تحقيق صحفي عن منطقـــة المعامـــل ومــا يحدهـــا من المدن المنسية وتردي واقعها الصحي
تحقيق : فاضل ثامر
....والمعامِل، منطقة شعبية تضم الالاف من العوائل التي سحقتها الظروف المعيشية الصعبة، مدينة تعاقبها النسيان والإهمال منذ عهد النظام المقبور والى يومنا هذا وباتت كإنها مدينة خارج الحدود العراقية، وتضم هذه المدينة في طياتها عدة احياء تعاني من حال مزرية ونقص في الخدمات وابسط متطلبات العيش الكريم. من أيـــن التلوث؟ يوجد في هذه المنطقة ومنذ فترة طويلة مكان يدعى منطقة (الطمر الصحي) وهو مخصص للنفايات التي تجمع من جميع مناطق جانب الرصافة في العاصمة بغداد، ولكن أي مكان هذا ؟. ذهلت وانا اتوجه للمنطقة بوجود امور يندى لها الجبين وحال مأساوية تتمثل بأطفال راحوا ضحية لذلك التلوث، الجبال العالية التي كونتها النفايات، عمليات الطمر غير الصحيحة، والمنطقة ينعدم فيها النظر بسبب سحب الدخان المنبعثة من جراء حرق تلك النفايات، عوائل تسكن وسط تلال النفايات، عدم وجود شبكات الصرف الصحي، هذه الامور وغيرها هي التي دعت الى وجود هكذا معاناة. يعد (سوق عماري) ومنطقة (حي النصر) من اكثر الاحياء تضرراً اثر السموم والتلوث المنبعث من تلك النفايات كون المنطقتين قريبتين من مكان (الطمر الصحي)، وكان لنا وقفة مع احد المواطنين وهو رجل مسن يدعى( ابو زمن )، ورداً على سؤال بخصوص الاهمال الذي تعيشه المنطقة اجاب قائلاً: ان المنطقة مهملة منذ زمن النظام البائد وهناك امراض تعرض لها اطفالنا لم يستطع الاطباء تشخيصها، وان سبب هذه الامراض عدم توفر الخدمات الصحية اضافة الى البيئة الملوثة تماما بسبب هذه النفايات التي تقوم الجهات المشرفة على عمليات الطمرالتي تكون في اغلب الاحيان غير صحيحة وقانونية. اما الشاب (محمد علي ) فقد تحدث قائلاً: "ان المواطنين الذين يقطنون بالقرب من الطمر الصحي يتمنون ان يوضع حد لهذه المأساة وهم يناشدون المسؤولين في الحكومة ووزارة الصحة وباقي الوزارات ذات العلاقة للالتفات الى هذه المدينة وتفقد احوالها فهي بأمس الحاجة الى تطوير خدماتها الصحية فضلا عن بناء مستشفى عام وذلك للكثافة السكانية الموجودة فيها من جهة وبعد المسافة عن اقرب مستشفى عنها بثلاثين كيلومتراً من جهة اخرى الطفل عادل ماهر وقصة وفاته الأليمة وفي هذه المنطقة توفي طفل يدعى (علاء محمد كاظم ) صاحب العشرة أشهر، أردنا ان نعرف كيف كانت قصة وفاته وما هي الاسباب الحقيقية لهذه الوفاة، فقال أب الطفل، بعد ان ظهرت اعراض غريبة على ابني عادل قررنا اخذه الى العيادة الطبية في حي النصر لكن لم يوجد أي علاج وبعدها قررنا ان نأخذه الى احد المستشفيات في قضاء المدائن لكن احد الاطباء قال لنا ان المستشفى يعاني من وجود جرثومة وانصح ان لايبقى الطفل بداخل المستشفى!!! ما اجبرنا على نقله الى مستشفى الصدر العام، ولم نجد العناية المركزة في هذا المستشفى فنُقل في نفس اليوم الى مدينة الطب!! لكن عند الساعة الثانية عشرة والنصف ليلا تفاجأنا بأحد الاطباء الذي ابلغنا عن وفاة الطفل وبعد الصدمة الكبيرة لأهل الطفل سألنا الطبيب عن سبب الوفاة فاجاب ان سبب الوفاة هو تعرض الطفل الى عدة أمراض في آن واحد وهي الحصبة وذات الرئة مع توقف جهاز التنفس المفاجئ ، لكن الأمر الأكثر صعوبة هو ان شقيقة الطفل تعاني الان نفس الاعراض التي ظهرت على الطفل عادل ونحن الان لانعرف الى اين نذهب خاصة وان هناك خمسة اطفال قد توفوا في وقت سابق بنفس المرض ونفس الأعراض. بعد ان شاهدنا ماتمر به العوائل الساكنة في تلك المنطقة دفعنا الفضول الى التوغل داخل جبال النفايات حيث ذكر لنا بعض سكان المنطقة ان هناك عوائل تعيش في وسط المزابل فعبرنا منطقة المعامل حتى انتهينا الى الشارع الذي يربط بعقوبة في العاصمة بغداد ويدعى شارع (السياحي ) الذي هو اسم لغير مسمى. حيث تلاحظ على جانبي الطريق (السياحي) تلالا من الازبال توحي للناظر البعيد بأنها منطقة قد انتهت بها معركة حامية الوطيس قبل لحظات بسبب رائحة الموت المنبعثة من المكان ووجدنا عائلة من بين العديد من العوائل التي تسكن هذه المنطقة وكان الاب يحمل آلة حادة يزيل بها النفايات بغية الحصول على شيء يكون له من خلاله مردوداً مادياً وان كان قليلاً ليعيل به عائلتة المكونة من ستة اطفال، وبجانبه ثلاثة اطفال يجلسون وسط تلك النفايات تتوسطهم علبة مخللات يأكلون ما بداخلها، وعند سؤالنا من اين مصدر تلك العلبة قال احدهم انه وجدها وسط المزابل ولاننا جائعون قررنا ان نأكل ما موجود بداخل تلك العلبة، وسألنا الاب كيف هي المعيشة هنا؟ اجاب قائلاً: انا اسكن منذ فترة طويلة في هذه المنطقة ولا اجد مكاناً غير هذا لاسكن به بسبب رفض الجهات الامنية السكن في أي مكان لذلك اضطررت الى السكن هنا ونحن نعيش على ما احصل علية من بعض الحاجيات التي اجدها في المزابل ومن ثم نبيعها باسعار زهيدة لاتكفينا حتى لسد الرمق وقد تعرضت اطفالنا الى عدة امراض كما تعرض ثلاثة اغنام كنت املكها الى الموت بسبب اكل شيء سام من النفايات الموجودة. قال احد المواطنين في تلك المنطقة وهو موظف في احدى دوائر الدولة نحن نعتبر هذه المدينة مهمشة ومنسية ولا احد من المسؤولين يأخذها بالحسبان حيث تفتقد لأبسط الخدمات الصحية وهذا ما يشكل وسيلة لانتشار الاوبئة والامراض الانتقالية، فضلا عن اعتماد المواطنين على مياه الابار او التزود بالماء من السيارات الحوضية لعدم وجود الماء الصالح للشرب وما يزيد من معاناة تلك المدينة انها محاطة بمناطق الطمر الصحي التي تسببت هي الاخرى بزيادة اصابات الاطفال والنساء بأمراض وأوبئة مختلفة وتوجهنا الى منزل احدى العوائل التي يعاني احد ابنائها من اعراض مميتة وكان سؤالنا عن شعور اب الطفل بما تمر به المنطقة فأجاب قائلا "هذه المخلفات اصبحنا نراها في كل مكان وصارت هما نفسيا مؤذيا يدمع العين، ويطبق على انفاس الناظر اليه وتجعلنا في الوقت نفسه نسأل.. لم لاتطمر هذه المخلفات؟.. اين البلدية..؟ لماذا لايعاقب المعنيون بأمرها؟.. واسئلة كثيرة اخرى تراود آخرين بالتأكيد فيما يتعلق بالطمر الصحي.. وازالة هذه المخلفات". هذه المدينة ذات الرقعة الجغرافية الكبيرة يوجد بها تعداد سكاني هائل يصل الى اكثر من 500 الف نسمة وتحدث لنا احد الاطباء الموجودين في تلك المنطقة قائلاً : ان الزخم اليومي الذي يشهده المركز الصحي الموجود في المنطقة يعادل زخم مراجعي مستشفى الصدر العام او مستشفى الامام علي في مدينة الصدر.. طوابير اغلب مراجعي هذا المركز من الاطفال والشيوخ والنساء ونحن نستقبل كل يوم من الصباح الى المساء قرابة اربعمائة مراجع يقفون في طوابير منذ الصباح الباكر ولا يوجد لدينا الا طبيب واحد لا يستطيع تقديم خدماته الى هذا الكم الهائل من الناس ما يضطره الى فحص الاطفال على ايدي امهاتهم في الممرات لكسب الوقت واكمال الفحص. وان اهم مشكلة نعاني منها هي مشكلة قلة تجهيز الدواء ، فحصة الدواء المخصصة لمركزنا ومنذ تأسيسه لحد الان ما زالت على حالها ولا تسد من احتياجنا الا اسبوعاً واحداً، وقد خاطبنا المسؤولين في دائرة صحة الرصافة ووزارة الصحة ولم نحصل منهم الا على وعود فقط. بات اختيار مواقع الطمر الصحي مشكلة معقدة. فإدارة المخلفات الصلبة والتخلص منها ليست بالامر الهين واليسير كما يتصور البعض خاصة وان الخدمات البلدية لاتركز على البنى التحتية ولا الى رؤية واضحة لواقع العمل البلدي اضافة الى تفشي المعالجات الانية واتخاذ قرارات لاتستند الى ارضية علمية او استراتيجية عامة. وعملها حاليا أشبه باعطاء مريض"جرعة "مسكنات لكنها في النهاية لاتشفيه من مرضه، إضافة إلى إهمال واضح للمشاريع الاستراتيجية الكبيرة التي من المفروض ان تكون لها الاولوية في الحملة لانها الارضية التي سوف تنطلق منها معظم المشاريع واقصد هنا بالتحديد توفير آليات كافية واختيار مواقع للطمر الصحي وفق الشروط البيئية فمعظم المحافظات تفتقر الى مواقع حقيقية للطمر الصحي.
18/5/423
https://telegram.me/buratha