تساءل الصحافي الأميركي "مارك لينش" في مقاله المنشور في مجلة "فورين بوليسي" عن ظاهرة "استثناء" الملكيات العربية من موجات الثورات التي اجتاحة المنطقة: ماذا يعني أنه لا يوجد حتى الآن من بين الملوك من سقط في الانتفاضات العربية، في حين أنه أُطيع بعروش أربعة حكام غير ملكيين (زين العابدين بن علي، مبارك، القذافي وصالح) .. هل هناك استثناء للملكية في العالم العربي؟
كانت أهمية الملكية واحدة من المناقشات الأكثر إثارة للجدل بين المحللين السياسيين (الغربيين) خلال العامين الأخيرين. ولكن الكاتب لا يزال يشكك في صوابية الأفكار والتحليلات التي تسوق لـ"الاستثناء الملكي"، ويرى أن الحصول على ثروة هائلة والارتباط الوثيق والمفيد بالأجنبي يبدو تفسيرا معقولا لـ"صمود" معظم الأنظمة الملكية العربية.
وفي نظر الكاتب، فإن "صمود" الملوك والأمراء في الحكم اعتمادا على الموارد المالية والإسناد الدولي المتاح لهم ليس إلا خدعة كبيرة. ويبدو أن الدعم الاقتصادي والسياسي (وأحيانا العسكري) السعودي والقطري للملكيات الأقل ثراء منهم كان أكثر ضمانا لبقاء الملكيات الحالية من الخصائص المؤسسة للعرش.
ويرى الكاتب أنه كانت هناك حجة قوية "أكاديمية" بخصوص المكاسب السياسية الممكنة للحكم الملكي على الأقل منذ صدور المقال القوي والمؤثر للباحثة السياسية "ليزا أندرسون" ونشر في العام 1991 تحت عنوان: "الاستبداد والقدرة الملكية على الصمود". لكن استماتة الملكيات خلال الانتفاضات العربية في السنوات الأخيرة وإن كان يوحي بشيء ما، حسب الكاتب، إلا أنه لا يزال متشككا جدا في صحة النظريات والحجج التي ترى بالأهمية السياسية للملكية العربية.
وكتب في هذا يقول: (أنا غير مقتنع بالحجج التي ترى بأن الأنظمة الملكية العربية تتمتع بشرعية مميزة. ولا شك في أن بعض الملوك يحظون بشعبية بسبب شخصيتهم، سياساتهم أو قدرتهم على أداء المهمة المسندة إليهم بشكل فعال. ولكن من الصعب التوفيق بين فكرة الشرعية الملكية والرقابة الصارمة على وسائل الإعلام.. وفرض "الخطوط الحمراء" التي تميز هذه الأنظمة بشكل عام. ويبدو لي أن الشرعية "الفريدة" المزعومة للملوك العرب ليست أكثر من أسطورة سياسية مزروعة بعناية وتراقب بلا رحمة..".
ويتساءل الكاتب في هذا السياق: "إذا كانت الملكة تضفي شرعية فريدة من نوعها، كما ادعى عبد الله ملك الأردن، فلماذا الحاجة إلى إصدار قانون صارم لتجريم إهانة الملك، أو فرض ضوابط على وسائل الإعلام الاجتماعية الالكترونية؟ لماذا الحاجة في الكويت إلى سجن شخص لنشره شريط فيديو يوتيوب بسبب قصيدة ينتقد فيها الأمير؟ لماذا هذا القلق بين القيادة السعودية من تذمر المؤسسة الدينية؟".
ويستطرد الكاتب: "بالنسبة لي، تبدو الممالك مثل الأنظمة الاستبدادية العربية المعتادة، وأما بقاؤها على قيد الحياة فلأن مواردها المالية أكبر، ومطالب الحلفاء الدوليين الضاغطة على عروشهم أقل، ويملكون وسائل إعلام قوية لتكريس الأساطير المؤسسة للشرعية الخاصة بهم". ولكن هذا يعني، حسب رأي الكاتب، أن مرتكزات هذه الشرعية قد تفقد قيمتها لاعتبارات داخلية وخارجية: من بروز جيل ناقد وواع من الشباب إلى تزايد معدلات البطالة إلى انتشار استعمال وسائل الإعلام الذكية إلى اضطراب المؤسسات الحكومية إلى الوعود الباهظة من الإنفاق العام الذي قد يشكل ضغطا كبيرا على ميزانيات دول الخليج ، إلى تبدل السياسية الإقليمية وانخفاض التزامات الولايات المتحدة والخلاف على ولاية العهد.
ويختم الكاتب بالقول: ربما يكون الملوك في وضع هجومي في الوقت الحالي، ولكن دفاعهم قد لا يكون قويا كما يبدو.
24/5/904
https://telegram.me/buratha