يبدو أن مشكلة الكهرباء العراقية مستعصية جدا..فحتى قرار مجلس الوزراء بتزويد المولدات الأهلية بالوقود المجاني لحلها لم يستطع حسمها كما كان متوقعا، فسرعان ما ارتفع صوت المواطنين شاكيا ، وناقما على رأسه وجيبه مرة من ارتفاع سعر الأمبير القادم من أصحاب المولدات الاهلية، وأخرى من حالة الاختفاء شبه التام للكهرباء الوطنية.
وبالرغم من تخصيص مجلس الوزراء ما يقارب الـ450 مليون دولار لتجهيز المولدات الأهلية والحكومية بالوقود مجانا مقابل تجهيز المواطنين بساعات أكثر وبسعر سبعة ألاف للأمبير الواحد، إلا أن بعض المسؤولين اعتبر أن ذلك خسارة وهدرا في الأموال.الأموال المخصصة لدعم المولدات لم تحقق هدفها
ويقول رئيس لجنة التخطيط في مجلس محافظة بغداد محمد الربيعي إن "الأموال التي خصصت لدعم المولدات الحكومية والأهلية بالوقود المجاني تعتبر كبيرة، ولم تحقق الهدف المطلوب"، مبينا أن "المشروع لم يحقق أكثر من 40 إلى 45 %من الهدف الذي جاء من اجله".ويضيف الربيعي أن "مجلس المحافظة لا يتعامل مع مؤسسة حكومية وإنما مع أفراد يملكون مولدات خاصة بهم ولا يحمل أكثرهم ثقافة التعاون بقدر ما يحمل ثقافة الاستغلال والتحايل"، مشيرا إلى "عدم وجود تشريعات قانونية من مجلس المحافظة أو الحكومة الاتحادية لمعاقبة إي مقصر من أصحاب المحطات الأهلية".
ويلفت الربيعي الى أن "عملية فرض الغرامة لا تتناسب مع ما يحصل عليه أصحاب المولدات الأهلية من كمية الوقود المجاني".وأعلن مجلس الوزراء، في 25 أيار 2011، عن تخصيص أكثر من 400 مليون دولار لتجهيز أصحاب المولدات الأهلية والحكومية بالوقود مجاناً على أن يلتزموا بتشغيلها مدة 12 ساعة يومياً، ليستمر العمل بها أيضا خلال العام الحالي 2012.المولدات الأهلية قدمت للمواطنين ماعجزت عنه وزارة الكهرباء
ويعزو نائب لجنة الطاقة في مجلس محافظة بغداد غالب الزاملي أسباب التلكؤ في تجهيز المواطنين بالطاقة من قبل أصحاب المولدات الأهلية إلى "ضعف الرقابة من المجالس المحلية على أصحاب المولدات"، مبينا أن "البعض منهم أصبح يتحكم في تحديد سعر الأمبير وبساعات التشغيل".ويعتبر الزاملي أن "هناك نجاحا قد تحقق وان يكون محدودا في بعض المناطق، ولكن ليس بمستوى الطموح"، لافتا إلى أن "المولدات الأهلية استطاعت من تجهيز المواطنين لمدينة بغداد بما يقارب من 2200 ميغاواط يوميا، وهو ما عجزت عنه وزارة الكهرباء".نائب:تجهيز المولدات بالوقود المجاني هدر للمال العام
ويؤكد عضو لجنة الطاقة البرلمانية في مجلس النواب عدي عواد أن "تخصيص مجلس الوزراء مبالغ تقدر بـ450 مليون دولار لدعم المولدات الأهلية بالوقود يعتبر استثمار فاشل وهدرا للمال العام"، موضحا انه "مع انتهاء موسم فصل الصيف، فيتبين لنا أننا صرفنا مبالغ ضخمة بدون استثمار".ويطالب عواد الحكومة العراقية بـ"استثمار هذه المبالغ على إنشاء محطات كهربائية يستفاد منها العراق في الوقت الحاضر والمستقبل"، مشيرا إلى أن "العراق يدفع إلى إيران مليار دولار سنويا مقابل شراءه للطاقة الكهربائية من هناك".15 مليار دولار يدفعها المواطنون سنويا للحصول على الكهرباءويقول الخبير الاقتصادي ماجد الصوري إن "اعتماد المواطن على المولدات الأهلية أو لتجهيزه بالطاقة، يؤثر بشكل كبير على دخله وخاصة مع استغلال أصحاب تلك المولدات بتحديد سعر الأمبير وساعات التشغيل، مع عدم وجود سيطرة للحكومة عليهم"، موضحا أن "بعض المناطق شهدت ارتفاعا بسعر الأمبير الذي وصل إلى 32 ألف دينار لتجهيز 22-24 ساعة باليوم".ويضيف الصوري في حديث لـ"السومرية نيوز" أن "التقديرات تشير إلى أن المواطنين ينفقون 15 مليار دولار سنويا للحصول على إمدادات التيار الكهربائي من المولدات الصغيرة الخاصة بهم او التجارية، فضلا عن فواتير الكهرباء التي تطالب بها الوزارة بسبب استخدامهم للكهرباء الوطنية غير الموجودة أصلا".