التقارير: براثا نيوز
يسود جوّ من التشاؤم بشأن مهمة مستحيلة للمبعوث الأممي العربي الجديد الأخضر الإبراهيمي في ظلّ انقسام حادّ في مجلس الأمن الدولي و تشکيك سوري في حيادية الدبلوماسي الجزائري المخضرم الذي يواجه صعوبات کبيرة في أداء دور بارز في حلّ الأزمة السورية .
و تعود الأسباب إلى غياب الإجماع الدولي و العربي بشأن مهمات الأخضر الإبراهيمي ، التي بقيت حتى الآن ، قيد الرسم و التفصيل .فمهمة الإبراهيمي ليست کما تفهمها دمشق وموسکو وبکين، استمراراً لمهمة کوفي عنان .فهو لا يستمدّ ولايته من مجلس الأمن الدولي ، حيث تتمتع روسيا والصين بـ "الفيتو" ، بل من الأمانة العامة للأمم المتحدة و من جامعة الدول العربية. وإذا نظرت إليه دمشق على أنه متحيّز ، فإنه سيفقد القدرة على التحاور معها .
و في رسالة الامين العام للأمم المتحدة الموجّهة الى رئيس مجلس الأمن منتصف الشهر الحالي، والمتضمنة تقريره عن تنفيذ القرار 2059 الخاص بالأوضاع في سوريا ، أعلن بان کي مون أن الصيغة التي قامت عليها مهمة کوفي عنان لم تعد قادرة على البقاء
و وضع اللوم في ذلك على الطرفين ، الحکومة التي لم تحترم النقاط الست باستخدام الأسلحة الثقيلة غير المتکافئة مع أسلحة المعارضة، والمعارضة التي لم تعد سلمية ، و باتت مصممة على الحسم عسکرياً، فشنّت هجمات على المدن الکبرى بقصد السيطرة وتملك السلطة .
و مما خلص إليه أنه بعد التشاور مع الأطراف وکبار المستشارين ومندوبي الدول الکبرى في مجلس الأمن، أن «غياب وجود مناسب للأمم المتحدة، سيحدّ على نحو کبير جداً من قدرة الامم المتحدة ومن دورها على التأثير في التطورات في سوريا».
وبذلك تقتصر مهمة الأخضر الإبراهيمي بمواصلة رفع شعلة الأمم المتحدة خلال هذه المرحلة الدموية، ريثما تتبدّل الأوضاع على الأرض من الناحيتين السياسية والعسکرية والإنسانية، بما يدفع هذا الطرف أو ذاك إلى طلب محاور محايد يستطيع التحدث إلى الجانبين.
وفي الوقت نفسه، تواصل بعثة متواضعة من الأمم المتحدة يقودها الإبراهيمي العمل الموضعي، حيث يسمح لها بأداء دور، کإجلاء المدنيين من أماکن النزاع، وتسهيل عمل الهلال والصليب الأحمر، وإيصال المساعدات، فضلاً عن إبقاء الخطوط مفتوحة حيث أمکن.والأهم من هذا کله أن وجود الأمم المتحدة على الأرض سيتيح جمع المعلومات عن کثب، بما يمکّن الأمم المتحدة من تقويم الوضع بصورة أفضل.
إلى ذلك ، تختلف بعثة الإبراهيمي من حيث الشکل والمضمون عن بعثة عنان وفريق «أونسميس»، التي أنهى مجلس الأمن الدولي عملها في 16 آب الماضي . فهي تعمل تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة والدوائر السياسية والعسکرية للأمانة العامة، وبالتالي فإن بان کي مون هو المرجع الأساس لها، ويساعده في ذلك کلّ من جفري فلتمان، الوکيل السياسي، وهيرفي لادسو وکيل عمليات حفظ السلام.وتخضع، أيضاً، للأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي .
فيما رفضت سوريا وترفض أي دور لجامعة الدول العربية، ورفضت خلال الفترة الماضية استقبال نائب المبعوث ناصر القدوة. وعلى الأرجح أن يستمر هذا الرفض في المرحلة المقبلة .
من ناحية أخرى ، وافق الجانب السوري ومعه الروس والصينيون على تسمية الإبراهيمي ، على أساس أنّه سيواصل العمل بموجب ولاية کوفي أنان ووثيقة جنيف، التي أصدرتها مجموعة العمل الدولية في 30 حزيران الماضي. تلك المجموعة، التي ضمّت أعضاء مجلس الأمن الدائمي العضوية، فضلاً عن ترکيا والکويت وقطر والعراق، و«الورقة السداسية» النابعة من خطة کوفي عنان .
غير أن مارتن نيزرکي ، الناطق الرسمي بإسم بان کي مون ، رفض غير مرة أن يؤکد أن الإبراهيمي سيتولى المهمة بناءً على الولاية السابقة ، أو حسب روحية وثيقة جنيف . و قال إن الإبراهيمي سيناقش هذا الأمر مع الأمين العام ومع أعضاء مجلس الأمن الدولي خلال وجوده في نيويورك في الأيام المقبلة. بعدها لا بدّ من أن يتفق أعضاء مجلس الأمن على الصيغة الجديدة التي قد تواجه تعقيدات عدة تعترض سبيلها.من ضمنها أن الدول الغربية تعلن صراحة، وعلى أعلى مستويات، أن مهمة الإبراهيمي تهيّئ الظروف للحکم السوري لکي يطلب المساعدة السياسية من أجل «انتقال سلمي للسلطة يلبّي تطلعات الشعب السوري المشروعة»، عبارة تعني دون موارية تغيير النظام .
غير أن للإبراهيمي خصوصيته . فهو جزائري مستقل في تفکيره إلى حدّ بعيد .کان وزيراً للخارجية في الجزائر عندما أوقفت الانتخابات التي کانت ستأتي بالإسلاميين إلى السلطة في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.أدى دوراً مع الأطراف اللبنانية کمبعوث عربي إبّان الحرب الأهلية في السبعينيات. وهو ملمّ کمبعوث أممي تولى أکثر من منصب وحقيبة بدهاليز الأمم المتحدة وتناقضات رجالها، ويرفض في هذه السن المتقدمة أن يقال عنه إنه کان مطية لمشاريع استعمارية دولية .
وکان في السابق قد أعرب عن مواقف انتقادية شديدة بحقّ الأمم المتحدة على فشلها في کلّ من لبنان والعراق وأفغانستان .و سيعمل الإبراهيمي على نحو أساسي من نيويورك، وسيکون على تواصل مع کافة الأطراف الدولية خلال هذه الفترة.وسيعقد اجتماعات منتظمة مع مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري.
وفي الشهر المقبل، سيأتي إلى نيويورك عدد کبير من الزعماء والقادة والوزراء، ومن المنتظر ألا يغيب الإبراهيمي عن الصورة معهم.إنه يدرك حجم النزاع والمخاطر التي تحيط جراءه بالمنطقة والعالم .
والأمين العام للأمم المتحدة الذي يزور طهران لحضور قمة عدم الانحياز يفعل ذلك، رغم المواقف الغربية التهجمية الشديدة على طهران، انطلاقاً من اعتقاده بأن لإيران دوراً في حلّ الأزمة السورية، وإن کان هو من أوائل المؤمنين بأن الحلّ يجب أن يأتي بتنحي الرئيس السوري عن السلطة، وتأمين انتقال سلمي للسلطة.ربما يراهن على إقناع إيران بموقف کهذا . و في البيان المشترك عن الأمينين العامين للأمم المتحدة والجامعة العربية ، الذي صدر عند إعلان تعيين الإبراهيمي، على أمل أن يحمل الإبراهيمي معه قدراته الدبلوماسية لحلّ النزاع. تلك «الدبلوماسية الرامية إلى تشجيع الحلّ السلمي للصراع في سوريا تبقى الأولوية العليا للأمم المتحدة».
وأضاف إنّ المزيد من القتال وعسکرة النزاع لن يؤدي سوى إلى مفاقمة المعاناة «وتصعيب سبيل الحلّ السلمي للأزمة، بما يوصل إلى انتقال سياسي يلبّي التطلعات المشروعة للشعب السوري».
..............................................
9/5/825
https://telegram.me/buratha