الجزائر: مصطفى حكيم
بات واضحا اليوم، أن الحرب الدّائرة رحاها في سوريا تختلف كثيرا عن مسار ما حدث في ليبيا، لاعتبارات عديدة أهمها طبيعة وهيكلية المنظومة العسكرية ودورها، فضلا عن أبعاد الصّراع الذي أخد تدريجيا ملامح المواجهة السنية - الشيعية بالوكالة، إضافة إلى السعي نحو إعادة هندسة الخريطة الجيوسياسية للمنطقة باختراق يستهدف أساسا أحد اللاعبين الأساسيين طهران ومعها حزب الله في لبنان، ولكن الإستراتيجية المتبناة من خلال حرب المدن والعصابات لم تحقق أهدافها المعلنة، بالنظر إلى تمرّس وحدات عديدة من الجيش السّوري أصلا بحرب العصابات والمدن واستيعابه لتكتيكات المجموعات المسلّحة وإنشاء تشكيلات متخصصة، ما ساهم في تفادي اختراق العاصمة دمشق بصورة كبيرة على غرار طرابلس ومحدودية النتائج في معركة حلب التي أُريد أن تكون بمثابة بنغازي ثانية على أمل تشكيل منطقة عازلة تستفيد من جسر لوجستيكي عسكري من الحدود التركية السورية بالخصوص.
بالمقابل، ظلت المجموعات المسلحة المنضوية تحت تسمية ما يُعرف بـ "الجيش السّوري الحرّ" غير متجانسة وهذه المجموعات التي حاولت تشكيل جبهة موحّدة، لم يكن ليشكّل جيشا فعليا، رغم الدّعم الذي لقيه من العديد من الدّول والأطراف على رأسها قطر والسّعودية، وقد حاول هذا الجيش سريعا التحوّل من حرب العصابات إلى حرب المواقع وبالتالي أضحى العدوّ المتحرّك الذي أراد الإمساك بالأرض أقلّ قدرة على التحرك وأكثر عرضة لنيران الجيش السوري الذي كسب سريعا المبادرة في الميدان، لتعدّد نقاط الارتكاز لديه مقابل انقطاع خطوط الإمداد لدى الخصم، كلّما تمّ الابتعاد عن نقاط الإمداد من الحدود، لتجد العديد من العناصر المسلّحة نفسها معزولة ومنكشفة، رغم مواصلته الاعتماد على إستراتيجية خاصّة تهدف إلى تشتيت القوات السورية وتفادي تمركزها في مناطق محددة من خلال فتح جبهات صغيرة في عدة مناطق منها العاصمة دمشق وحمص واللاذقية في محاولة لإرهاقه.
وتكمن أسباب فشل السيناريو الليبي في سوريا لحد الآن في اعتماد الجيش السوري على إستراتيجية الحروب غير المتماثلة guerre asymétrique وحرب العصابات التي اعتمدت كثيرا من قبل عناصر حرب الله في جنوب لبنان في المواجهات مع إسرائيل وخاصة في حرب 2006، إذ يتعيّن الإشارة إلى أن الجيش السوري أنشأ خاصة بعد الحرب على العراق في 2003 ولبنان، وحدات خاصة متمرّسة على حرب العصابات والتي كانت قياداتها ضمن الأهداف المستهدفة من الاغتيالات والتصفية، وكانت هذه الوحدات تنسّق وتؤطّر مع عدد من القيادات منهم العميد محمد سليمان وآخرين في المقاومة اللبنانية، لاسيما حزب الله منهم جواد مغنية، ولكن أيضا قيادات فلسطينية كانت تعمل مع وحدات من الجيش السوري في لبنان.
ويمتلك الجيش السوري وحدات قتال خاصّة متطوّرة قادرة على خوض حروب المدن وتنفيذ عمليات اقتحام، وقد أثبتت الأحداث السورية قدرة هذه الوحدات، حيث قامت بتطهير مدن منها حمص وأجزاء كبيرة من حلب، إضافة إلى العاصمة دمشق وريفها، حيث يتم استخدام نفس تكتيكات حرب العصابات باستخدام وحدات متمرّسة وقادرة على التحرّك والتدخّل السريع وحتى المفاجئ، إضافة إلى طبيعة الجيش العقائدي السّوري الذي يصعب اختراقه.
على الجهة المقابلة، تقوم إستراتيجية ما يُعرف بـ "الجيش الحرّ" على استنزاف الخصم بحرمانه من قياداته عبر تشجيعهم على الانشقاق أو تصفية القيادات ومن قوّته القتالية بتكثيف وتوسيع دائرة حرب العصابات والكمائن في عدة مناطق لإرباك الجيش وإنهاكه، فضلا عن تدعيم الانشقاقات السياسية والعمل على مستوى الدبلوماسية والقيام بحملات إعلامية لعزل وتشويه صورة النظام السياسي، خاصة على مستوى الجانب الإنساني، إلا أن تحوّل النزاع من جوانبه السياسية إلى الأداة العسكرية أفقد المعارضة العديد من الأوراق وأظهرها على أنها شبكة تحالفات غير متجانسة تضمّ العديد من التيارات منها الجهادية وجماعات الإخوان التي تستفيد من دعم لوجسيتيكي عسكري مباشر من أنقرة والرياض والدوحة، كما أن لعبة المحاور الذي أبرزها الملف السوري، أظهر أيضا خلفيات صراعات مواقع إيرانية سعودية قطرية وتركية - سورية وأكثر من ذلك تجاذب شيعي سنّي، فضلا عن ذلك، فإن التحوّل إلى الخيار العسكري أعطى مشروعية المواجهة للنظام السياسي السوري، في وقت أفقد المعارضة جزءا كبيرا من الحاضنة المفترضة، خاصّة مع اعتراف ما يُعرف بـ "الجيش الحرّ" بحصول العديد من الانتهاكات، خاصّة في حق العلويين وعدم القدرة على السيطرة في مجموعات مسلّحة "جهادية"، إضافة إلى اختلاف الحالة السورية عن اللّيبية في صعوبة تدخّل عسكري مباشر لاقتراب خطوط تماس المواجهة داخل المدن وعدم منح الغرب غطاء عسكريا - جويا للعناصر التي لقيت دعما، نظرا لاكتساب دمشق منظومة دفاع جوي معقّدة وأكثر فعّالية، وتحرّك الوحدات الخاصة السورية دون غطاء جوي بفضل تحصينات خطوط القتال بصفة فعالة، يضاف إلى ذلك الدور المزدوج لبكين وموسكو، خاصة هذه الأخيرة التي تعتبر بأن المنطقة حيوية لمصالحها.
وعليه، فإن الثالوث المشكّل لإستراتيجية الجيش السوري، أعطى -لحد الآن- نتائج قدرة صاروخية معتبرة تستخدم للرّدع، مع دفاع جوي معقّد، وكتائب مدرّبة على خوض حرب عصابات بعيداً عن التشكيلات الكلاسيكية للجيوش تستخدم كقوة ضاربة ضد المجموعات المسلّحة داخل المدن بقدرة تحرك واسعة وسريعة، موازاة مع تغيير الجيش السوري لبنيته مع ازدياد وحدات "الكوماندوس" والقوات الخاصة
25/5/812
https://telegram.me/buratha