تحقيق: /اكرام محمد كمال
العراق واحد من البلدان التي تشهد تأخرا كبيرا في مجال الخدمات فنكاد لا نرى شارعا او محلة من دون تكدس للنفايات ناهيك عن انسدادات المجاري ومشكلة الكهرباء فقد بلغ التردي بالخدمات حدا لا يمكن التغاضي عنه بما فيها الكهرباء
وما انفقته الحكومة من المبالغ الضخمة التي خصصت لانعاش هذا القطاع، فان تردي الواقع الخدمي من الصفات المميزة لعراق اليوم هذا النقص في الخدمات يمثل وجها من اوجه المسلمات بسبب تفشي الفساد في مفاصله وكثرة المدافعين عن الفاسدين وهذا امر طبيعي من بلد تتنازعه الاهواء والميول وتتدخل فيه املاءات خارجية بمختلف اشكالها وبخاصة املاءات المحتل.
كان لنا وقفة امام هذه المعضلة التي ما انفكت تسجل حضورا قويا بين العراقيين حتى باتت جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية، والتي اتخذ مها السياسيون مرتكزا لتصريحاتهم التي يتحفونا بها كلما كانت هناك انتخابات، التقت البينة بعدد من المواطنين وبعض مسؤولي البلديات والباحثين
الخدمات ركن مهم
قال المواطن ستار جبار يسكن في منطقة الصالحية كل مناطق العراق تعاني من الاهمال لكن اشدها وطأة واكثرها معاناة من هذا الواقع المرير المناطق الشعبية لا في العاصمة فحسب بل في محافظات العراق كافة. واضاف جبار ان الخدمات ركن مهم جدا لانه يعبر عن مدى تطور البلدويعكس الاستقرار الامني وتوفير هذه الخدمات بشكل مستمر امر لابد منه وفي حالة قلتها او انعدامها كما هو الحال في بلدنا فان ذلك يدل على تردي الواقع العراقي بكل تفاصيله.
ناقل خطير للامراض
المواطنة ام سارة كشفت لنا عن معاناة من نوع آخر هي نتيجة حتمية لتردي الخدمات ومنها تراكم النفايات وانسداد المجاري وانتشار كبير للحشرات وبخاصة في الصيف كالذباب والبعوض والصراصر وغيرها بشكل كبير، وقالت ان هذه الحالة اخذت بالتزايد المقلق خصوصا عند ارتفاع درجات الحرارة الشديدة من دون اي اهتمام من قبل الجهات المختصة التي يجب ان تكون في حالة استنفار للقضاء على هذه الحشرات باستخدام المبيدات ورفع جبال القمامة التي عادة ماتكون سببا رئيسيا لها وكذلك معالجة طفح المجاري الذي يجعل من المياه موطنا خصبا لتكاثر هذه الحشرات وانتشارها ومن ثم فانها سببا في انتشار الاوبئة (الكوليرا والجدري والجدري المائي) ناهيك عن الروائح العفنة التي ينطلق منها (النتنة)
والحشرات ناقل خطير للامراض الوبائية يضاف اليها مشكلة تلوث مياه الشرب ففي بعض المناطق تشهد تشابكا بين مياه الاسالة ومياه الصرف الصحي مما يعد بيئة ملائمة لانتشار الامراض مثل التهاب الكبد الوبائي نوع ـ أ ـ مؤكدة ان الامر في تدهور مستمر وكل عام لا تتحسن الخدمات اكثر من الذي يسبقه العام الماضي ـ لذا فاننا ندعو المسؤولين الى تحمل مسؤولياتهم فانهم سيسألون عن هذه الامانة التي في اعناقهم وليقدموا لنا ابسط الخدمات التي يستحقها العراقي.
كارثة تهدد المجتمع
ابو سرمد (60 عام) حدثنا عن المشاكل الخدمية التي تعاني منها الصالحية وقال: ان ابرز مشكلة نعاني منها هي تكدس القمامة والتأخر في رفعها انها مشكلة توصف بكارثة تهدد المجتمع وتضاف اليها مشكلة الكهرباء لكل مناطق العراق
واضاف هنالك معاناة اخرى كثيرة ما تؤرقنا تتمثل بطفح المجاري خصوصا عند هطول الامطار فشبكات الصرف الصحي متهالكة وانتهى عمرها الافتراضي وغالبا ما نسمع من انها تعاني وتتسبب بالتشابك مع الاسالة مما يضع بعضا من المناطق في مشكلة خطيرة تهدد جميع المواطنين والاطفال بالذات لذلك تحتاج هذه المناطق الى كثير من الاهتمام والتنظيم.
واشار ابو سرمد الى ضرورة اهتمام الدولة بتأمين الجانب الخدمي حيث اصبح الامل باستقرار الكهرباء مجرد وهم غير اننا نأمل ان يتم رفع القمامة بشكل دوري ومستمر والاهتمام بمحطات المجاري وضرورة جعلها تعمل بدون توقف.
خلل كبير بالمنظومات
ابو سعدون حدثنا عن مشكلة مرتبطة بالكهرباء ولكن ليس انقطاع التيار الكهربائي الوطني دائما ممثلا بالعطل المتكرر للمحولات الكهربائية التي تغذي وفي كل مرة تقوم دائرة الكهرباء باصلاحها لتعود وتتعطل من جديد
وقال: هذه المرة التاسعة والعشرين التي تشهد عملية الاصلاح ـ مما يدل على ان هناك خللا كبيرا في عموم المنظومة الكهربائية وان المسؤولين غير جادين في التصدي الى هذه المشكلة، والسبب كله يأتي من الفساد التي تشهده معظم دوائر الدولة.
واضاف ابو سعدون ان عملية الاستيراد وبخاصة فيما يتعلق بالمحولات الكهربائية يشوبها كثير من الفساد لانها لا تتحمل مزيدا من الضغط خصوصا ونحن في فصل المتاعب وارتفاع درجات الحرارة الشديدة
واوضح قائلا: ادعو وزارة الكهرباء الى ضرورة الاهتمام بالمغذيات وخصوصا في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية فعلى الرغم من قلة ساعات التيار الكهربائي الوطني المخصصة الا انها تحتاج الى المتابعة والاستمرارية والجدية في العمل.
غياب الوعي
حدثنا السيد عبدالله قائلا: نحن شعب مستهلك بالدرجة الاولى وينقصنا الوعي بتقليل كلفة ما نستهلك عبر اعادة تدوير المتبقي مضيفا ان قنينة الماء يجب عدم رميها في الشارع لسببين الاول الحفاظ على البيئة والثاني استرجاع كلفة القنينة بتدويرها واعادة استخدامها واضاف ان غياب الوعي البيئي الذي يمثل مخلفات الحرب والنفايات التحدي الاكبر للبيئة في العراق مع تزايد اكوامها على اطراف المدن الكبرى وتجمعات القمامة المنزلية بين الاحياء.
آلية التنسيق في المؤسسات مفقودة
حدثنا رئيس لجنة الخدمات والبيئة في مجلس محافظة بغداد (غالي الزاملي) قائلا: سيتم توزيع محرقة طبية على جميع المستشفيات العامة في بغداد 16 منها في جانب الرصافة و20 في جانب الكرخ مبينا ان كل محرقة تتسع لطن واحد من النفايات تتمتع بدرجة حرارة عالية تتراوح بين 900 ـ 1200 درجة مئوية
واضاف ان عددا كبيرا من مستشفيات العاصمة تفتقر الى المحارق الطبية وخصوصا ان مدينة بغداد ترمي نفاياتها ومخلفاتها في نهر دجلة اضافة الى الملوثات الاخرى كمياه الصرف الصحي التي ترمي بالكامل في النهر من قبل وزارتي الكهرباء والصناعة وامانة بغداد لذا يتطلب وجود حل لمشكلة التلوث الحاصل في نهر دجلة ووضع ميزانية مالية لهذه المعالجات فضلا عن ايجاد آلية للتنسيق بين المؤسسات الحكومية لمنعها من رمي مخلفاتها في النهر.
