حاوره / عماد نافع
في مشهد طفلة تغني في حقل الزيتون ... الى مشهد كهل هرم يرسم بأضلاعه ألمتحجرة كرسي ألسلطة , وبين دموع أليتامى ألتي تتلألأ كماسة سحرية في ألسماء ألسابعة , وتراتيل ألمصلين تحت قبة حسينية ألكبرياء .. سماوية ألألق وألصفاء في صلاة ألفجر .... الى شفاه حمر تثمر أبدا عند ألقبل .. هنالك تتشكل قصائده سمفونية تحمل رسائل مطرزة بألعشق وألحب ألأبدي ...ذلك هو الشاعر ألعراقي ألمغترب ( حسن ألنواب ) ألذي اختارمن مدينة (بيرث ) ألأسترالية محطة للأنطلاق نحو ألعالمية بعدما ضاقت به ألسبل في وطن أراد له أعداءه أن يبقى محكوما بالحرب وألدم وألموت .صدر له ألعديد من ألمجاميع ألشعرية وألمؤلفات ألمسرحية.... عن أهم محطاته ألساخنة ألتقته ( ألبينة ) عبر ألاثير وكان لها هذا ألحوار معه : ا*السلطان في الشرق يسعى لأن يرث الارض وماعليها ... والشاعر جزء منها ...بل هو رأس ألارض وعاصمتها ..ترى من يحتل من في أخر الصراع ؟؟ - الشاعر لا يفكر بإحتلال شيء ، انما يسعى لتحرير كل شيء على وجه البسيطة بما فيهم السلطان الذي خدعه الجاه وصارت الأحلام بعيدة عنه ، الإنسان بدون حلم مثل جثة متفسخة على الأرض ، والسلاطين فقدوا القدرة على تكوين الحلم ، بل يتمنون ان يناموا على وسادة الفقير فلربما تزورهم الأحلام ، اما الصراع فهو الآخر بالنسبة للشاعر محاولة لزرع وردة في الأرض التي استعمرها الخراب ، وبث ضوع عطر في الأرواح المعذبة قبل ان تطوى الحياة كطي الصحف !! وكل الجواهر النفيسة في قصور السلاطين ليس بوسعها ان تضيء قلب انسان معذب ، طالما اشعر بالشفقة على السلاطين لإنهم يشبهون المومياءات المدججة بالذهب لكنها لا تشعر بلذة الحياة مثلنا نحن الفقراء . ماذا تقول للجالسين طول الوقت على أرصفة مدينة الـ ( نعم ) حسب تعبير ألشاعر ( يوفتشنكو ) ؟؟ - انهم اذلاء ومهانون .. في قصيدة طريفة للشاعر الروسي يفتشنكو يقول فيها :" يا كلبي العزيز ، انت طيب في كل شيء ، ولكن مايؤسف له ، انك لا تفكر "، وهؤلاء الذين ادمنوا على ترديد كلمة " نعم " يشبهون كلب يفتشنكو ، وربما هم اشد سكونا منه ، كثيرون نراهم يختارون في الحياة الدروب المريبة والوضيعة حتى يظفروا بلذة عيش مؤقتة لكنها مليئة بالذل والهوان ، وهؤلاء لا يعرفون ان يقولون كلمة لا حتى لو اصبحوا على شفى حفرة من الجحيم ، ان الذين يعشقون النعم يكرهم الله والملائكة والحياة ، لذا تراهم مثل عهن منفوش في مهب ريح ، الذي يقول نعم ربما يربح الدنيا ولكن من الصعوبة ان يربح ضميره . ألقاريء لأعمال (حسن النواب ) يقف أمام لغة ذات ولادات دائمة ومتجددة ,تفتح على اشكال (ومنزلقات) تساهم في صوغ هوية شعرية خاصة ...ماهو تعليقك على ذلك ؟ - ماجدوى الشاعر اذا لم يشبه نفسه ، بمعنى ان لم يكن مبدعا وخالقا للدهشة من مجرة جنونه ومنجم ميراث روحه الشخصي ، الشعر دون دهشة يشبه السواد في الظلام ، ليست هناك حياة في الظلام ولكن بمجرد ان تخلق فراشة ساطعة في سديمه حتى يضج بالسحر ، تخيل مشهد فراشة تطير في صحراء قاحلة، او ترى نورسا في زحمة المدينة يمشي على رصيف .. هذا هو الشعر ، انا شخصيا اكتب الشعر كما لو اني اصنع عطرا من الكلمات ، والقصيدة التي لا اشم عطرها الزكي والساحر ابيدها فورا ، اجل على الذين يظنون انهم كتبوا شعرا ان يعيدوا برمجة وفرملة ارواحهم مرة اخرى عسى تطلق عطرا ، لأن الشاعر بدون عطره الخاص ،يصبح سلعة بائرة . الحرب , ألدم , ألموت ...ثلاث مفردات تشكل بوصلة تقود احدهما ألاخرى ,...هل يعني تركيزك على ألوسائل الدموية الغرض منه فضح الغايات ألدنيئة ألتي يريد أهل ألقتل ألوصول أليها ؟ - هذا الثالوث المرعب صاحبني طيلة سنوات عمري ، عشرسنوات او يزيد اقود دبابة في لظى المعارك الطاحنة ، ومازال دخانها وغبارها وهجيرها يملأ رئتي ، مثلما رأسي مازال يضج بقصف كثيف وازيز رصاص وهدير طائرات وصفير قنابل ، ورحي ما زلت اسمع من اعماقها استغاثة الجرحى وغرغرة الموت لأصدقائي الجنود الذين نحرت الشظايا اعناقهم هناك على السواتر المتقدمة وفي الحجابات ، ونجيع دمائهم يعوي في شعاب قلبي ، صحيح ان امي ولدتني من رحمها ، لكني كثيرا ما اتوهم ان الحرب انجبتني ، ولذا مازال شبحها المقيت يطاردني في منفاي ، صحيح ان الحروب توقفت لكنها مازالت تشتعل في روح الجندي الذي خرج بالمصادفة سالما منها. ولذا ليس عجبا ان ترى معظم قصائدي مجبولة بذلك الثالوث ، لكني اجتهد الى تحويل الحرب الى حب والدم الى ضوء والموت الى قوت روحي لإدامة بقائي عاشقا مجنونا بهذه الحياة التي لا تتكرر . ألموروث ألاسلامي غني برموزه ألثقافية, ولكن يصر الشاعر العربي ألمعاصر على هجرة هذا الموروث وألتعكز على بعض الرموز الغربية... ماهي ألاسباب ؟ - اجل اعرف الكثير ممن جذبتهم احاجي الغرب حتى يلفت الأنظار له بطريقة ساذجة ومكشوفة بعد ان يئس من تدوين سطر يحمل نكهة ابداعية ، ومنهم من دخل الى لجة تلك الرموز المستوردة حتى يغرق موهبته الفاترة بيده مثلما جنت براقش على نفسها ؟؟ كما ان معظم الذين يتجنبون الموروث الإسلامي والتلاقح مع بتدوين نصوصهم انما هم في حقيقة الأمر لا يمتلكون تلك الأرواح الكبيرة التي يمكن ان تنصهر بذلك الموروث المقدس الثري ، وتبتكر من اسراره وسحره تكوينات خلق جديدة تحلّق بإجنحة الدهشة ويمكن ان تصل بنا الى الذهول ، الأصالة تشبه المعدن النفيس ومن الصعب العثور عليها عند كل من دخل طقس الكتابة والتدوين . يقول الشاعر المسيحي ( جورج شكور) في ملحمته ( ملحمة ألحسين ) على ألضمير دم كالنار موار..ان يذبح ألحق فالذباح كفار)..ماذا يرد ألنواب على هذا ألرأي ؟ - فجيعة عاشوراء .. قصيدة عظيمة كتبها الإمام الحسين "ع " مع اصحابه وعائلته على أديم تراب مازال يشع ذهبا في عيون القادمين والراحلين ، كتبها بروح ملائكية ازهرت من شجرة محمدية عطرا هاشميا مازال يتوهج قبسا درّيا بنفوس الناس ويظل مشعا حتى يوم الدين ، ومحظوظ ذلك الذي يموت مظلوما في عصرنا هذا ، لأن التأريخ يخبرنا ان الخلود يبقى ابدا لإولئك الذي ابيح دمهم ظلما وجورا ، ليتني اموت مظلوما مثل جدي الحسين " ع " وافوز في نعيم الجنة التي رأيتها تحت اقدام امي . كلمة اخيرة ؟ - حتى تكون شاعرا .. كن وردة بكف طفل ، ودمعة على خد ام ، وضوءا بعيون سجين ، وفرحا بقلب مظلوم ، وخبزا على مائدة فقير ، حتى تكون شاعرا .. كن انسانا.
25/5/416
https://telegram.me/buratha