجيران وبعدهم المارة عبر الدروب والأزقة، لتبدأ بعدها المطاردات في الشوارع بين الذكور والإناث…
إنها ظاهرة “زمزم” أو “التزمزيمة”. ورغم أن زمزم هو اسم بئر في مكة المكرمة، فإنه في المغرب يعني اليوم الذي تكون فيه للأطفال حرية كاملة لرش المياه على بعضهم البعض وعلى جيرانهم والمارة في الشارع.
وتعد هذه العادة من الطقوس اليهودية “الدخيلة” على طقوس احتفال المسلمين المغاربة بعاشوراء، وهي سلبية لما تتسبب فيه من أضرار وتبذير للمياه، حيث يبذل الشباب والأطفال، وأحيانا حتى الكبار، طاقاتهم وجهودهم في ملء الأواني و“السطول’’ بالماء ورشها على المارة مباشرة أو من فوق سطوح المنازل، خاصة على النساء والفتيات، كأسلوب للتحرش بهن وسماع استعطافهن وتوسلاتهن للمرور سالمات من ماء قد يربك زينتهن كلها، فيؤدي هذا الهزل في أحايين كثيرة إلى مشادات ومشاحنات بين الناس وبين الجيران، بل من الشباب المستهتر من يعمد إلى خلط الماء بمواد خطيرة أخرى ليتم رشها على فتيات مستهدفات بعينهن، فيختلط اللهو غير السليم بالرغبة في الانتقام، مما يفضي إلى ضياع الوقت والجهد والماء، ويخلق أجواء من السـباب والشتائم والتظلمات والشكاوى…
“الذيالة”
عشاء ليلة عاشوراء يتكون في الغالب من طعام “الكسكس” الذي يفور على سبعة أنواع من الخضر “سبع خضاري” و“الذيالة”، وهي مؤخرة الخروف وذنبه، ويحتفظ بها من أضحية العيد مملحة لهذا الغرض، وقد يكون معها شيء من “القديد” مع أمعاء الكبش المجففة التي يصنع منها ما يعرف بـ“الكرداس”.
وأخير أدعو الأخوة المغاربة حفظهم الله أن يطالعوا كتب التاريخ بدقة ليروا ما جرى فيه من مصائب على أهل بيت نبيهم وعترته الطاهر، وأنا على يقين أن ما يفعلونه ناشئ عن عدم معرفة بحقيقة هذا اليوم الحزين، وياليت قومي يعلمون.
5/5/1125
https://telegram.me/buratha