60% من مياه الصرف الصحي تصب في نهر دجلة
حدثنا رياض العضاض (نائب رئيس مجلس محافظة بغداد) قائلا: ان مجلس المحافظة جعل من اولوياته شبكات الصرف الصحي واعادة دراستها وفقد قاعدة معلومات، وان مشاكل الصرف الصحي في الشبكات تكمن اما في الخطوط الناقلة او في محطات المجاري.
واوضح ان جميع هذه الشبكات والمحطات بحاجة الى دراسة واعادة تأهيل واضافة خطوط النقل. واتهم العضاض امانة بغداد بتقاعسها في اصلاح شبكات الصرف الصحي قائلا: ان خط الصرف الصحي في الرصافة متهالك ولا يصل الى محطة الرستمية ومنذ عام 1957 ولغاية اليوم لم تجر امانة بغداد اي عمليات تأهيل لهذا الخط، مما تسبب بتلوث مياه نهر دجلة.
اداء شبكة المجاري
حدثنا ممثل امانة بغداد (نعيم الكعبي) قائلا: ان شبكات الصرف الصحي تحتاج الى مخصصات مالية، ونحن لدينا ستة مشاريع في بغداد بخصوص شبكات الصرف ، اثنان منها في جانب الكرخ والبقية في جانب الرصافة وستدخل احدها الخدمة نهاية العام والاخرى العام المقبل ولفت الى انه عند الانتهاء من بناء هذه الشبكات سوف يتحسن اداء شبكة المجاري والصرف الصحي بنسبة 80% ولكن بغداد بحاجة الى خطوط ناقلة رئيسية
واوضح الكعبي ان المعوق الرئيسي يتمثل بتوفير التخصيصات المالية، ويجب توفير مبالغ اضافية لان المبالغ الموجودة غير كافية لتحسين الخط الرئيسي في بغداد. التلوث وانعكاسه حدثنا الخبير البيئي سلمان التميمي قائلا ان هناك اضرار كثيرة تنتج عن التلوث البيئي منها تلحق بصحة الانسان كتلوث الهواء والتربة واضرار تلحق بالمحاصيل الزراعية والمياه والحيوانات وكذلك بالنواحي الجمالية للبيئة كالدخان والغبار والضوضاء والفضلات والقمامة واضرار لا يظهر اثرها الا في المدن البعيدة ولكنها ذات الاثر التراكمي كالمواد المسرطنة والمواد المشعة والضوضاء
مشيرا الى ان للتلوث انواعا عدة الغذائي والهوائي والمائي والاشعاعي والمعدني والضوضاء ويسهم في انتشار الجراثيم التي تسبب الامراض كالانفلونزا والامراض الوبائية القاتلة كذلك سببت ظاهرة التلوث المائي بمخلفات الصرف الصحي ومخلفات المصانع التي تذهب الى الانهر والبحار الى تلوث المياه بملوثات فيروسية تؤدي الى تسمم الحيوانات البحرية. اضافة الى اثرها على الانسان والبيئة بصورة عامة فضلا عن التلوث بالضوضاء يؤدي الى امراض نفسية ونقص في النشاط وعدم الارتياح والتوتر والارتفاع في ضغط الدم.
ايجاد الحلول تسعى
امانة بغداد الى ايجاد حل لهذه المشكلات التي يعاني منها الشعب العراقي حيث تعكف امانة بغداد الاعتماد على شركات اجنبية بدل من العراقية لتنفيذ مهمة تنظيف احياء بغداد من النفايات والازبال وقال مدير العلاقات والاعلام في الامانة حكيم عبد الزهرة ان الامانة اتفقت مع شركات تركية وعربية لتنفيذ مشاريع التنظيف ودخلت هذه الشركات في مرحلة تجريبية اولية لمعرفة كفاءتها موضحا ان تجربة ادارة قطاع النظافة في بغداد من قبل الشركات العالمية تعد خطوة رائدة تحصل لاول مرة من شأنها تحسين الواقع الخدمي والبيئي في العاصمة من خلال استخدام آليات حديثة متخصصة لجمع النفايات ونقلها الى مواقع الطمر الصحي منوها بان هذه التجربة اذا كتب لها النجاح فانها سوف تعمم على كافة مناطق بغداد.
https://telegram.me/buratha