آخر تصريح لزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر قال فيه "انا وعدت شركائي إن حصلوا على 124 صوتاً لسحب الثقة عن حكومة المالكي فسأكون المتمم لـ 164 صوتاً.. هذا وعد لن أحيد عنه بعد أن رفض هذا الحزب المجاهد سابقاً- ويعني حزب الدعوة الاسلامية -كل الاصلاحات مع شديد الاسف".
هذا الموقف ربما كان الأكثر وضوحاً الى جانب موقف رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني حيال حكومة المالكي ـ او بتعبير آخر الموقف من المالكي تحديداً ـ وكان آخر ما قاله بهذا الشأن "لن احيد عن مسعى سحب الثقة عن المالكي حتى لو تخلى عني حزبي وعشيرتي وابني مسرور ونيجرفان"!.
تصريح الصدر الذي كان عبارة عن جواب لسؤال وُجه اليه من قبل أحد اتباعه، جاء متزامناً مع اجتماع آخر لعدد من الكتل والقوى السياسية رعاه رئيس الجمهورية جلال الطالباني يوم الخميس الماضي بمقره بمنتجع دوكان في مدينة السليمانية التابعة لإقليم كردستان. وهذا الاجتماع الذي شارك فيه كبار قيادات الحزبين الكرديين بزعامة البارزاني والطالباني، وقيادات القائمة العراقية والتيار الصدري وقوى وشخصيات سياسية أخرى، مثل استكمالاً لاجتماعي "اربيل" و"النجف"، واريد من خلاله حشد اكبر عدد من القوى السياسية لانجاح مساعي وتوجهات سحب الثقة عن حكومة نوري المالكي.
التطور الذي شهده اجتماع السليمانية، هو إعلان الرئيس الطالباني ـ وفق مصادر مقربة منه ـ التزامه الدائم بالدستور ومضامينه، وهو يتحرك في هذه الأزمة وفقاً لواجباته الدستورية".
وقد ذكرت مصادر مطلعة على ما دار خلف كواليس منتجع دوكان "ان عبارة التزام الرئيس بالدستور أوضحها الرئيس نفسه بقوله رداً عن اللوم والعتب الذي وجه له بسبب رفضه طلباً تقدم به رئيس البرلمان اسامة النجيفي بطرح الثقة بالحكومة امام البرلمان: اجمعوا وحشدوا الاصوات الكافية لسحب الثقة عن المالكي وعند ذاك سأتحرك وفق الدستور".
ويحدد الدستور العراقي النافذ في الخامس عشر من شهر تشرين الاول ـ اكتوبر 2005، خطوات وآليات سحب الثقة عن رئيس الوزراء في فقرات من المادة 58، حيث تنص على انه:
"ب: 1- لرئيس الجمهورية تقديم طلبٍ الى مجلس النواب بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء.
2ـ لمجلس النواب، بناءً على طلب خُمس (1/5) اعضائه سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، ولا يجوز أن يقدم هذا الطلب إلا بعد استجوابٍ موجهٍ الى رئيس مجلس الوزراء، وبعد سبعة ايام على الاقل من تقديم الطلب.
3ـ يقرر مجلس النواب سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه.
ج ـ تُعدّ الوزارة مستقيلةً في حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء.
د ـ في حالة التصويت بسحب الثقة من مجلس الوزراء بأكمله، يستمر رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مناصبهم لتصريف الامور اليومية، لمدة لا تزيد على ثلاثين يوماً، الى حين تأليف مجلس الوزراء الجديد وفقاً لاحكام المادة (73) من هذا الدستور".
وهنا فإن المسعى القائم حالياً هو تأمين الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء البرلمان والبالغة 163 نائباً.
وتؤكد اطراف من فريق سحب الثقة عن المالكي، ان تأمين العدد الكافي لسحب الثقة بات أمراً مفروغاً منه بوجود التوافق بين التحالف الكردستاني والقائمة العراقية، وأطراف من التحالف الوطني، أبرزها التيار الصدري.
في مقابل ذلك، فإن أطراف الفريق الآخر المعارض لسحب الثقة، والذي يعد ائتلاف "دولة القانون" محوره، يؤكد أن الاجتماعات الأخيرة التي عقدت في أربيل والنجف والسليمانية فشلت بسحب الثقة من حكومة نوري المالكي، ويرى ان تشكيل حكومة أغلبية بات يمثل الحل الأمثل للأزمة السياسية المستمرة في البلاد.
ويشير النائب عن "ائتلاف دولة القانون" علي العلاق إلى ان الأطراف التي اجتمعت يوم امس لن تتمكن من جمع تواقيع 164 نائباً المطلوبة لسحب الثقة عن رئيس الوزراء، وحتى في حال نجاحها فإن لدى التحالف الوطني خططاً بديلة.
وفي اطار عملية الكر والفر المحتدمة ـ سياسياً واعلامياً ـ بين الفريقين، دعا نواب في ائتلاف "دولة القانون" الى سحب الثقة عن رئيس البرلمان اسامة النجيفي بسبب تهديده للوحدة الوطنية ومحاولته ضرب التحالف الوطني من الداخل، ويؤكد هؤلاء النواب أن المطالبة بسحب الثقة عن النجيفي لم تأت كرد فعل على المطالبة بسحب الثقة عن المالكي، اذ ان هناك نواباً من العراقية والعراقية البيضاء والعراقية الحرة ونواباً مستقلين مع إقالته.
ويرى مراقبون وشخصيات سياسية نافذة، ان نجاح مسعى سحب الثقة عن المالكي الذي اخذ ينضج ويتبلور بصورة اوضح يوماً بعد آخر، لن يعني في كل الاحوال نهاية الأزمة السياسية في البلاد، فالدستور يحدد ثلاثين يوماً لتكليف شخص آخر لتشكيل حكومة جديدة، وهذا امر صعب للغاية ـ ان لم يكن مستحيلاً- لا سيما وان تشكيل الحكومة الحالية تطلب تسعة شهور، علماً بأن عدداً من الوزارات المهمة بقي شاغراً وهي حتى الآن تدار بالوكالة.
بعبارة اخرى ان عملية تفاهم وتوافق دعاة سحب الثقة على بديل مناسب للمالكي خلال وقت قصير، قضية مستبعدة للغاية، ناهيك عن ان بقاء رئيس الوزراء الحالي وكافة اعضاء حكومته في حال سحب الثقة عنهم في مناصبهم كحكومة تصريف اعمال الى أن يتم تشكيل حكومة بديلة، يعني استمرار الحال على ما هو عليه من الناحية الواقعية، لفترة غير قصيرة، ربما تمتد الى موعد الانتخابات البرلمانية آواخر عام 2013 او بداية عام 2014.
وانطلاقاً من ذلك الواقع يرى البعض ـ ومن بينهم المجلس الاعلى الاسلامي العراقي ـ ان خيار سحب الثقة عن الحكومة لا يمثل الحل الصحيح في هذا الوقت. ويشير رئيس المجلس الأعلى السيد عمار الحكيم الى أن سحب الثقة عن الحكومة لن يفضي الى النتائج المطلوبة ولن يحل الأزمة، وهو ما يتعارض مع اتفاق اربيل.
وفي خضم هذا الجدل والسجال الاخذ بالتصاعد الحاد، يعتقد معنيون بالشأن العراقي، ان سحب الثقة عن الحكومة او عدم سحبها لا يتحرك ولا يتحقق بمعزل عن ارادات وضغوطات واجندات خارجية ما زالت قادرة على توجيه مسارات الأمور بمقدار معين، مستفيدة من الخلافات الكبيرة بين الفرقاء السياسيين العراقيين. وذلك القدر الكبير من التعقيد والتشابك والتداخل في التوجهات والمسارات، والافعال وردود الأفعال، قد يوسع دائرة ونطاق المتغيرات لتتجاوز رئيس الوزراء الى الرئاسات الأخرى، لتطال تلقائياً مختلف العناوين والمواقع والمناصب، وبالتالي يعود الجميع الى المربع الأول، او الى نقطة الصفر، خصوصاً مع انحسار او تلاشي مساحات التفاهم والاتفاق، واتساع مساحات التقاطع والصدام.
https://telegram.me/buratha