ظهرت في فضاء الحرب العالمية على سورية علامات المأزق المهيمن على التحالف الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بصورة تشير إلى انعطافة إستراتيجية جديدة عنوانها الحاسم هو خطة الخروج من المأزق بعد الفشل في تدمير الدولة السورية والنيل من صمود سورية ومن خيارها المقاوم.
أولا: يهيمن على الدوائر الأميركية والغربية الخوف من التحولات الحاصلة في تركيا القوة الإقليمية الرئيسية في حلف الحرب والعدوان على سورية فمعلوم أن تركيا من بين دول الجوار السوري هي العضو في الحلف الأطلسي والدولة المندمجة في الاستراتيجيات الغربية وهي صاحبة القوة العسكرية والاقتصادية الضخمة قياسا إلى جميع الحكومات المشاركة في العدوان
كالسعودية وقطر أو تلك المجاورة لسورية وتستعمل بصورة كلية أو جزئية كمنصات للعدوان مثل لبنان والأردن، بل أكثر من ذلك إن الرهانات الغربية والخليجية تركزت خلال الأشهر الثماني الماضية على إمكانية اجتياح الجيش التركي للأراضي السورية وتعديل ميزان القوى.
ثانيا: اليوم تبدو القوة التركية مستنزفة في مشاكلها الداخلية الاقتصادية والأمنية والسياسية فالمعارضة تشن هجوما سياسيا وبرلمانيا واسعا ضد نهج حكومة أردوغان المتورطة في الحرب على سورية وحزب العمال الكردستاني يقود تمردا شعبيا وعسكريا عنيفا ضد السلطات وملامح الانقسام المذهبي التي أنتجها خطاب أردوغان للتدخل في سورية تنعكس في الداخل التركي بينما الاختناق الاقتصادي يتفاقم و يتصاعد التوتر مع دولتين كبيرتين كروسيا وإيران تمثلان عمقا حيويا لا يمكن الاستغناء عنه بقوة الجغرافيا السياسية والعلاقات الاقتصادية والتجارية الأميركيون يواجهون في المأزق التركي نتيجة الورطة السورية خطرين أحلاهما مر فإما اضطرابات شاملة متعددة المستويات تقوض القوة التركية وإما انعطافة سياسية لتركيا باتجاه التماشي مع روسيا وإيران والانسحاب من حلف العدوان على سورية.
ثالثا: المملكة السعودية التي شكلت عصب خطط الهيمنة الغربية على المنطقة منذ هزيمة حزيران والقوة الهجومية المالية والسياسية والأمنية الدافعة للسياسات الأميركية منذ الستينات عندما تصدرت المواجهة مع الرئيس عبد الناصر، هذه القوة تبدو اليوم بنتيجة الفشل في سورية منشغلة بذاتها بعد تغير بيئتها الإقليمية من العراق إلى اليمن فالبحرين ، وفي ظل الصعود
المتواصل للقوة الإيرانية ، بينما تشتد داخلها الاضطرابات وصراعات النفوذ بين الأمراء المتنافسين على وراثة العرش وحيث يظهر بكل وضوح أن الفشل في سورية يرتد نزاعا متصاعدا داخل الأسرة الحاكمة وصراعا داميا بين أجهزة الأمن وجماعات القاعدة في حين تتواصل الاضطرابات الاجتماعية والسياسية على إيقاع المطالبة بالإصلاح الداخلي.
رابعا: صعود التورط المباشر في دعم الجماعات التكفيرية والإرهابية والقاعدية ضمن سياق الحرب العالمية على سورية يبلغ نهاياته ويرتد في مسار عكسي بنتيجة المعلومات الاستخباراتية الأميركية والأوروبية عن انتشار الجماعات القاعدية والتكفيرية على الأرض السورية وتحول الفصائل متعددة الجنسيات التي حشدها بندر بن سلطان بمعونة المخابرات التركية إلى مختبر منتج لعصابات الإرهاب والتكفير على غرار ما حصل في أفغانستان في الثمانينات وبالتالي ظهور تقديرات أمنية غربية تدعو إلى تفكيك هذه الحالة وسحب اليد من منظومة دعمها الإقليمية.
خامساً : إن الرهان الأميركي على إمكانية رعاية قوى من المعارضة السورية المسلحة بمستوى التصدي لفصائل الإرهاب التكفيري ، هو رهان عقيم و غبي ، فالجماعات الليبرالية العميلة للغرب لا تمون على شيء أصلا من بنية العصابات وهي كذلك ليست لها أي سلطة على أجسام عسكرية وازنة على الأرض يمكن الرهان عليها في التصدي للعصابات.
الخيار الحصري الذي لا بد منه لمكافحة الإرهاب في سورية ولمنع تحوله إلى بؤرة تصدير باتجاه المحيط الإقليمي ونحو الغرب هو التعاون مع الدولة الوطنية السورية ودعم خططها لاستعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية وهذا المفهوم الذي تتباه روسيا والصين في حواراتها مع الغرب حول سبل الخروج من الورطة هو الذي سيفرض نفسه في النهاية.
21/5/1112/ تح: علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha