تقرير أعده : فرشيد رحماني
التشكيلات والمجموعات المسلحة التي يطلق عليها مصطلح "الجيش السوري الحر" ليست إلا مليشيات ينضوي فيها عدد من العناصر غير المتجانسة من المتطرفين والتكفيريين. وبحسب المؤشرات المتوفرة العدد الأكبر من قوام هذه المليشيا تتشكل من العناصر المستقدمة من ليبيا وشمال إفريقا.
في تشرين الثاني عام 2011 أعلن حكام ليبيا الجدد أنهم أجروا محادثات مع مجلس المعارضة السورية بهدف إرسال عناصر مقاتلة إلى سوريا وأعلنوا أنهم ينتظرون التدخل العسكري الخارجي الذي سيبدأ قريباً.
حكومة طرابلس المدعومة من الغرب اتخذت قرارا رسميا لإرسال مقاتلين إلى سوريا، في حين أن المصادر الغربية قالت أن الجيش العربي السوري يحافظ على انسجامه وعدد العسكريين الفارين من الجيش ليس بالحجم الذي يمكن أن يشكل جناح عسكري وطني.
كما أن المعارضين الخارجيين للرئيس «بشار الأسد» يعرفون مسبقاً بأن قوة النظام الحاكم في سوريا تكمن في انسجام المؤسسة العسكرية السورية وطالما أن بنية الجيش المنسجم لم تصب بخلل وتصدع، فإن كل الطرق ستغلق في وجه المعارضة باتجاه العاصمة دمشق.
الآن ندرك جيداً لماذا تندرج كل أعمال ونشاطات المعارضين تحت مسمى فصيل واحد يدعى "الجيش الحر"، وليس هناك مؤشر على إصرار دول مثل تركيا والسعودية وحتى أمريكا لاستخدام شعار "الجيش الحر" غير تشجيع ودفع العناصر المترددة أو القلقة داخل الجيش السوري النظامي القوي إلى الفرار والالتحاق بهذه المليشيا.
بهذا يمكن القول أن الجيش الحر هو اسم مستعار للتغطية على جميع المقاتلين الذين استقدموا إلى سوريا للقتال ضد النظام السوري بإغرائهم بالدولارات العربية أو من خلال استراتيجية رسمتها الاستخبارات التركية والأمريكية. وبالتأكيد تتذكرون "الهجرة الكبرى" للعناصر المسلحة التكفيرية بعد 2003 (زمان سقوط صدام حسين) وفي الوقت الراهن يمكن اعتبار نزوحهم إلى الحدود السورية في 2012 بـ"الهجرة الكبرى الثانية".
يقول المراقبون العرب: بمرور الوقت ستتكشف المهمة الجديدة المؤكلة إلى المليشيات المتطرفة التي تقاتل تحت مسمى الجيش الحر، هناك خلافات وراء الكواليس تدور بين المعارضة السورية القديمة كتنظيم الإخوان المسلمين وبين هذه المليشيات. فالإخوان المسلمون، في البداية كانوا يعارضون اسقاط النظام السوري كما حصل في العراق، لأنهم يريدون تحقيق هدفهم في إسقاط النظام بالاعتماد على جهودهم دون أي تدخل خارجي، وبناءً على هذا اخرجوا إلى الشوارع مؤيديهم ومناصريهم في مدينتي حمص وحماة. في حين أن زعماء الأخونجية يقولون أن ميليشيا الجيش الحر تحول إلى مطية للتدخل الأجنبي في شؤون سوريا كما يعتمد على المرتزقة المأجورين دون أن يكون قادراً على جذب قوات من الداخل السوري للانضمام إليه.
في وسائل الإعلام الغربية يتم تقديم الجيش الحر على أنه فصيل يتبع لمجلس قيادة وله متحدث رسمي باسمه، يُشاهد «رياض الأسعد» بصفته قائد هذا الفصيل والمتحدث «فهد المصري» بشكل دائم على الصفحة الأولى في قنوات "الجزيرة" و"العربية" و"بي بي سي" و"فرانس 24". حيث إِدعّو مرات عدة أن عدد المجموعات المسلحة وصل إلى 20.000 مقاتل في حين أن مشاهدات المراقبين تُظهر أن هذه المجموعة تنسب إلى نفسها في جميع بياناتها الصادرة كل العلميات التي يقوم بها الأخونجية والسلفيين ضد قوات الجيش السوري النظامي في شوارع المدن.
ويقول المراقبون أن قوام معظم عناصر ميليشيا الجيش الحر عبارة عن فرقة يبلغ قوامها 5 إلى 6 آلاف مسلح تابع لتنظيم "القاعدة" كانوا حتى يوم أمس يقاتلون في العراق أو على الحدود الليبية والموريتانية.
كما قالت مصادر من الإخوان المسلمين أن تاريخ هذه المجموعة التي تدّعي أنها تمثل الذراع العسكري للمعارضة السورية لا يتعدى عدة أشهر، حيث قاموا في تموز 2011 بتصوير فيديو يظهر انشقاقهم عن الجيش مرتدين اللباس العسكري ونشروا الفيلم على مواقع الانترنت معلنين بهذا عن ولادتهم ووجودهم تحت قيادة شخص مجهول يدعى العقيد رياض الأسعد.
طبعاً سعى بعض زعماء قادة المعارضة السورية خلال مدة لتشكيل مجموعة تحت مسمى "الضباط الأحرار" مقلدين تجربة الضباط الأحرار الذين قاموا بالثورة في عقد الـ 50 و60 في مصر وليبيا. في هذا الإطار تشكلت حركة تدعى الضباط السوريين الأحرار من قبل المقدم «حسين هرموش» وقد فشلت هذه الحركة أيضاً. في النتيجة أعدم حسين هرموش بعد اعتقاله من قبل القوات الأمنية السورية في شهر كانون الثاني 2012.
الشيء الذي يدعو للتأمل هو عمليات العناصر التي ترتدي الزي العسكري وعليه يوجد شعار الجيش الحر حيث يقومون بالهجوم على المؤسسات وعلى منازل المدنيين. على ما يبدو وللحكم على بنية وماهية الجيش الحر يكفي مشاهدة العمليات التي قاموا بها خلال السنة الماضية.
هناك معسكرات ومقرات لهذه الميليشيا تتواجد على الأراضي التركية وعلى الحدود الأردنية. خلال الأشهر الأخيرة الماضية قامت مجموعات من هؤلاء بمهاجمة أشخاص تختلف معهم في الرأي كما هاجموا مدنيين من طوائف سورية أخرى و طبقوا عليهم الايدولوجيا نفسها التي طبقتها التيارات التكفيرية سابقاً في العراق وباكستان.
المراسلون الذين زاروا الحدود السورية المتأزمة تحدثوا بعد مشاهداتهم الجديدة للحدود ذات الايدولوجيا الدموية عن أعمال دموية عنيفة تمارسها المعارضة دون أي رادع وبقيت هذه الممارسات بعيدة عن مرأى ومسمع المجتمع الدولي، كما صدرت فتاوى من معسكر الجيش الحر تبيح قتل كل العلويين والشيعة وخاصة الإيرانيين منهم، خلال هذه المدة تعرضت هيئة الزوار أو الأفراد الإيرانيين والمهندسين العاملين في سوريا إلى عدة هجمات من قبل هذه المجموعة.
في كانون الثاني 2012 قامت مجموعة من عناصر الجيش الحر تدعى "كتيبة الفاروق" باختطاف 7 إيرانيين يعلمون في سوريا، ونشروا تسجيلاً مصوراً (فيديو) لهم بعد انتزاع الاعترافات منهم بواسطة طرق تعذيب معتمدة لدى تنظيم القاعدة في العراق وبثوا هذه الأفلام على المحطات التلفزيونية على انها اعترافات لـ7 إيرانين متسللين، لكن الأوراق الثبوتية تظهر أن المختطفين ليسوا إلا عمالا وفنيين في شركة (تطوير و توسيع محطات الكهرباء سيكل مبنا الإيرانية). وفي شباط 2012 أعلنت المجموعة نفسها مسؤوليتها عن اختطاف 11 زائرا إيرانيا قد تم الإفراج عنهم بعد وساطة الحكومة التركية التي تدعم هذه المجموعات.
في الآونة الأخيرة أذعنت محطة الـ بي بي سي نقلاً عن مراسليها الموفدين أن تركيبة الكيان غير المنسجم والأصولي للمعارضة السورية أدى إلى أن يستخدم قادة هذه المجموعات أكثر الطرق عنفاً ودموية واعتمدوا أساليب لا رحمة فيها في عمليات تصفية حساباتهم مع من يعارضهم.
كتب «طوني كارتالوتشي» مراسل شبكة "غلوبال ريسيرتش" حول الأزمة السورية، "العراقيون يهربون من دمشق من العنف الطائفي": يقول العراقيون الذين يهربون من سوريا إن مجموعة تدعى الجيش السوري الحر دمرت حياتهم وحولتها إلى جحيم ممارسةً العنف الطائفي، وأضافت أن عناصر المعارضة المسلحة يرتدون الزي العسكري المعتمد لدى الجيش السوري النظامي يداهمون منازل العائلات العراقية ويهددونهم بالموت إذا لم يغادروا البلاد.
يمكن الإدعاء الآن أن أبعاد الحرب الدموية الدائرة على الحدود السورية أوسع وأكبر من قدرة تصور الناس العاديين. وهناك الكثير من المراقبين الأمريكيين يعتقدون أن جوهر المواجهة قائم بين قطبين لكن هناك طرف يدخل إلى ساحة القتال عبر التيارات التكفيرية معتمداً تكتيكات تقوم على العمليات الانتحارية ويتبع نظرية "النصر بالرعب" وهذا ما جعل الأطراف الأخرى تنأى.
تشبه الأوضاع الحالية على الحدود السورية إلى حد كبير الأوضاع على الحدود الباكستانية خلال العقود التي كانت تشكل هذه الحدود ممراً لعبور أنواع الأسلحة و المقاتلين.
تتذكر المحافل الأمريكية كلام «سيمور هرش» في مقالة له كتبها عام 2007 بعنوان "تحديد الوجهة" حينها تحدث عن ظهور شبكة جديدة من المتطرفين في مركز الشرق الأوسط العربي. في ذلك الوقت حذر هرش من صعود قوة القاعدة والمليشيات المتطرفة على الحدود اللبنانية والسورية والأردنية. وعلى ما يبدو فقد صدقت تنبؤات هذا المحلل الأمريكي اليوم.
أخيراً حذرت صحيفة "نيويورك تايمز" الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» في تقرير لها كتبت فيه: فلتحذر أن ترتكب خطأ «ريغان» و«بوش» الأب من خلال إعداد العرب الأفغان، وأضافت الصحيفة: إن التركيبة الديمغرافية غير المنسجمة والمتعصبة جداً لهذه الميليشيات المسلحة على الحدود السورية تشبه إلى حد كبير ما كانت عليه حركة طالبان والعرب الأفغان في عقد التسعينيات عندما كانوا على الحدود الأفغانية وحدود الاتحاد السوفيتي السابق. دون شك لا يستطيع الأمريكيين أن لا يأخذوا على محمل الجد تحذيرات بوتين صاحب التجرية في مواجهة حركة طالبان. وأضافت الصحيفة: "إسقاط حكومة بالقوة العسكرية سيجلب الفوضى والدمار والنظام البديل للنظام السوري الحالي سيكون نظام ديكتاتوري متطرف ومتعصب و بلا رحمة".
سوريا دولة تتشكل من أطياف متنوعة تعيش إلى جانب بعضها البعض، وكان زعماء هذا الأطياف عبر التاريخ يطالبون بحكومة غير إيديولوجية وبعيدة عن التجاذبات العرقية والمذهبية.
وفي السياق نفسه هناك صحف أمريكية مثل (لوس أنجلوس تايمز و يو اس أي وتودي) كتبت بالتزامن مع قطع رؤوس عدد من المواطنين السوريين على يد الجيش الحر كتبت: "الكنيسة قلقة من الإبادة العرقية للمسيحين التي تجري في مدينة حمص السورية. وأذعنوا أن الأكراد والمسيحيين السوريين متناغمين في العيش المشترك تاريخياً وهم يدعمون حكومة الرئيس بشار الأسد".
...............
12/5/812
https://telegram.me/buratha