جعفر لبجة
كاتب عراقي
فيْ عموم بلدان العالم وعلى وجه الخصوص العربية منها اسواق قديمة قائمة حتى يومنا هذا تزهو بمكانتها كونها جزءا من تاريخها العريق. ففي قاهرة المعتز وصلاح الدين نجد خان الخليلي والفورية اما في بلاد الشام فسوق الحميدية واما في ام القرى حيث نجد سوق الليل وفي عراق وادي الرافدين وعلى وجه التحديد عاصمتنا الحبيبة نجد اسواقا عدة منها السراي ودانيال والصاغة والشورجة والهرج واسواق الاقمشة الاخرى اما في مدينتنا المقدسة فهناك اسواق عديدة من اهمها واشهرها (سوق الاستربادي) الذي يعد بمثابة سوبر ماركت فقد عمل على تاسيس هذا السوق عائلة الاستربادي الكريمة من خلال عميدها في حينه المرحوم الحاج عبد الهادي الاستربادي ولم يكن عمل الاسرة مقتصرا على انشاء هذا السوق بل كانت لهم اسهامات اخرى لايمكن التغاضي عنها وذلك لمالها من اهمية كبيرة كتعمير صحن الروضة العسكرية المقدسة وتجديد قبة العسكريين (عليهما السلام) ودورها الفعال في تاسيس موكب الجمهور لاقامة التعازي الحسينية واطعام الطعام في المناسبات الدينية وليس خاف على احد دور المرحومين (مهدي وعبد الهادي الاستربادي) بالاشراف على عمارة الصحن الكاظمي الشريف من خلال الوكالة المطلقة التي منحها الامير فرهاد ميرزا.ولم ينته دورها الى هذا الحد حيث اقدمت الى تخليد ذكرها من خلال ايقاف عقارات لها لكي تكون صدقه جارية على ممر الازمان والتي هي حالياً تحت تولية الدكتور محمد رؤوف الاستربادي.والسوق المار ذكره انفاً يمتد ما بين باب القبلة وموقف الكاريات (الترامواي ) وقد شمل هذا السوق بامور بعيدة عن البيع والشراء ففي احدى خاناته الذي كان مستأجراً من قبل المرحوم الحاج صادق سيفي المحلاتي حيث حوله الراحل الى مؤسسة ثقافية وهي مدرسة منتدى النشر الدينية والتي كانت تصبو الى خلق جيل جديد يتحلى بسلاح العلم الحديث ومتنور بالفكر الديني الخلاق .كما شمل السوق ايضاً تجمعاً للشعراء والادباء من خلال المقهى التي كانت مستاجرة من قبل السيد ابراهيم محمد علي الاسدي حيث كانت تقام به الاحتفالات في المناسبات الدينية والوطنية ومن شعراء هذا التجمع صادق الاعرجي وجليل النداف ومحمد خير الله وصالح الدهوي وحسين غانم الدباغ وعبد الغني الجلبي وحسن ليلو وحسن نصيف وصادق غفوري ومحمد الشديدي.
وقد احتوى السوق على امور عديدة ليس بوسعنا ذكرها تفصيلاً وذلك لكثرة عدد المحلات التي تحتويه هذه السوق،ولعل من الجميل ما نذكره كثرة بيع الاقمشة على اختلاف انواعها ومن اشهر البزازين عبد الامير حمدان، ومحمد باقر النواب والاخوان مهدي وعبد اللطيف العطار واحمد عبد القهار والدكتور داود العطار (والد الدكتور علي داود العطار عضو مجلس محافظة بغداد) كما كان لعالم الصيرفة نصيب في هذا السوق، ونخص منهم عبد الحسين الصراف وبهاء الصراف والحاج اكبر علي سكينة الحجازي ،وممن امتهن مهنة الخياطة وكان في مقدمتهم الحاج رشيد مجيد والسيد موسى راضي الخياط، وفي مجال صناعة الاحذية وبيعها. اشتهرت من خلال الحاج تقي حسن المحلاتي واولاده ،ووجود فرع لشركة (باتا) بادارة السيد فؤاد ،اضافة الى عائلة المنصور ومنهم الحاج عبد الامير ،الذين هم في عين الوقت متعهدون لنقل حجاج بيت الله الحرام .وفي السوق حلاقون وخبازون عدة منهم سعيد الحلاق والحاج محمد اغا (والد قاسم ابو الكص ) ووكيلا لراديوات فلبس لصاحبه الحاج توفيق حاج ارزوقي ومحلاً لبيع المرطبات والثلج لصاحبه خضير عباس الجنابي اضافة الى وجود بقال وهو الحاج املح عبد الوهاب ، حيث كان يبهر الناس بفواكهه المتميزة والبانه المتنوعة .
اضف الى ما تقدم ذكره وجود مركز لقطع تذاكر السفر بالقطارات بادارة الحاج هادي مجيد وهو شقيق الخياط الحاج رشيد المار ذكره انفاً.كما تميز السوق بعدد من بائعي التبغ بانواعه العديدة السكاير المصنعة يدوياً وكذلك المنتجة محلياً مثل التركي والبلاط واللوكس والامراء وغازي ،اضافة الى السكاير الاجنبية، وقد تجلت هذه المهنة في عباس اسطه علي ـ ابو سامي وجليل سعيد ـ والد الشهيد سامي وجليل جاسم والسيد علي التوينجي الحسيني ـ والد السيد كمال الحسيني المدير الاقدم في ديوان الوقف الشيعي.
ولم يكن السوق غائباً عن الفرفوري والاواني المنزلية ،ومن اشتهر في هذا المجال السيد اسد الموسوي (والد الدكتور هاشم الموسوي) ولما كانت المشاعل النفطية والسماورات من المباهج البيتية فقد اهتم ببيعها وصيانتها الحاج اسماعيل الجواهري.
وفي نهاية السوق نجد متجراً كبيراً للمواد الغذائية لصاحبه الحاج نجم عبد عليوي العبيدي والد الدكتور سهيل العبيدي.
ولايفوتنا ان نذكر ان الطابق العلوي للسوق كان يستغل كفنادق لايواء الزوار الوافدين لزيارة الامامين عليهما السلام.
وعلى الرغم من سريان طابع الالفه والمحبة بين العاملين في هذا السوق الا انهم صدموا عندما اقدم المدعو علي حسين الكببجي بقتل الرجل التربوي المعروف المرحوم صادق سيفي المحلاتي في وضح النهار ولم تكن هذه
الجريمة النكراء مقتصره على الراحل وعائلته الكريمة بل شملت المؤسسة الثقافية التي كان يرعاها وبذلك اسدل الستار عن هذا المركز التربوي المهم.لقد مرقرن من الزمن ونيف على هذا السوق وعهدنا به كما عهدناه بالامس وكلنا امل ان تقدم امانة بغداد ودائرة التراث برعاية هذا السوق باعتباره من تراث مدينة الكاظمية المقدسة ومن الله التوفيق.
https://telegram.me/buratha