صحيفة العالم -البصرة – حيدر الجزائري:
يجلس اليتيم هادي على قارعة الطريق، في منطقة حي السلام، وسط مركز المدينة، وقد غيرت حرارة الشمس لون وجهه، ليمارس لعبة ابتكرها بنفسه، للهرب من ذكرى والده الذي راح ضحية حادث ارهابي عام 2006، ولإنهاء الوقت، الذي يجده طويلا في وحدته.
لعبة هادي لها غرابتها المتفردة، فهو يقوم يوميا بحساب المارة، راصدا العلامات الفارقة التي يتميز بها كل واحد منهم..وفي يوم رمقت عيناه صديقه حسنين عائدا من العشار برفقة عائلته، وقد بدت على صديقه ملامح الفرح، وهو يحمل بيده ملابس جديدة، وبعض القرطاسية استعدادا للعام الدراسي الجديد..وضع هادي يده على وجه، ليغطي دموعه التي انهارت، وهو يستذكر والده عندما كان يصطحبه في بداية كل عام الى العشار، لشراء ما يتطلبه العام الدراسي الجديد، بكى بحرقة وهو يردد مع نفسه "وينك بابا اريدك ترجع، ليش ما تسمعني"..حكاية هادي، هي حكاية آلاف غيره يعيشون على ارض تمتلئ بالنفط، لكنهم لم يروا منه سوى الحرائق والدخان الاسود، حكايتهم حكاية جيل ضاع بين صفحات الحروب، والنزاعات السياسية، والطائفية التي تأبى ان تهدأ..
وقالت ناطقة العطوان، رئيس لجنة المرأة والاسرة والطفل في مجلس المحافظة البصرة، ان "تخصيصات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية للايتام ودارهم الوحيدة قليلة جدا، حيث يتقاضون 60 الف دينار شهريا بالرغم من ان عدد الذين تأويهم الدار الوحيدة لا يتجاوزون 17 يتيما ذكرا فقط" مؤكدة "افتقار المحافظة لقاعدة بيانات دقيقة عن الايتام فيها، عدا 17 يتيما المدونة اسماؤهم في الدار التابعة لدائرة الرعاية الاجتماعية"..
ومضت العطوان بالقول "هناك اعداد كبيرة جدا، فلو جمعنا نحو 400 ارملة شملت بالرعاية الاجتماعية من جهة الأم، واعداد مقاربة اخرى شملت من جهة الاب، فان المحصلة ستكون اعدادا كبيرة من الايتام"..وفي معرض اجابتها عن الدعم الذي قدمته الحكومة المحلية لشريحة الايتام في البصرة، ذكرت رئيس لجنة المرأة والاسرة والطفل في مجلس المحافظة البصرة، ان "هناك مشروعين لتجهيز وتأثيث قدمهما مجلس محافظة البصرة ضمن خطة عام 2012 لذوي الاحتياجات الخاصة، من ضمنهم الايتام بكلفة 500 مليون دينار، والاخر 350 مليون دينار"..
وبشأن ما اذا كانت في البصرة دار حكومية خاصة بالايتام، قال سمير طالب فرهود مدير دائرة الرعاية الاجتماعية في البصرة، ان" لدينا بناية دار لرعاية الايتام، لكنها مختصة فقط بذوي الاحتياجات الخاصة منهم، وهي عائدة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية"..وبخصوص عدد الايتام المشمولين بالاعانات المالية التي تقدمها دائر الرعاية في البصرة، بين فرهود ان "عدد المشمولين لدينا بالنسبة لليتيم القاصر 262 شخصا، تم شمولهم من عام 2008 فما فوق"..وتابع "الدفعة المالية تكون بحسب افراد الاسرة من 50 الى 120 الف دينار للشهر الواحد، ويتم الدفع بطريقة النظام الفصلي اي كل ثلاثة اشهر"..
وفيما اذا كانت الدائرة مستمرة في شمول اعداد جديدة، ذكر فرهود انه "تم ايقاف الشمول الجديد بناء على اوامر الوزارة لقلة التخصيصات من وزارة المالية ولأكثر من سنتين"..وعن عدد الايتام في البصرة، اكد احمد عبد الحافظ، مدير دائرة احصاء البصرة، انه "لا تتوفر لدينا ارقام دقيقة حول واقع الايتام في البصرة"، مبينا ان"الامر من الصعوبة الحصول عليه، بالرغم من اننا اجرينا عمليه حصر وترقيم"..واستدرك عبد الحافظ في لقاء مع "العالم" امس، بالقول "ستظهر لدينا في غضون الشهر نسبة متوقعة عنهم، وليس باعدادهم، بناء على مسح متعدد المؤشرات قمنا به سابقا"..
من جهتها، ذكرت سعاد الموسوي، مدير فرع مؤسسة النور الخيرية لرعاية وكفالة الايتام في البصرة، ان "مؤسستنا تعاني من ضعف التمويل، وعدم وجود ممول ثابت يمكن الاعتماد عليه في العمل على توفير احتياجات الايتام الذين تؤويهم مؤسستنا"، متمنية "الحصول على الدعم الحكومي وتخصيص ما يمكن تخصيصه لهذه الشريحة المهمة، حيث ان لدينا حالات مأساوية في البصرة تشمل عوائل لديها اكثر من 5 اطفال قصر، فقدوا آباءهم لاسباب مختلفة"..
وتابعت الموسوي ، "لا يمكننا تقديم خدمات الايواء او الحضانة وتدريسهم في مبنى مستقل بسبب غياب التمويل، لذلك فان مهمتنا تقتصر على توزيع المساعدات المالية والعينية التي يحصل عليها الايتام المسجلون"، مبينة ان "عدد الايتام الذين ترعاهم اكثر من 400 يتيم من مختلف مناطق البصرة". ولفتت الى انه "لا يمكننا شمول اخرين بسبب محدودية التمويل"..
واشارت مدير مؤسسة النور الخيرية في البصرة بالقول "نتعامل مع الايتام ضمن السن الشرعي، فحين وصول احدهم سن البلوغ الشرعي نرفع المعونة عنه سواء كان بنتا او ولدا"..بدوره، قال الدكتور واثب العامود، مدير المؤسسة الوطنية لرعاية الايتام في البصرة، ان "عدد الايتام الذين تؤويهم مؤسستنا نحو 80 يتيما من الاولاد والبنات، ومازالت مؤسستنا مفتوحة لاستقبال اي يتيم من اي شريحة من شرائح المجتمع سواء كان مسلما او غير مسلم"..
واضاف في مقابلة مع "العالم" امس، "نقدم من خلال المؤسسة افضل الخدمات والرعاية التربوية، وتلبية حاجاتهم من المأكل والملبس، بالاضافة الى المسكن وتوفير الطاقة الكهربائية المستمرة خلال 24 ساعة"، وتابع " تمكنا من تزويح 11 بنتا"..واشار العامود "لدينا مشروع كفالة الايتام، ونجحنا بتسجيل 800 عائلة أبدت استعدادها في تبني الايتام ورعايتهم"..وعن دور منظمته في تشغيل الايتام بعد بلوغهم السن القانوني او اكمالهم الدراسة، ذكر العامود ان "الدوائر الحكومية تخضع تشغيل اليتيم لذات الاجراءات التي تعتمدها مع غيره، بخلاف الشركات الاهلية التي كانت استجابتها طيبة"..وشكا العامود من معاملة المجتمع لهذه الشريحة، وخصوصا الاناث منها، قائلا "لاحظنا معاملة الايتام معاملة غريبة كانهم من كوكب اخر، فضلا عن تعرضهم للاساءة والاهانة".
34/5/926
https://telegram.me/buratha