الإخوان المسلمون : الوصول بالديمقراطية ثم الانقلاب عليها
الإعلان الدستوري : قانون طوارئ جديد
الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المصري محمد مرسي الخميس الماضي 22 / 11 / 2012 م اعتبره الكثير من السياسيين والقضاة والناشطين المصريين بمثابة انقلاب مبكر على ثورة 25 يناير وستكون له انعكاسات ليس فقط على مصر إنما على المنطقة وستدخل معه مصر مرحلة جديدة .
توقيت اصدار الإعلان وعلاقته بالصراع في المنطقة :
بالتأكيد فإن الإعلان الدستوري الجديد لا يمكن أن يصدر دون ضوء أخضر أمريكي كما أن توقيت اصداره لم يكن بمعزل عن الأحداث الدائرة في المنطقة خصوصا الاعتداء الاسرائيلي الأخير على غزة, حيث أثبت الرئيس المصري وجماعة الإخوان المسلمون قدرة على المحافظة على علاقات جيدة بإسرائيل حتى في ضل شنها لعدون, وبالتالي فقد عُد ذلك نجاح لمرسي والإخوان أمام أول اختبار حقيقي لمدى التزامهم بتعهداتهم, وما يؤكد ذلك أن مرسي لم يقم باي ردة فعل تجاه اسرائيل كالتي كان يقوم بها حتى نظام مبارك أحياناً في أحداث مشابهة كسحب أو استدعاء السفير المصري في تل أبيب لامتصاص غضب الشارع المصري وهذا ما أظهر مرسي أكثر تماسكاً من سلفه مدعوماً بقاعدة شعبية عريضة .
وبناءً على الاستشارات التي قدمتها الكثير من مراكز الأبحاث الغربية المختصة بمنطقة الشرق الأوسط فقد ترسخ لدى صانع القرار الأمريكي خلال العشرة الأعوام الماضية أن الإخوان المسلمون وحدهم هم القادرين على مواجهة - أو الحد من - التغلغل الايراني في المنطقة وما يمثله ذلك من خطر وجودي على اسرائيل وقد ترسخ ذلك اكثر بعد حرب تموز 2006 م بين اسرائيل وحزب الله, وأتت حرب غزة الأخيرة لتؤكد ذلك الخيار حيث استطاع مرسي لعب دور الوسيط وداعية السلام ولكن بغطاء شعبي واسع ليس على مستوى مصر إنما على مستوى المنطقة مدعوماً بتيار الاخوان المنتشر في الكثير من البلدان العربية وبذلك استطاع مرسي والاخوان جعل خيار السلام خياراً شعبياً بعد أن كان خيار النخبة الحاكمة, وهنا تحديداً ما تريده وتسعى اليه كل من اسرائيل والولايات المتحدة والدول الغربية عموماً, فالسلام الذي كانت تقوده الأنظمة الفردية كان سلاماً هشاً لا يحظى بشرعية أو غطاء شعبي .
وكان الكاتب والمحلل السياسي المخضرم محمد حسنين هيكل هو أول من أشار الى ذلك التحالف الغير معلن حيث قال : " ان الاعتراف الأمريكي الغربي بالإخوان المسلمين لم يأت قبولاً بحق لهم ولا إعجابا ولا حكمة، لكنه جاء قبولاً بنصيحة عدد من المستشرقين لتوظيف ذلك في تأجيج فتنة في الإسلام لصالح آخرين، مضيفًا بأن نشوة الإخوان بالاعتراف الأمريكي الغربي بشرعيتهم لم تعطهم فرصة كافية لدراسة دواعي الاعتراف بعد نشوة الاعتراف ", وأضاف هيكل " أن ما حدث في بداية القبول بنصائح المستشرق “برنارد لويس” هو أن السياسة الأمريكية حاولت توظيف قادة وزعماء من العرب لتحقيق المطلب، وعلقت أهمية ظاهرة على جهود الأمراء والرؤساء في محاولة تغيير طبيعة الصراع الرئيسي في المنطقة من صراع (عربي إسرائيلي) إلى صراع (عربي فارسي) وأن النجاح لم يكن بمستوى ما يطلبه الكبار في واشنطن وغيرها، فتجددت نصيحة الاستشراف بأن الأفضل فاعلية للمواجهة لتصبح أقوى، إذا انتقلت من كونها حكومات أمام حكومات لكي تصبح مجتمعات ضد مجتمعات، ولتكن المواجهة بين المذاهب الإسلامية كونها عداءً مباشراً وأعمق نفاذًا ", وهذا بالضبط هو الدور الذي يلعبه الإخوان اليوم سواء بعلمهم أو بدونه .
