تشتد أحداث سوريا عنفا ودموية وتدخل مفترقا استراتيجيا مصيريا يتجاوز النظام والمعارضة إلى القوى العالمية : الغرب وتركيا وإسرائيل وأتباعهما من العرب وتحديدا السعودية وقطر من جهة ، وروسيا والصين وإيران من جهة ثانية . مشهد يعيد العالم إلى أجواء الحرب الكورية ( 1950 _ 1903 ) . نفس الاصطفاف مع فوارق خفيفة
في المظهر لا الجوهر . قدوم سفينتين صينيتين قاصدتين سوريا ، إحداها تحمل شحنة أسلحة ، قرب المشهدين من التشابه . الصين الشديدة التحفظ في تحركاتها العسكرية في الأحداث العالمية ؛ تتجاوز هنا الموقف السياسي
الصلب في تأييد سوريا إلى الدعم العسكري ولو في نطاق التسليح . معركة سوريا وراءها تحولات استراتيجية كبرى ستصيب مواقع كثيرة في العالم ، وهذا يؤهلها للاتساع في القسوة والدم ، والامتداد الزمني . الفوز فيها يعني الكثير للفائز ، والخسارة تعني الكثير للخاسر . وهي قد لا تنتهي بحل وسطي مثلما انتهت الحرب الكورية؛ حيث ظهرت كوريا الشمالية الشيوعية المرتبطة بالصين والاتحاد السوفيتي ، وكوريا الجنوبية المرتبطة بأميركا والنظام الرأسمالي في الاقتصاد . في سوريا لن يكون مكان لهذه الوسطية لملابسات جغرافية وسياسية تفترق عن ملابسات الحرب الكورية . هنا إسرائيل وضمان بقائها ، والأتباع العرب وتأمين المصالح الغربية بتأمين نظمهم ، وهنا قرب المنطقة من الغرب ، والمخططات الغربية ضد روسيا مباشرة وضد الصين تاليا ، وإن كانت أحداث
الحرب الكورية قد استهدفت الصين بحكم الجوار الجغرافي إلا أن الخطر الغربي ضد الصين متوقع بقوة لا تقل عن قوته في ذلك الحين ، ويؤكد هذه القوة التركيز الأميركي العسكري على المحيط الهادي في الوقت الحالي .
الصراع الآن في سوريا مباراة دموية على الكأس . إما أن يأخذها هذا الفريق أو هذا الفريق . لا توجد كأسان ،
ولا تنصيف لهذه الكأس . وهذا وراء رفض المعارضة السورية المقاتلة لأي حل سلمي مع الدولة السورية ، ويحرضها على رفضها الغرب وتركيا والأتباع العرب . إنهم يعرفون أهمية هذه المعركة وضرر الوسطية فيها
على مشاريعهم المعلن منها والمضمر ، لذا يدفعون بكل ما تسمح به الظروف حتى الآن من قواهم لكسبها في حسم واضح يتمنونه على هيئة ما حدث في ليبيا .ويوما بعد آخر يكتشفون فداحة أخطاء تقديراتهم . صمود الدولة السورية وصلابة تأييد أنصارها في روسيا وإيران والصين والعراق وحزب الله أيقظهم متأخرين إلى أن ما أنجزوه في ليبيا كان في نزهة لا مُتاح لتكرارها في سوريا . وهذا يُمِيل كفة الميزان لجانب سوريا وأنصارها.
إنها مع أنصارها في موقف دفاع ، وأي كسب للمدافع يحسب كبيرا مهما صغر ، ثم هو على أهبة للتضحية أكثر
من المعتدي . والمعتدون مهما كبرت مصالحهم وترابطت أقرب دائما إلى التخاذل والتملص من التبعات مع تزايد
صعوبة إنجاز المهمة وتضخم تكاليفها . طول النفس سيحسم هذه المعركة ، ولن يجدي في حسمها " وثبة قط " إسرائيلية لتدمير أسلحة الدمار الشامل السورية أو الاستيلاء عليها ، ولا سيطرة على حي في هذه المدينة أو تلك
تحققها المعارضة . واضح أن خصوم الدولة السورية ينطحون بقرونهم صخرة صلبة . يقول الصهيوني الخبيث
كيسنجر : " لا يمكن تحطيم سوريا إلا من الداخل " . الداخل حتى الآن أبعد ما يكون عن التحطيم ، والتدخل الخارجي الشامل غير ممكن لكثرة المخاطر والموانع . والمعركة تشتد عنفا ودما وحرقا وخرابا ، وحسمها عالمي الأبعاد .
2/5/731
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha