الأسلامية / براثا نيوز
احترقت مدرسة البنات في مكة المكرمة والفتيات الصغيرات بها حيث منع رجال الهيئة دخول سيارات الإسعاف بحجة أنهم بدون حجاب ولا يجوز رؤيتهن
تعرف المطاوع من اللحية، والثوب القصير، والدمغة على الجبين. والعصىا الغليظة التي بحوزة كل واحد منهم لضرب النساء خاصة، والمطاوع هو فردٌ من «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، الشرطة الدينية في السعودية، الموكلة بالحفاظ على حسن تطبيق الشريعة الإسلامية في الأماكن العامة وفي الأسواق والمجمعات التجارية يحظر عليها الدخول إلى قصور العائلة الحاكمة حيث يجاوبك المطاوعي بكل قناعة أن في القصور من يقرأ القرآن أو يدرس الشريعة، كما أن دورها هو الحؤول دون وقوع المنكرات، من اختلاط غير شرعي بين الجنسين، إلى الدعوة إلى الصلاة ولو تحت الصياط والضرب، وحثّ النساء على ستر شعورهن والالتزام بتعاليم الحجاب وإلا تعرضن للجلد في ساحة عامة. والمطاوع سلطة قادرة، لا يقف أمامه قانون وضعي ولا ديني أو رجال شرطة وهو يتبع العائلة الحاكمة مباشرة دون العودة لأحد، كما أنه ينتقى انتقاءً دقيقا ً حيث تجتمع بالمطاوع صفات غير منتشرة كثيرا ً في المجتمع وعلى ذلك يعطى هذه المنقبة ( مطاوع) يكفي أن يشك بك فقط ليغير مجرى حياتك حيث تتعرض للملاحقة وتتهم بشتى انواع التهم الملفقة، ويؤتى بزوجتك لتمثل أمامهم وكان آخرها الفضائح التي هزت المجتمع السعودي حيث أدلت بعضهن بأنهن تعرضن للإغتصاب، وفي مقابل كل ذلك المطاوعي يغير المنكر بيده فإن لم يستطع فبلسانه، وهذا ما يراه أضعف الإيمان.
استري شعرك»، «ممنوع»، «يا أخي»، «يا أختي» «صلاة، صلاة»، «حرام»، «اتقوا الله»..إلى آخر القصيدة .
سطوة الهيئة
تتجوّل العيون المراقبة لسدّ أي ثغرة تراها تشقّ طريقها إلى العلن. بيدها تمسك بالحقّ الذي يوجب عليها إجراء التغيير، لا أحد يمنعها، فهي هنا اليد الطولى في البلاد، من واجبها تغيير كلّ ما تراه منكراً، وهو مفهومٌ تتسّع دائرته وفق رؤية ذاتية للمنكر. فالخلوة بين الذكر والأنثى حرام، وإذا ما تمّت رؤيتهما من قبل الشرطة الدينية يسارع المطاوع إلى الاستفسار عن الحالة الاجتماعية التي تربط بين الفردين والتثّبت منها.
الهيئة هي الآمِر والناهي في المملكة. تحدّد الممنوعات والمسموحات، وتقرّر الأمور التّي فيها صلاح المجتمع: تحمي المجتمع السعودي من مدّ الحضارة الغربية المخيف، وهي من يحول دون جلوس النساء خلف مقود السيارة «خوفاً من فقدانهنّ لعذريتهن». تتدخّل الهيئة في أيّ عملية إصلاحية تقرر المملكة إجراءها. فالسماح للنساء بالعمل في محال المستلزمات النسائية أخذ الكثير من الردّ والجدل والنقاش، لم تقتنع الهيئة بهذا القرار، رأت فيه بداية لتغريب المجتمع السعودي، وحثّه على الانفلات وانهيارا لجدار الفصل الذي بنته المملكة عاما بعد عام. حاولت بكل قوّتها الوقوف في وجهه. هددت، خوّفت، لكن إصرار وزير العمل على وضعه موضع التنفيذ ضيّع جهودها سدى.
مارست الهيئة سطوتها على المجتمع، التغيير الذي سمحت به كان قليلاً وتمّ نتيجةً لضغط هائل من مجتمعٍ هو خليط من مواطن أصلي يفهم خبايا الأمور، ومقيم يرغب بنقل معالم مجتمعه لتطعيم المجتمع الذي يعيش فيه. يخاف الكل من الهيئة، يحاولون تفادي رجالها المنتشرين في أماكن التجمعات والأسواق يوّزعون تعاليمهم وتعليماتهم على مختلف الأفراد. يخاف الجميع من قدرتهم العجيبة على رؤية التّهم والتدّخل في تفاصيل الأمور، يحاولون التأقلم مع هذه القوّة التّي تجعل من أبسط الأشياء خطيئةً لا تُغتفر.
من هي الهيئة
تأسست الشرطة الدينية في المملكة العربية السعودية عام 1940، مركزها العاصمة الرياض، تجمع تحت لوائها 4000 عنصر يعرفون بـ«المطاوعة» حتى أنهم في مذكرات عالمية عديدة وردت أنهم تلقوا تدريبات خاصة مع الحرس الوطني من قبل ضباط المخابرات الأميركية، ويرأسها مدير تنفيذي يعينه الملك ويتبع له مباشرة دون العودة لأي أحد في الأسرة الحاكم او الدولة. .
مهمة هذا الجهاز الرسمي «تطبيق الأحكام الشرعية الإسلامية في الأسواق العامة وغير ذلك من الأماكن» والحيلولة دون وقوع المنكرات الشرعية التّي تُظهر عدم الاحترام للدين الإسلامي» من وجهة نظر وهابية.
كما يقوم عناصرها بالانتشار في أماكن التجمعات ومدارس الأطفال ودفع الناس لتلبية نداء الصلاة، وتأدية هذا الفرض الواجب جماعة، والعمل على إيقاف حركة البيع والشراء. تمنع الهيئة الحفلات الموسيقية العامة دون التي تجري في الأماكن السكنية المغلقة للأجانب أو قصور العائلة الحاكمة كما تمنع التواجد في أماكن عامة، وتملك الحق في التفتيش داخل هواتف الشباب والشابات الجوالة بحثا عن رسائل أو مقاطع فيديوا أو أغان ٍ يرونها تتعارض مع أحكام الشريعة رغم أن أهم قنوات الغناء والأفلام العربية والأجنبية والتي تعرض مجانا ليل نهار هي لأفراد في العائلة الحاكمة..
وقد أنشأت المملكة معهدا عاليا مختصا بشؤون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تابعا لجامعة أم القرى، ويعمل على إجراء الدراسات التي تبحث في دور الهيئة ونظامها كمؤسسة في المجتمع.
تصدر الهيئة لائحةً طويلة بالممنوعات والمسموحات التي تعمل على تطبيقها على المجتمع السعودي، ترافق وتيرتها المتصاعدة التأثيرات المتزايدة للمبتعثين العائدين من الخارج، والحراك الاجتماعي والسياسي المطالب بالحرية والذي شهدته الدول المجاورة، كاليمن والبحرين.
رهاب ومطاردات وموت
تسكن في أذهان الناس صور سلبية عن الشرطة الدينية في السعودية. صور وليدة حوادث مفجعة أدّت إلى فقدان أرواحٍ كان يمكن تفادي موتها لو كان هناك رحمة لدى المطاوعة. هذه الحوادث شكّلت بصمة سيئةً في سجل الهيئة وجعلتها عرضةً لاتهاماتٍ بانتهاك حقوق الإنسان عالميا ً إلا أنها سرعان ما سحبت من التداول والله أعلم خلفية ذلك. فالهيئة اتّهمت بأنّها تقف خلف زيادة أعداد الضحايا من الفتيات في حريقٍ وقع في مدرسة البنات الصغار في مكّة عام 2002، عندما رفض عناصرها دخول فرق الإنقاذ من رجال إطفاء وإسعاف إلى حرم المدرسة، وأغلقوا الأبواب على البنات والحريق مشتعلٌ فيها بحجّة أنّ الفتيات «لا يرتدين الحجاب» «وبأنّه لا يجوز للفتيات أن ينكشفن أمام الغرباء».
وآخر الحوادث التي زادت من حدّة الانتقاد كانت عملية مطاردةٍ لمشتبه به من قبل رجال الهيئة، أدّت الملاحقة إلى مقتل الرجل وإصابة زوجته وأحد أطفاله بجروحٍ خطيرة في حادثة صارت تعرف باسم «حادثة بلجرشي» حيث منعت الهيئة سيارات الإسعاف والناس المتجمهرين حول سيارة العائلة بحجة أنهم كفار وخرجوا عن طاعة المملكة، أصدر على إثرها الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ قرارا بقتل كل من تسول له نفسه بالخروج عن ولي الأمر كما وجه ظاهريا بمنع رجاله من القيام بعمليات خارج أوقات
محددة، وإيكال هذا الأمر إلى القوى الأمنية المختصة.