وبالعودة الى قرارات مرسي الأخيرة وبعد أن أعطت الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر لقراره بعزل المشير محمد حسين طنطاوي والفريق سامي عنان واحالتهما الى التقاعد والذي مر مرور الكرام بعكس قراره السابق بعزل النائب العام والذي تراجع عنه خلال فترة وجيزة وهذا ما أكد أن عزل القائدين العسكريين كان بناء على صفقة كثمن لإعلان الإخوان اعترافهم بمعاهدة كامب ديفيد وملاحقها وبالتالي الاعتراف بإسرائيل وخروج الاخوان كحركة من دائرة الصراع الى دائرة السلام وما رسالة مرسي للرئيس الاسرائيلي الا دليل على ذلك وبذلك لا يُستبعد أن يكون الإعلان الدستوري الجديد هو البند الثانية في الصفقة لإعطاء الإخوان دوراً أكبر في المنطقة عبر السماح لهم بالسيطرة الكاملة على مقاليد الأمور في مصر مقابل قيامهم بكبح جماح التواجد الإيراني المتزايد في المنطقة خصوصاً بعد الهزيمة التي منيت بعا اسرائيل في عدوانها الاخير تحت وقع صواريخ فجر 5 الإيرانية التي أرست معادلة جديدة " تل أبيب مقابل غزة " ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الفلسطيني تتعرض فيه عاصمة الكيان الاسرائيلي لضربات صاروخية جعل ملايين الاسرائيليين يعيشون أسبوعاً في الملاجئ, مما اضطر اسرائيل للموافقة على وقف إطلاق النار دون أن تحقق أي من أهداف الحرب التي اعلنها جيشها واذعنت بذلك لكثير من شروط حركات المقاومة الفلسطينية – بحسب ما ذكرته الكثير من وسائل الاعلام الاسرائيلية - التي خرجت منتصرة من الحرب وزاد رصيدها حتى على مستوى الشارع الفلسطيني وهذا ما أعطى زخماً قوياً لمحور المقاومة الذي تقوده ايران في مقابل تراجع واضح لمحور السلام العربي الذي تقوده دول الخليج ومصر الى الدرجة التي دفعت الشيخ حمد بن جاسم رئيس وزراء ووزير خارجية قطر الى القول في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجة العرب : " الذئاب تأكل النعاج، وهم – الاسرائيليين- ليسوا بذئاب، ولكن أغلبنا نعاج " .
الاعلان الدستوري ومبدأ الفصل بين السلطات
صرح رئيس نادي قضاة مصر المستشار أحمد الزند خلال مؤتمر صحفي عقد في مقر نادي القضاة النهري بالعجوزة قائلاً أن الإعلان الدستوري انطوى على مساس بمقدسات الشعب، واصفاً إياه بـ" حادث أليم ألمّ بالأمة ", مضيفاً أن الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي أجهز على مصر ودولة القانون واصفاً القرارات بأنها اعتداء على سيادة القانون واستقلال القضاء .
وفي نفس السياق أكد أستاذ القانون الدستوري الدكتور جابر نصار أن إعلان الرئيس مرسي تخطى الأطر القانونية والدستورية التي يمكن أن تصدر عن رئيس منتخب، وإنما هو أشبه بصدوره عن مجلس عسكري .
ومن جهة ثانية، قال الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي : ليس من حق الرئيس مرسي إصدار إعلان دستوري مكمل، وأكد أن إقالة النائب العام، يجب أن تصدر وفقا لقانون مصدق من قبل البرلمان .
هذا ويعد الاعلان الدستوري صفعة قوية لمبدأ الفصل بين السلطات الراسخ في أغلب دساتير العالم, حيث أحكم مرسي بموجب هذا الإعلان السيطرة على السلطات الثلاث وجمعها في يد واحدة ولأول مرة في تاريخ مصر منذ صدور دستور 1923 الذي يعتبر القضاء أحد سلطات الدولة ويقرر في فصله الرابع أن « القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، وليس لأية سلطة في الحكومة التدخل في القضايا » وقد ضل مستقلاً الى حد كبير حتى خلال حكم العسكر بعد ثورة 56 م مع بعض التجاوزات التي مورست ايام جمال عبدالناصر والسادات ومبارك الا أنها جميعاً لم تصل الى حد شرعنه تلك التجاوزات قانوناً أو جعلها نصوصاً دستورية .
فبعد حل مجلس الشعب المنتخب بعد ثورة 25 يناير 2011 م بموجب قرار من المحكمة الدستورية العليا تولى المجلس العسكري برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي وقتها السلطة التشريعية إضافة الى السلطة التنفيذية التي منحها لنفسه بموجب الاعلان الدستوري الأول وانتقلت السلطتين الى الرئيس مرسي بعد انتخابه والذي بدوره سحب السلطة الثالثة – القضائية – والأخيرة بالإعلان الدستوري الرابع الذي ألغى بموجبه عملياً المحكمة الدستورية العليا .
الاعلان الدستوري والاختباء وراء دماء الشهداء
بمراجعة نص المادة الاولى من الاعلان الدستوري نلاحظ تعمد واضح لتغليف الإعلان الدستوري بانه أتى استجابة لمطالب الثورة في اعادة محاكمة مبارك ورموز نظامه, مع أن الرئيس كان يمكنه عمل ذلك بإجراءات قانونية عادية ودون الحاجة الى حشرها في اعلان دستوري جديد .
الاعلان الدستوري وعصمة مرسي
بالاطلاع على المادة الثانية من الاعلان نلاحظ أن مرسي عصم نفسة بنفسه عبر جعل قراراته غير قابلة للنقض أو النقد بل انها تصبح نهائية فور صدورها مضيفاً أنه لا يجوز التعرض لها ولا تخضع لأي قانون أو جهة قضائية, وبذلك أضبح الاعلان الدستوري أشبه بقانون طوارئ جديد يمنح الرئيس كل السلطات وأخطر ما فيه هي المادة السادسة والتي تنص على : " للرئيس أن يتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة لحماية البلاد وحماية أهداف الثورة ", وبهذه الصيغة المطاطية فإن الرئيس يمكنه أن يتخذ أي إجراءات استثنائية بحجة حماية البلاد وحماية أهداف الثورة والتعامل مع الخصوم السياسيين على أنهم أعداء للثورة .
مكتب الارشاد هو من يدير مصر واستنفار الاخوان دعماً لمرسي قبل اصداره للقرارات
اثبتت القرارات الأخيرة التي اتخذها مرسي أن من يدير مصر هو مكتب الارشاد في منطقة المقطم بالقاهرة, فلا يعقل ان تكون تلك القرارات صدرت من مرسي خصوصاً أنه لم يتشاور مع أياً من القوى السياسية بل واصطدم بكل تلك القوى وحتى مع السلطة القضائية مستقوياً بجماعة الاخوان والتيار السلفيين, والاستنفار الذي ظهر على الإخوان المسلمون قبل صدور القرارات خير دليل .
الوصول بالصندوق ثم تغيير الدستور
الاعلان الدستوري والقرارات التي أصدرها مرسي مؤخراً ستعطي التيارات اليسارية واللبرالية والقومية مادة دسمة لترويج ما حذروا منه لعقود من أن حركات الاسلام السياسي وعلى رأسها حركة الاخوان المسلمين ستستخدم الديمقراطية للوصول الى السلطة لكنها ستنقلب عليها عند تمكنها من مقاليد الامور في البلد المعني, ونقوم بإصدار تشريعات جديدة تمكنها من البقاء في السلطة بشكل دائم وبحجة تطبيق شرع الله ورعاية مصالح الأمة .
الفراعنة المسلمون
والخلاصة أن ما حصل في مصر سيؤدي – اذا لم يتم التراجع عنه بطريقة أو بأخرى – الى نشوء فراعنة جدد لكنهم بغطاء ديني وشكل جماعي وليس فردياً كالفراعنة التقليديين الذين تعاقبوا على حكم مصر على مدى آلاف السنين, بحيث ستنشأ دكتاتورية الجماعة وبالتالي سيستحق الاخوان المسلمون لقب " الفراعنة المسلمون " .
20/5/1124/ تح: علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha