نشر بتاريخ الجمعة, 08 حزيران/يونيو 2012
يقلل صانعو السياسة الأمريكيون من شأن الحديث عن «نشر قوات» في اليمن لكن مع نشر مستشارين عسكريين بالفعل فإن واشنطن وحلفاءها يستدرجون بشكل متزايد الى هذا البلد.
وينظر مسؤولون أمنيون ومسؤولو مخابرات غربيون إلى اليمن منذ فترة طويلة باعتباره محور حربهم ضد «التطرف الإسلامي» كما ينظرون إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الفرع المحلي لتنظيم القاعدة باعتباره أخطر جماعة أجنبية تتآمر لشن هجمات ضد الغرب.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن الجماعة تقف وراء محاولة اسقاط طائرة ركاب الشهر الماضي في أحدث خطة ضمن سلسلة من الخطط المشابهة.
غير أن هناك مؤشرات متزايدة على استراتيجية أوسع مع تولي حكومة يمنية جديدة ينظر إليها على أنها تتيح أفضل فرصة لتحقيق الاستقرار في اليمن. ويتزايد التدخل الأمريكي والأجنبي في اليمن بحدة ويتجاوز حملة هجمات بطائرات بدون طيار تزداد الآن.
وتتولى الآن أعداد متزايدة من مستشاري القوات الخاصة تدريب الجيش اليمني بينما تزايدت بقوة المساعدات المالية والإنسانية من الدول الغربية ودول الخليج العربية. وتعهدت قوى أجنبية في اجتماع «أصدقاء اليمن» في الرياض الأسبوع الماضي بدفع نحو أربعة مليارات دولار لصنعاء. وقالت بريطانيا إن البلد يمر «بلحظة حرجة».
وترفض وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) التحدث عن أعداد محددة لكنها تقول إن عدد افراد القوات المسلحة في البلاد لايزال صغيرا جدا وإنها تزيد الأعداد الى المستويات التي كانت عليها قبل الانتفاضة التي اندلعت العام الماضي. لكن كثيرين آخرين يعتقدون أن المشاركة ستستمر في التزايد.
وعند ضم ضباط اجهزة المخابرات الامريكية وغيرها او المتعاقدين - الذين يجري تمويلهم في الاغلب عن طريق مساعدات خارجية او امريكية- يقدر بعض الخبراء أن عدد العسكريين الأجانب في اليمن يمكن أن يصل إلى بضع مئات.
وفي الشهر الماضي قالت الولايات المتحدة إن ثلاثة متعاقدين مدنيين يساعدون في تدريب قوات حرس السواحل اليمنية حوصروا في هجوم شنه تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وإنهم أصيبوا بجروح بسيطة.
وقال خوان زارات وهو نائب سابق لمستشار الأمن القومي لمكافحة الإرهاب في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وهو الآن مستشار كبير في في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن «ستواصل الولايات المتحدة تكثيف اهتمامها بالتهديدات القادمة من اليمن في حين تسعى لتمكين حلفائها في المنطقة من محاربة القاعدة على الأرض.»
ومضى يقول «اليمن يمثل نقطة الضعف لدول الخليج العربية حيث القاعدة تضرب بجذورها في بلد يعاني من أزمة اقتصادية عميقة وندرة في الموارد ويشهد اضطرابات سياسية وسكانية واجتماعية مستمرة.»
ولا يعني ذلك فقط طرد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من الأراضي التي سيطر عليها العام الماضي في جنوب اليمن وإنما يعني أيضا التعامل مع تمرد قبلي شيعي منفصل في الشمال. وهناك أيضا حاجة ملحة لمعالجة مشكلات أخرى طويلة الأجل من بينها الفساد المستشري والنقص المتزايد للغذاء والمياه.
وفي الشهر الماضي قال ليون بانيتا وزير الدفاع الأمريكي للصحفيين إنه «لا يوجد احتمال لنشر قوات على الأرض» في اليمن. ومن المؤكد أنه لا يوجد كثير من الحماس للقيام بحملة عسكرية تقليدية كبيرة بينما لم يتبق سوى أقل من خمسة شهور على انتخابات الرئاسة إضافة الى الانهاك العام من حروب دائرة منذ فترة طويلة في أفغانستان والعراق.
ولكن اليمن مهيأ فيما يبدو ليكون مسرحا لنوع من التدخل الأمريكي السري إلى حد كبير الذي قلما يكون موضوعا لنقاش علني والذي يعتقد كثيرون أنه سيكون نموذجا للتدخل في الصراعات في السنوات القادمة.
يقول كريستوفر شتاينيتس وهو محلل متخصص في شؤون اليمن في مركز تحليلات سلاح البحرية الذي تموله الحكومة الأمريكية «بعد العراق وأفغانستان هناك إدراك بأن أنماط التدخل بقوات كبيرة ومدججة بالسلاح لم يعد مطروحا». وتابع قائلا «ما نشاهده هنا هو استراتيجية مختلفة تماما تعتمد على الطائرات بدون طيار والمستشارين والقوات المحلية اليمنية.»
يقول خبراء يمنيون إن إبقاء الدعم العسكري الأمريكي بعيدا عن العيون قد يكون أمرا رئيسيا لنجاحه. وبالفعل لا تحظى الهجمات بطائرات أمريكية بدون طيار بتأييد في اليمن نظرا لما تحدثه من «أضرار جانبية» للمدنيين. وسيؤدي النشر المعلن لقوات أمريكية تضطلع بأدوار قتالية إلى نفور أكبر.
ولكن بعض الخبراء اليمنيين يقولون إن الإصلاح السياسي الأوسع لتجنب الانزلاق مرة أخرى إلى الاضطرابات والاقتتال ربما لا يقل أهمية عن كسب المعركة.
وأصدر البيت الأبيض في أيار الماضي أمرا تنفيذيا يمنح وزارة الخزانة الأمريكية سلطة مصادرة الأصول الأمريكية لأي شخص «يعرقل» الانتقال السياسي في اليمن وهو ما اعتبر تحذيرا ضمنيا لصالح وشخصيات أخرى بارزة.
ولكن بالنسبة للحكومة اليمنية فإن الموالين السابقين لصالح وأعضاء القاعدة مجرد خطرين ضمن مخاطر عديدة. وبالنسبة لليمن والسعودية فإن تمرد الحوثيين في الشمال ينظر اليه باعتباره مصدرا كبيرا للقلق على الأقل. كما ان الاتهامات بأن إيران ربما تدعمه جذبت قدرا من الانتباه الأمريكي لكن من الثابت أن الأدلة الحاسمة ما زالت غير موجودة إلى حد كبير.
بدوره قال شتاينيتس من مركز تحليلات سلاح البحرية «إذا كانت طهران متورطة (في تمرد الشمال)...فإن ذلك سيمثل مشكلة بالنسبة للولايات المتحدة (ولكن) لن تكون تقريبا في أهمية الحرب ضد الإرهاب.»
وينظر إلى مصنعي المتفجرات في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب باعتبارهم من بين مصنعي المتفجرات الأكثر خبرة في العالم وهم مسؤولون عن عدد من محاولات التفجير الفاشلة «بمتفجرات توضع في الملابس الداخلية» لطائرات ركاب ويعملون على تطوير متفجرات يصعب اكتشافها.
ويتساءل البعض عما إذا كان سيثبت خطأ قرار القاعدة في جزيرة العرب السيطرة على بعض الأراضي ومحاربة الحكومة اليمنية بأساليب تقليدية. وتظهر خطابات عثر عليها في المبنى الذي يقيم فيه أسامة بن لادن بعد قتله العام الماضي أنه قدم نصحا يتعارض مباشرة مع هذا النهج محذرا من أن ذلك قد يفشل في تلبية طموح السكان المحليين.
ويقول خيراء أيضا إن ذلك النهج يجعل قوات المتشددين هدفا يسهل مهاجمته من البر والجو.
وسواء نجحت الحملة ضد القاعدة في جزيرة العرب أم فشلت فإن البعض ومن بينهم حياة ألفي الخبيرة في كلية الحرب التابعة للبحرية الأمريكية يحذرون من أن التركيز «قصير النظر» على محاربة الإرهاب قد يكون على حساب قضايا أخرى مهمة.
15/5/823
https://telegram.me/buratha