كثر الحديث عن ثورات الربيع العربي وأفرطنا في التغني بثورات الربيع الذي لم ينجح بعد، في واقع مثل تونس نستطيع القول أن هناك ربيع حقيقي أفرز إلى تغيير ما في بنية الحكم على الرغم أن هناك الكثير من المشاكل لا تزال تراوح مكانها، مصر العربية هي الأخرى أفرزت ثورتها إلى نهاية العائلة الحاكمة وألغت وجود نفوذ وسلطة الكثير من أرباب الفساد لكن ثمة جزء من حلم المواطن المصري لا يزال مفقودا، والأخوان المسلمين كانوا هم المستفيد الذي نال رحيق تلك الثورة لتبقى مصر غارقة في مشاكلها الاقتصادية والمشاكل الأخرى، ليبيا ربيع دموي أفضى إلى لا دولة مشتتة فقدت أمنها الداخلي وتوازنها، هذا النموذج الليبي أنعكس سلبا على دول المنطقة التي كانت تتهيأ للانتفاضة على حكامها،
وفي اليمن جرى وأد الثورة في المهد حيث ذهب شخص الرئيس صالح من كرسي السلطة واستولت ذات القوى السابقة التي كانت تحكم اليمن بأسلوب الفساد وبطريقة العصابات تركت الرئيس صالح بمفرده يواجه الثوار وغادرت من باب السلطة لتعاود الدخول عليها من نافذة ميادين التغيير، ولا تزال اليمن تعيش مشاكلها المعقدة، كل تلك الثورات وثورة ربيع يشمل المنطقة أصابها الجمود وربما الموت وكل الأسباب تعود إلى التدخلات الخارجية التي غالبا ما تأتي كأنها الداعم الرئيسي للثورات،
وجميعنا نعرف إن المملكة العربية السعودية هي التي أزعجها كثيرا الربيع العربي فاضطرت إلى أن تحدد موقفها بدعم ثورات الربيع وجلبت حلفائها الأجانب إلى التدخل لتستحوذ على الأنظمة البديلة سواء في تونس وفي مصر وفي اليمن من خلال حرف مسار الثورات وتبني قوى أما من بقايا الأنظمة السابقة أو بالزج بقوى جديدة أخرى،
أما الثورة البحرينية فقد وقفت السعودية في طريقها وتدخلت بصورة مباشرة لضرب الاحتجاجات في البحرين لعدم قدرتها على المجيء بقوى أخرى لان الشعب البحريني ذو غالبية شيعية،
أما في سوريا التي لم تكن فيها أي ملامح لثورة أو انتفاضة فان السعودية وقطر حاولتا تصنع ثورة من العدم ومن اللاشيء، لهذا تحولت المسألة هناك إلى مواجهة بين سوريا كطرف والسعودية وقطر وتركيا وأنظمة عربية أخرى وقوى معادية للمقاومة الإسلامية وبدعم أمريكي أوروبي كطرف آخر يحاول بشتى الطرق والوسائل إلى إسقاط النظام السوري وكسر الطوق الداعم للمقاومة في لبنان وفلسطين وللقضاء على ما تبقى من الصوت العربي الممانع،
وكذلك الحال بالنسبة لجنوب اليمن الذي يشهد ثورة سلمية منذ العام 2007م للمطالبة باستقلال الجنوب من خلال الحراك السلمي الجنوبي، لكن السعودية التي ترى من انتصار تلك الثورة التي كان لها سبق تفجير ثورات الربيع العربي تبدي السعودية قلقها من استقلال الجنوب دونما رؤية صحيحة لمخاوفها تلك لكن النظام السعودي يحاول الدفع بكل أوراقه وإمكاناته لضرب الحراك الجنوبي والقضاء على الصوت المنادي بالاستقلال والذي يمثل غالبية شعب الجنوب وبنسبة تجاوز ال90% من إجمالي سكان الجنوب،
فما كان من السعودية إلا استغلال الأزمة في الشمال فدفعت بمبادرة ما يعرف بالمبادرة الخليجية تحاول من خلالها تحقيق أجواء ومناخات مناسبة للقوى الموالية لها في السيطرة على الحكم وعلى أساس أهداف مستقبلية ترمي السعودية تحقيقها في اليمن من أبرزها القضاء على الشيعة هناك والقضاء على أنصار الله هناك خوفا من اتساع رقعة انتشارهم وقوة شوكتهم خصوصا في ظل الشعبية الواسعة التي بات يتمتع بها السيد عبد الملك الحوثي على امتداد البلاد والذي اثبت انه قادرا على إقامة دولة مؤسسات من خلال الأنموذج الذي يقدمه أنصار الله في محافظة صعدة،
وبات النظام السعودي اليوم يعيش واقع مضطرب ومتخبط جراء تزايد الاحتجاجات التي باتت المملكة تشهدها باستمرار في عدد من مناطقها خصوصا ذات التواجد الشيعي، لكن السعودية التي تصر على التعاطي مع مبررات وهمية على إن إيران هي الداعمة لتلك الاحتجاجات في أراضيها وتحاول بناء على مبرراتها تلك قمع الاحتجاجات بشتى الوسائل والطرق تتزايد مخاوفها من اندلاع احتجاجات سنية باتت وشيكة الظهور بسبب السياسة الخاطئة التي ينتهجها النظام السعودي من خلال حشر المملكة في معظم قضايا ومشاكل العالم والأموال الباهظة التي يجري استنزافها وراء تلك القضايا في حين تظل السعودية معتمدة على عائدات النفط ومواسم الحجيج ولم تستطع توفير أي بدائل اقتصادية أخرى تستطيع الاعتماد عليها في حالة وجود أي متغيرات قد تؤثر على مخزونها من النفط، بالإضافة إلى إن السعودية التي تنفق مليارات الدولارات شهريا على قضايا لا تجني من ورائها أي منافع تذكر تجد نفسها في كل موقف غير قادرة على حماية سيادتها من أي عدوان قادم عليها.
14/5/1108/ تح: علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha