المشاركة السیاسیة في صورتها الحقیقیة هي عبارة عن: التواجد الحر والاحاطة بالامور والتطوع او الرغبة الشعبیة في الساحة السیاسیة وكیفیة ونسبة المشاركة في احد المجتمعات تشیر الی شرعیة النظام والمجتمع، ومن الملاحظ ان هذه الامور لا یمكن ان نجدها ابداً في السعودیة التي تحكمها عائلة واحدة اطلقت اسمها علی البلاد، وهذه العائلة هي التي تمسك بجمیع الامور السیاسیة والثقافیة والدینیة.
ومن هنا نجد ان الاعتقالات في السعودیة واسعة الی حد بحیث لم ینج منها اي طیف او مكون، وعملية الاعتقالات هذه تشمل جمیع الداعین الی الاصلاحات والناشطین في مجال حقوق الانسان والاحزاب والتنظیمات السیاسیة وعلماء الدین والكتاب والمثقفین وحتی بعض المقربین من العائلة الحاكمة، اذ یتم اعتقالهم لمجرد توجیه (انتقاد) طفیف.
والاغرب من ذلك كله فان الدیوان الملكي السعودي وآل سعود جمیعاً یعدون خطاً احمر للآخرین، والذي یوجه ادنی انتقاد لهم سيكون مصيره اقصی انواع العقوبات. لذلك نجد ازدیاد عدد المعتقلین في السعودیة الذين لا یعرف احد مصیرهم، وقد اوجدت هذه الممارسات حتی الآن اكثر من 30 الف معتقل سیاسي، وهذا الرقم من المعتقلین في بلد يصل عدد نفوسه الى 27 ملیون نسمة ویشكل السعودیون انفسهم 18 ملیون نسمة منه، یعد رقماً كبیراً جداً.
وتعتبر السعودیة اكبر دولة عربیة في منطقة الخلیج الفارسي، حيث وصل آل سعود الی السلطة بعد الحرب العالمیة الاولى وبعد ان تولی السلطة الملك عبد العزیز آل سعود. ومنذ الظهور الثاني لهذه القبلية، فقد اتبعت نهجاً محافظاً فيما يخص الشؤون الاقلیمية ما عدى بعض التدخلات والسعي لاستحواذ اكبر مساحة ممكنة من اراضي البلدان المجاورة، الا انه ومع نهاية القرن الماضي وبدایة القرن الجدید، بدأ التمدد السعودي یزداد یوماً بعد آخر، والشعب السعودي یعرف كما یعرف الآخرون من ان الهجوم علی افغانستان والعراق في عامي 2001 و2009 تم بتعاون سعودي- امیركي كامل. والاكثر اهمیة من ذلك هو ان العائلة الحاكمة المستبدة منحت الولایات المتحدة الامیركیة حریة التصرف والعمل في السعودیة لحمایتها وبقائها في السلطة، مما جعل السعودیة بیدقاً من بیادق التبعیة للادارة الامیركیة.
وبمرور الوقت ومن خلال هذا التعامل والانبطاح الكامل امام الاجنبي. بدت علامات تزلزل هذه العائلة وفقدان شرعیتها (وهي اساساً لم تكن شرعیة ابداً) تظهر شيئا فشيئا حتى بين المطاوعة الوهابية الذين اسبغوا عليها بركاتهم الشرعية من قبل وصوروها بانها حكم ودولة دينية.
ولان الملك السعودي یخشی كثیراً من الاسلام المتعايش مع الدیمقراطیة! فان السعودیة وبعد مضي اكثر من عام علی التطورات الاخیرة التي شهدتها المنطقة، تحاول "تقبیح!!" هذه التطورات وتعتبرها مخالفة ومعارضة للاسلام الوهابي الذي تروج له.
ومنذ اندلاع الاحداث في سوریا، انظمت السعودیة في الحال الی محور امیركا – قطر ـ تركيا ـ اسرائیل بهدف الاطاحة بالنظام السوري.
وكذلك خلال السنوات الاخیرة وفیما یتعلق بالیمن، شاهدنا ولاول مرة دخول الجیش السعودي في حروب خارج الاراضي السعودیة وفي الیمن بالذات، عندما واجه الجیش السعودي مجموعة من الثوار المسلمین (الحوثيين) ولم یواجهوا جیشاً منظماً، وهذا یدل علی مدی تخوف النظام السعودي من ایة حركة تحرریة قریبة من حدوده، ولم یتمكن هذا النظام الذي انفق ملیارات الدولارات من القضاء علی تلك المجموعة من الثوار، والیوم فان حكومة "منصور هادي" تواصل سلطتها بدعم سعودي وغربي ولم تتمكن هذه الحكومة حتی الآن من بسط سیطرتها علی العديد من مناطق الیمن.
ومن جهة اخری، فان انتفاضة شعب البحرین ضد عائلة آل خلیفة وفي حال انتصارها ستشكل خطراً حادقاً وحقيقياً على حكم آل سعود، ولذلك بادر ملك السعودیة الذي شعر بالخطر القادم من البحرین الی ارسال قواته لقمع الانتفاضة والبطش بافرادها، ولم يكن هدفه في ذلك فقط الحفاظ على حكم اسرة آل خلیفة فقط.
وفي داخل السعودیة نفسها تقود اسرة آل سعود حرباً شعواء ومباشرة ضد العديد من مكونات الشعب في الجزيرة العربية ومنهم الشیعة في المنطقة الشرقية.
ویبدو ان النظام السعودي لا یدخل في مواجهة واضحة وعنیفة ضد اللیبرالیین، اذ ان معظمهم یقیمون في الخارج، في اوروبا وامیركا، ویحاول النظام السعودي تقدیم الدعم لهم لیكونوا الی جانبه، بخاصة وان افكار معظم هؤلاء اللیبرالیین متناسقة وتتماشی مع الافكار الغربیة واذا ما تم اعتقال احد اللیبرالیین السعودیین، عندها تسارع منظمة الدفاع عن حقوق الانسان بالدفاع عن المعتقل وتدین حركة النظام السعودي، في حین ان هذه المنظمة تنتهج الصمت ولا تحرك ساكناً او تصدر حتی بیاناً واحد ضد عملیات القمع و البطش والاعتقال والقتل التي یمارسها النظام السعودي ضد الشیعة. ویبدو ان الذي یریده الغرب- مستقبلاً – بانه ذا ما وقع اي تحول في السعودیة فانه یجب ان یتم بواسطة اللیبرالیین ولن یكون للشیعة والمنفتحین الاسلامیین اي دور في هذا التحول.
ومن الواضح جداً ان حكومة آل سعود وخلال السنوات الاخیرة انفقت ورصدت الكثیر من الاموال للحفاظ علی هذه العائلة لتبقی في السلطة التي سرقتها من ابناء الشعب، ورغم هذا الانفاق الواسع فان هذه العائلة لم تتمكن من ان تحصل علی المصداقیة الشرعیة والشعبویة.
ان مجموع هذه الاوضاع ستقود هذه العائلة الی السقوط الحتمي والزوال عاجلاً كان ام آجلاً، لانه لا یمكن باي حال من الاحوال اسكات شعب الی الأبد وتجریده من الحریة ومن ابسط الحقوق الانسانیة التي كفلتها جميع الشرائع والنظم.
ان ملك السعودیة والامراء المحیطین به وبعظهم ینتظر دوره لیكون ملكاً في یوماً من الایام، یرفضون اي تغییر في نمط الحكم التقلیدي القائم حالیاً، وبناء علی ذلك فان سقوط هذا النظام سیتم بالقوة، واذا ما سقط فان اسم آل سعود سينتهي الى مزبلة التاریخ .
ومن جهة اخری نجد ان الغرب بات ومنذ مدة یشعر بالوضع الخطر الذي تواجهه اسرة آل سعود وهشاشة النظام السیاسي السعودي، لذلك فانه یری البدیل الغربي في السعودیة یجب ان یكون لیبرالیاً، لان السعودیة تعد اهم مصدر من مصادر الطاقة بالنسبة له ولن يسمح بمجئ الاسلاميين المناهضين له الى سدة الحكم في هذا البلد. لكن للكون سنن ثابتة اقرها خالقة ومنها نهاية الطغاة، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
2/5/802
https://telegram.me/buratha