إرهاب جديد بدأ يهدد حياة العراقيين، ولكن هذه المرة ليس عن طريق السيارات الملغمة أو الأحزمة الناسفة. إنه الزائر غير المرحب به في بيوتهم والذي يتسلل عن الطريق الغذاء والمسمى بـ "الإرهاب الغذائي"، أو أطعمة "الاكسباير"تعتبر ظاهرة "الإرهاب الغذائي" والمتمثلة بالغزو السلعي للمواد الغذائية النافذة الصلاحية "الاكسباير" للسوق المحلية، من المشاكل التي استفحلت في العراق بعد عام 2003، والتي من شأنها أن تجعل المستهلك فريسة سهلة لها، في ظل غياب الرقابة الحكومية لوقت من الزمن بسبب الظروف التي شهدها البلد. ويعزو مختصون غياب الدور الرقابي والتشريعي للدولة، بالإضافة إلى الفساد الإداري والمالي المستشري في البلاد، فضلاً عن امتلاء المخازن بالبضائع الفاسدة ذات الأسعار الزهيدة، من الأسباب التي ساهمت في رواج بضائع "الاكسباير" في العراق."حياة الإنسان ليست رخيصة"، هذا ما قاله أمجد حمود راضي، والذي كان قد تعرض قبل أيام إلى تسمم غذائي استمر لأكثر من يومين، وانتهى به المطاف إلى المستشفى حيث تم غسل معدته بعد أن تناول وجبة لحم في أحد المطاعم الشعبية وسط بغداد.ضحية المواد المنتهية الصلاحية محمد جواد لا يشتري المواد الاستهلاكية إلا إذا تأكد من تاريخ الصلاحية
ويضيف راضي (33 عاماً) في حوار مع بأنه "عاهد نفسه على ألا يأكل من هذه المطاعم مطلقاً" بعد أن اكتشف أن طعامه كان منتهي الصلاحية. راضي يسخر من هذه الحالة بالقول إن "منتجات الاكسباير وجدت طريقها إلى معدة أغلب المواطنين بدلاً من إلقائها في النفايات"، داعياً التجار إلى أن يفكروا بضميرهم قبل قيامهم باستيراد البضائع والمنتجات "التي تهدد صحة المستهلكين". ويوضح راضي أن "هناك العديد من المواد الغذائية منتهية الصلاحية والتي تباع بأسعار زهيدة (...). المواطن البسيط والفقير لا يعرف مخاطر وضرر ذلك على صحته وحياته".وعادةَ ما تزدحم عيادات الأطباء والمستشفيات بمرضى التسمم الغذائي بسبب تناول بضائع الأجبان أو المعلبات أو اللحوم المجمدة المنتهية الصلاحية والتي غالباً ما تباع بسعر أقل من تلك البضائع الصالحة للاستهلاك.ويقول محمد جواد (25 عاماً)، الذي لا يشتري بضائعه ومواده الاستهلاكية إلا إذا تفقد تاريخ نفاذها، إن "هناك تجاراً متخصصين باستيراد البضائع (الاكسباير) المنتهية الصلاحية ويقومون بتوزيعها في الأسواق المحلية وبيعها بأسعار أرخص من مثيلاتها السليمة"
ويضيف جواد لموقع أن "هناك بعض المنتجات لا تستطيع قراءة ما هو مطبوع عليها بسبب عدم تمييز أرقام وتواريخ الإنتاج المدمجة مع بعضها البعض"، مختتما كلامه بالقول: "لو كنت في العراق فانتبه جيداً من تاريخ نفاذ أي منتج مستورد ترغب في شرائه".وأمام استفحال انتشار المواد المنتهية الصلاحية أعلنت الحكومة العراقية مؤخراً تعاقدها مع شركات عالمية تقوم بفحص البضائع في المنشأ، كذلك وجهت بضرورة عدم إدخال البضائع المستوردة إلى البلاد عبر المنافذ إلا بعد فحصها بشكل جيد، لذلك يجري العمل على إنشاء ستة مختبرات حدودية. هناك اتهامات توجه لبعض التجار بتغيير تاريخ صلاحية المواد الغذائية"الاكسباير من أبرز المشاكل التي تفقد ثقة الزبون ببضاعتنا وتعرضنا للخسارة"، هذا ما قاله صلاح الواسطي، صاحب أحد محال بيع المواد الغذائية في بغداد، مبيناً أن "بعض التجار يستوردون البضائع من المنشأ دون طبع تاريخ الإنتاج من أجل تسهيل تمريرها من المنافذ الحدودية".
ويضيف الواسطي (35 عاماً) في حوار مع في لهجة طغى عليها السخرية وهو منشغل بترتيب بضاعته المستوردة على رفوف محله الذي امتلأ بأنواع مختلفة من المواد الغذائية: "من حق التجار أن يروجوا لبضائعهم الفاسدة في الأسواق، وسط غياب الدور الرقابي الحكومي ومحاسبة من يتلاعب بحياة الآخرين".
وبحسب خبرة الواسطي في السوق فإن "انقطاع التيار الكهربائي وسوء التخزين إضافة إلى تكديس البضائع في المخازن لفترات زمنية طويلة، قياسا مع الفترة المحددة للبضاعة، من الأسباب التي ساهمت بانتشار المواد المنتهية الصلاحية".وشهدت السوق العراقية بعد عام 2003 دخول الكثير من البضائع المجهولة المصدر والمغشوشة و"الاكسباير" لاسيما الغذائية منها، في ظل ضعف الجهات الرقابية عند المنافذ الحدودية. والآن تعد تركيا وإيران من أكثر الدول المصدرة للمواد الغذائية إلى السوق المحلية العراقية.غسيل أموال ودور رقابي غائب
من جانبه يعزو أستاذ علم الاقتصاد في جامعة بغداد كريم جبر ضمد سبب إغراق السوق بالبضائع الغذائية والاستهلاكية المنتهية الصلاحية إلى جملة أسباب أبرزها، "غياب الدور الرقابي لحماية المستهلك من سلطوية التجار".
وحذر ضمد من خطورة الاستيراد العشوائي للسلع الرديئة وغير الصالحة للاستهلاك البشري، "كونها تسبب مشاكل اقتصادية للبلد كغسيل الأموال وهدر للعملة الصعبة ناهيك عن مردودها السلبي على صحة المواطن".
وعن السبل التي تحد من إغراق السوق بهذا النوع من السلع والبضائع يكشف ضمد، ضرورة "تفعيل الدور الرقابي على عملية الاستيراد عند المنافذ الحدودية فضلاً عن توعية الموطن بضرورة قراءة تاريخ صلاحية المنتج الذي يرغب في شرائه وتفعيل قانون حماية المستهلك".يشار إلى أن الحكومة العراقية لم تُفعل حتى الآن "قانون حماية المستهلك" الذي أقر برلمانياً عام 2010.
وبحسب خبراء اقتصاديين فإن القانون من شأنه أن يرتقي بالسوق العراقية إلى مصاف الدول ذات النظم الاقتصادية المتقدمة.صعوبة السيطرة العميد حسين الشمري، مسؤول عن حماية الأسواق العراقيةمن جانبه يقول مدير عام مديرية مكافحة الجريمة الاقتصادية التابعة لوزارة الداخلية في بغداد إن "أغلب البضائع المنتهية الصلاحية تدخل إلى العراق عن طريق المنافذ الحدودية وبصورة شرعية"، عازياً الأمر إلى تواطؤ بعض القائمين على حماية هذه المنافذ.ء
ويضيف العميد حسين علي الشمري، وهو المسؤول عن حماية الأسواق العراقية من المواد الغذائية المنتهية الصلاحية ومحاربة الغش الصناعي، أن مديريته تمكنت خلال الفترة الماضية "من اعتقال العديد من مروجي البضائع المنتهية الصلاحية والقائمين على معامل الغش الصناعي المحلية".
ويبين الشمري أن ظاهرة إغراق السوق بالمواد الغذائية والاستهلاكية المنتهية الصلاحية بلغت ذروتها بين عامي 2005- 2006 على خلفية الفوضى وغياب سلطة القانون على أكثر مفاصل الدولة آنذاك، مشيراً إلى عدم وجود أرقام أو إحصائيات في هذا المجال.ويعد الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، التابع لوزارة التخطيط العراقية، المسؤول عن فحص البضائع عند منافذها الحدودية البالغة 23 منفذاً. ويفحص الجهاز شهرياً بين 1300 – 1500 نموذج استيرادي
5/5/801
https://telegram.me/buratha