التقارير / براثا نيوز
بعد وعود خلّبية وأماني كاذبة، ها هو المغرب يعود إلى أرض الواقع، بعد أن أدرك أنّ تصريحات دول مجلس التعاون الخليجي لم تكن إلا للاستهلاك، وأنها فقط لفحات وسراب هبّت مع رياح الربيع العربي، فقد وعدت المملكة العربية السعودية بإقامة علاقات استراتيجية مع المغرب، وضمّه إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وكذا وعده باستثمار 3 مليار دولار، وبمرور الوقت تبيّن أن كلّ ذلك ما هو إلا وعود زائفة.
وإنّ الحقيقة المرّة التي على المغرب أن يعيها هو أن أمراء الخليج لا ينظرون إلى المملكة المغربية إلاّ كوجهة للراحة والاستجمام، والنقاهة من الأمراض، والتعافي من العمليات الجراحية.
فقد سبق للملك محمد السادس، في خطاب رسمي ألقاه نهاية شهر جويلية الماضي، أن أعلن التزام المغرب بتعميق علاقاته مع دول مجلس التعاون الخليجي لتجسيد "الشراكة الاستراتيجية"، التي باتت تجمع بين المغرب ودول هذا المجلس، وأوضح أن الغاية من هذه الشراكة هي "تمكين بلادنا من فرص التمويل التي تتيحها الصناديق السيادية الخارجية، وبصفة خاصة صناديق دول الخليج الشقيقة، التي نُشيد بإسهامها الفعّال في دعم المشاريع التنموية في بلادنا".
نـادي الـمـلـكـيـات
عند اندلاع الحراك الشعبي في الكثير من الدول العربية، بما فيها تلك الدول ذات الأنظمة الملكية، استشعرت الأنظمة الملكية خطر هذا الحِراك، وبادرت إلى التضامن فيما بينها لتحصين نفسها من رياح التغيير، وأعلنت دول مجلس التعاون الخليجي، العام الماضي، قرارها بضمّ كل من الأردن والمغرب إلى مجلسها، رغم البعد الجغرافي والمادي والاجتماعي بين هاتين المملكتين وبقية دول المجلس، لاحقاً تراجعت دول الخليج عن قرارها، وبدأ الحديث عن "شراكة استراتيجية" بدلاً من الضم الكامل.
ومنذ ذلك التاريخ، وفي خضمّ حراك الشارع العربي، بدأ الحديث عن توجّه بعض الصناديق السيادية الخليجية للاستثمار في المغرب لتعزيز علاقة "الشراكة الاستراتيجية" بين المغرب والمنظومة الخليجية من جهة، ولإيجاد حلّ للضائقة المالية المحلية في المغرب، من جهةٍ ثانية.
وهكذا تمّ التوقيع في المغرب في خريف عام 2011 على تأسيس الهيئة المغربية للاستثمار السياحي، تحت اسم "وصال كابيتال"، عبر شراكة بين مؤسّسات تتبع الصناديق السيادية في قطر والإمارات والكويت، فضلاً عن المغرب، أما الهدف فهو استثمار ما بين 2.5 و4 مليارات دولار في مشاريع سياحية.
وبموجب هذه الشراكة، تعهّدت صناديق الثروة السيادية في قطر والكويت باستثمار حوالى 3 مليارات دولار في المغرب، الذي يعاني من نقص السيولة النقدية، في خطوة كان تسعى إلى تعزيز علاقات التضامن بين الملكيات العربية، ولإعطاء هذا الدعم و"التضامن" بين الملكيات والإمارات العربية بعده الرمزي، حضر أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى المغرب، ليشرف هو والملك محمد السادس على حفل توقيع على هذا الاتفاق، لكن بعد مرور حوالى سنة على إبرام الاتفاق، لم يتجسّد حتى اليوم أي شيء منه على أرض الواقع، وما حصل هو العكس تماماً، فخلال السنوات الماضية، وتحديداً منذ الأزمة المالية التي ضربت الأسواق المالية العالمية عام 2009، بدأت الاستثمارات الخليجية تتعثّر في المغرب.
ويسعى المغرب اليوم للتوجه شرقاً، وتحديداً عند بعض الدول الخليجية مثل السعودية، لطلب المساعدة من أجل فكّ خناق الأزمة الاقتصادية التي تعصف به، وذلك بعد أن تبخّرت كل وعود الاستثمارات الضخمة التي وعدته بها دول وصناديق سيادية خليجية.
فبدلاً من ثقافة "الشراكة الاستراتيجية"، عاد الوضع إلى ما كان عليه، وتحديداً تقاليد "الاستجداء العربي" الذي تحوّل إلى مادة للسخرية بين متصفحي المواقع الاجتماعية من المغاربة.
وأمام هذه الوضعية الاقتصادية، جاء الإخلال بالوعود الخليجية للمغرب، ليزيد من حِدّة الأزمة التي يخشى المسؤولون في المغرب أن تتحول إلى احتجاجات يصعب لجمها، مثلما يحصل اليوم في الأردن، الذي لُدِغ من نفس جحر الوعود الخليجية المعسولة، قبل أن يستيقظ على التظاهرات التي تعمّ اليوم شوارع المدن الأردنية.
13/5/1002
https://telegram.me/buratha