ويعتبر الصوري أن "قلة الطاقة الكهربائية في العراق والاعتماد على المولدات التجارية والخاصة، لم تؤثر على دخل المواطن وحسب، وإنما على صحته نتيجة التلوث الكبير الذي تسببه تلك المولدات، مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير في العراق وخاصة ببغداد".وكانت وزارة الكهرباء العراقية أعلنت، في نهاية عام 2010، عن تسعيرة جديدة لأجور الكهرباء ووفق التسعيرة الجديدة، حيث ستحسب أجور استهلاك الطاقة الكهربائية بوحدة الـ"كيلو واط/ ساعة"، وبسعر 20 دينارا عراقيا لكل وحدة واحدة، في حالة استهلاك ما بين 1- 1000 وحدة، و50 دينارا للاستهلاك ما بين 1001- 2000 وحدة، و80 دينارا للاستهلاك ما بين 2001- 3000 وحدة، و100 دينارا للاستهلاك ما بين 3001- 4000 وحدة، و135 دينار عراقي في حال استهلاك أكثر من 4001 وحدة، فيما اشتكى الكثير من المواطنين من مبالغ تلك الفواتير، والتي وصل البعض منها إلى أكثر من مليونين دينار.لكن الوزارة قررت، في آذار 2011، عن إعفاء الأسر العراقية محدودة الدخل والتي لا يزيد استهلاكها من الطاقة الكهربائية عن إلف كيلو واط/ ساعة شهريا من تسديد فاتورة الكهرباء، فيما تراجعت في آيار من العام نفسه، عن هذا القرار، عازية السبب إلى أن ذلك يحتاج إلى تشريع من قبل البرلمان.أصحاب المولدات جشعون ولا يلتزمون بساعات التشغيل
ويؤكد المواطن يوسف نايف 46 عاما "إننا نعيش في كل موسم صيف مأساة حقيقية فيما يخص الكهرباء، فهي تجهز بساعة واحدة وتنقطع أكثر من ست ساعات"، لافتا إلى انه "على الرغم من الاشتراك في المولدة الأهلية القريبة بخمسة امبيرات، إلا أن الأمر زاد ذلك تعقيدا".ويعتبر نايف أن "أصحاب المولدات الأهلية جشعون ولا يلتزمون بالأسعار التي حددها مجلس المحافظة والبالغة سبعة آلاف دينار للأمبير الواحد، بحجة عدم استلامهم للوقود المجاني"، مستدركا أن "ما يأخذه منا أصحاب المولدات هو 20 ألف دينار للأمبير الواحد".من جهته يقول المواطن محمد جاسم 65 عاما انه "اشتركت في مولدة أهلية عسى أن تنقذني من أزمة الكهرباء التي عجزت الوزارة عن توفيرها، لكنني فوجئت بارتفاع سعر الأمبير"، مبينا "وقد دفعت 110 ألف دينار شهريا لصاحب المولدة جراء تزويد منزلي بخمس امبيرات".ويوضح جاسم انه "بالرغم من ارتفاع سعر الأمبير، إلا أن صاحب المولدة لا يلتزم بساعات التشغيل التي وعد بها المواطن فضلا عن عدم تعويضه الساعات التي تجهز من الشبكة الوطنية".صاحب مولدة: وقود الوزارة لا يكفي لتشغيل 70%من الساعات المقررة
ويؤكد صاحب مولدة 200 كي في بمنطقة الكرادة وسط بغداد فرج صالح محمد أن "ما نستلمه من الوقود المجاني من وزارة النفط غير كافي لتشغيل المولدة لمدة شهر كامل"، لافتا إلى انه "بالرغم من ذلك فنحن ملتزمين بسعر الأمبير المحدد لنا والبالغ سبعة ألاف دينار".ويضيف محمد في حديث لـ"السومرية نيوز" أن "المولدة تحتاج إلى ما يقارب الـ400 لتر يوميا في حين أن ما نستلمه لا يكفي إلا لتشغيل 70 % من الساعات المقررة"، مشيرا إلى انه "يقوم بشراء الباقي من السوق السوداء بسعر 900 دينار للتر الواحد من الوقود".
وكانت وزارة النفط أعلنت، في 22 تموز الماضي عن توزيع حصة الكاز للمولدات الأهلية الخاصة بشهر آب الحالي، وبواقع 35 لتر مجانا لكل كي في واحد بهدف زيادة ساعات تجهيزهم بالكهرباء من خلال رفد أصحاب المولدات الأهلية بالكميات الإضافية.
يذكر أن العراق يعاني نقصاً حاداً في الطاقة الكهربائية منذ بداية عقد التسعينات من القرن الماضي، وازدادت ساعات تقنين التيار الكهربائي بعد سنة 2003 في بغداد والمحافظات، بسبب قدم الكثير من المحطات، إضافة إلى عمليات التخريب التي تعرضت لها المنشآت الحيوية خلال السنوات الماضية،وتوزيع الطاقة الكهربائية على المحافظات بعد ان كانت تجهز للعاصمة بغداد وبعض المحافظات خلال تسعينيات القرن الماضي لاسباب امنية ،كما ارتفع الطلب على الطاقة الكهربائية نتيجة إقبال المواطنين على شراء الأجهزة والمعدات الكهربائية التي حرموا منها طيلة العقود الماضية نتيجة الحصار الاقتصادي.
https://telegram.me/buratha