لا تريد العائلة الحاكمة للهيئة أن تتحوّل إلى عدوّ بسمعتها يزرع الرعب في قلوب الناس هذا ما قاله بعض المحللين، لكن السعوديين يرون في تصرفات بعض أعضائها قسوة لا تولّد غير النفور. والفجوة إلى اتساع. فما يعتبره رجال الهيئة إرشادا يرى فيه المواطن تدخلا سافرا بأموره الشخصية، والهداية التي يسعى المطاوعون إلى تحقيقها تختلف مقاييسها من فرد لآخر. وبالرغم من أنّ السعوديين تعوّدوا الهيئة، وأصبح مقياسها للأمور هو دليل الصواب والخطأ، إلا أنه يشوب التعامل معها نوع من التردد. فالمجتمع يرى فيها جهازا يحفظ الصورة العامة كما يريدونها، قائمة على تعاليم إسلامية، لكن بعض تصرفات عناصرها تزعج السعودي، ما جعل من رجالها عقدةً يحاول الجميع تفاديها، أو تجاوزها، لا فرق.
هناك شيء غريب يحدث في السعودية. فالمجتمع الذي ظلّ لفترة طويلة يحاول اتّقاء سطوة الهيئة تظهر عليه علامات التململ. حوادث غريبة ساعدت في انتشارها شبكة تواصل اجتماعية قائمة على عالم افتراضي بدأ يشكّل جماعات الضغط في البلاد ويخلق مجتمعا مدنيا يحاول المطالبة بالحقوق كما تطالبه الدولة بأداء الواجبات. من التويتر إلى الفايسبوك واليوتيوب، تنتشر بسرعة النار الأخبار عن حوادث تتعلق برجال الهيئة، وتشكّل «هاشتاغ» لإعطاء الرأي والمطالبة بتغيير مسار الأمور. بل تعرضت الهيئة، كجهاز، لحملة على التويتر تطالب بإلغائها.
الهيئة والشباب السعودي
الشباب الذي كان يتعاطى بحذر مع رجال الهيئة بوصفه المتّهم والمستهدف الأول لرجالها، لم يعد يمانع ردّة الفعل الدفاعية. فالآونة الأخيرة شهدت تحركات من قبل الشباب السعودي تجاه أفراد الهيئة. فمن كان يعمل على الانصياع لأوامرهم من دون أن ينبس ببنت شفة بدأ بمواجهتهم بأساليب قد تصل لحدّ التعرّض بالضرب والإشتباك بالأيدي. وانتشرت الأخبار عن حوادث تجمع الشباب إلى عناصر الهيئة: فتاة سعودية تعتدي بالضرب على عضو الهيئة بقذفه بحجر على رأسه بعد اكتشافها في خلوة غير شرعية مع شاب أجنبي بتهمة مدبرة وإذ به أخوها. فتيات يضربن رجال الهيئة بعد قيامهم بتوجيه انتقادات لهن من خلال مداهمة جلسة نسائية ، انتهاء بحادثة فتاة «المول».
فقد نشرت الفتاة فيديو على موقع اليوتيوب، أحدث هزّة في المجتمع السعودي، وفيه تظهر بينما هي تستدعي الشرطة لرجال الهيئة، بعد مطالبتهم لها بمغادرة المجمع التجاري بسبب وضعها لطلاء الأظافر، وتعنفهم وتعاندهم. انتشر الفيديو كالنار في الهشيم، وشكّل صدمة في المجتمع الذي يتعامل بحذر مع الأنثى ومع المطاوع على حدّ سواء. ولكنه أثار النقاش حول ردّة فعل الفتاة العنيفة وطريقة تعاملها مع ذراع الردع في المملكة، وحول تجاوز المطاوعة لدورهم في ملاحظاتهم والتدابير التي حاولوا تطبيقها.
فهل تخلع السعودية ثوب الهيئة، وتعيد النظر في أجهزتها الموكلة الحفاظ على صورة نقية للمجتمع؟
30/5/1009
https://telegram.me/buratha