ينظر أغلب السياسيين والمسؤولين الحكوميين في العراق الى قضية المهجرين على انها مشكلة انسانية تستحق الاهتمام والرعاية وتقديم الخدمات، ولكن بعض ضحايا التهجير في محافظة ديالى يشكون من أنهم لم يحصلوا سوى على الوعود، ويرون أن معسكرات إيوائهم تستغل من ميليشيات مسلحة تقدم لهم المساعدة مقابل تجنيدهم قسرا في صفوفها.
وفي جولة في بعض مناطق ديالى الخطرة جدا ، اذ ان العنف منتشر في كل مكان حتى في القرى والارياف النائية، التقت (اصوات العراق) المستقلة بـالمواطن احمد عمران (صاحب مكتبة) الذي أنحى باللائمة على الحكومة قائلا إن "الحكومة العراقية لا تفعل شيئا.. فقط نشاهدهم على الفضائيات في حين ان الارهابيين على عكس الحكومة تماما ،إستنفرت قواها لكي تقوم بتجنيد اكبر عدد ممكن من المهجرين." واضاف " تقوم الميليشيات باستقبال العوائل المهجرة وتقدم لهم كل مايحتاجونه في مثل هذه الظروف العصيبة وتسكنهم في بيوت تكون احيانا بيوت مهجرين من الطائفة الاخرى ، مقابل إنخراط احد افراد العائلة ضمن افراد الميليشيا فيقدم له سلاح وراتب وواجبه ان يشترك في العمليات ضد الطرف الاخر."
عمران اشار ايضا الى ان "ظاهرة التهجير اليومية والقسرية من الجنوب الى ديالى وبالعكس ، وفرت مادة خصبة لمزيد من التدهور باعتبار أن هذه الظاهرة اساس مادي سهل التناول والاستغلال من قبل الميليشيات من الطرفين." اما عبد الكريم علي ، الأستاذ في معهد التاريخ العربي والتراث العلمي، فقد قال " كانت ديالى تعد من المحافظات التي تتميز بالتسامح لكونها مختلطة الاعراق والمذاهب منذ عدة قرون..إذ يسكنها العرب والاكراد والتركمان والسنة والشيعة ويتمتعون بعلاقات طيبة ومصاهرات زوجية ولديهم ارث اجتماعي وثقافي طويل الامد." وتابع"حتى اننا نجد العشائر تنقسم الى ثلاثة الوان عربي وكردي وتركماني مثل عشائر البيات والجبور والصوالح ، وكذلك تنقسم العشيرة الى طائفتين سنة وشيعة ،مثل عشائر شمر والبيات والمكادمة والعزة ، بل نجد بعض العوائل تنقسم الى طائفتين، وبذلك تكون محافظة ديالى فسيفساء دينية واجتماعية وثقافية جميلة جدا ، ومن ثمراتها التزاوج في مابين العديد من عوائل الطرفين."
ومن جانبه ، قال احمد جاسم ، وهو مدرس من سكنة حي المفرق في بعقوبة، إن "اغلب العوائل التي جاءت من بغداد وجنوب ديالى ، مثل خان بني سعد والمدائن والنهروان والحرية ، إنتمى أفرادها من الشباب الى مجاميع المسلحين ،وهم الان يشتركون في اعمال العنف في بعقوبة ،بل زادوا نار العنف والاشتباكات..وهم الان دماء جديدة انعشت العمليات الارهابية المسلحة في محافظة ديالى." واضاف " تحولت اغلب المناطق والاحياء الى معسكرات مزروعة بالخوف من الميليشيات والقوات الحكومية والامريكية."
واستطرد "دفع هذا الوضع المأساوي الذي وصلت اليه هذه العوائل من الشيعة بإتجاه تعقيد القضية إذ تحولت هذه الاحياء والمناطق الى معسكرات وحواضن لتخصيب الارهاب حيث ان جميع هذه المناطق يسودها الفقر وانعدام الخدمات والشعور بالظلم والحرمان." وتابع "ومن ثم مست الحاجة الى اي يد تمتد لهم بالمساعدة وهي وجدت الميليشيات فقط تمد يد المساعدة من جهة ، ثم تستغلهم من جهة اخرى ولو بالقوة ، إذ ان اغلب العوائل تقبلت هذا الأمر على مضض وانضمت الى الجماعات المسلحة والميليشيات ، ويكون ذلك احيانا من اجل حماية انفسهم. "
فيما يقول حكيم علوان (45 سنة) ، وهو معيل اسرة هجرت من بغداد الجديدة بعد ان هوجمت في احد الايام ووصلت قبل اربعة اشهر الى حي المفرق ،إنه "في صباح احد الايام تمت مهاجمتنا من قبل احدى الجماعات التكفيرية التي سيطرت على المنطقة وقتلت ابي وشقيقي وهربت بعدها بمن تبقى من العائلة وهم ستة افراد وتركنا بيتنا ومحلنا ينهب من قبل افراد الجماعة الارهابية ." وتابع "وقبل شهرين هاجمتنا نفس الجماعة التكفيرية في ديالى ويريدون قتلنا .. بالتأكيد انا مجبور ومضطر الى الانضمام الى المسلحين وحمل السلاح لكي اقاتلهم واحمي ماتبقى من عائلتي."
ولا تتوفر إحصائية لعدد المهجرين في محافظة ديالى ، ولكن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقول إن تقديراتها تشير إلى أن حركة النزوح الجماعية الحالية للعراقيين تعد من أوسع حركات النزوح السكاني طويلة الأمد في منطقة الشرق الأوسط منذ تهجير الفلسطينيين عقب تأسيس إسرائيل عام 1984، إذ يوجد نازح بين كل ثمانية عراقيين تقريبا.
ويرى المواطنون في ديالى أن ظاهرة التهجير تتزايد بإستمرار ، وأنه يبدو من النتائج الخطيرة للظاهرة ان العلاقات بين الطرفين وصلت الى مرحلة كسر العظم في بعض المناطق ، وانه من الصعب جدا ارجاع الامور الى سابق عهدها بسبب حوادث القتل والتهجير بينهم..وهكذا فتحت عدة اسباب شهية الاحزاب والميليشيات والسياسيين لاستغلال المهجرين داخل هذه الاحياء والمناطق.
يقول كريم (49 سنة) الذي هرب من قضاء الخالص بعد توتر الوضع الامني الى حي اور في بغداد "منذ شهرين هربت بعائلتي الى حي اور وعند وصولي جاءت احدى المليشيات وطلبوا مني اثنين من اولادي لينتميا اليهم ويشتركا في اعمال العنف ، الا انني هربت في صباح اليوم التالي الى كربلاء لكي احمي اولادي مرة اخرى."واضاف "العديد من العوائل هناك تجبر بالقوة على التعاون مع الميليشيات لكي ينتمي اليها المزيد من الشباب." وتابع "وهكذا تسعى القوى المتطرفة من الطرفين الى استخدام المهجرين من الطرفين في هذه المناطق وخاصة الشباب والمراهقين المتحمسين ودفعهم الى العنف المسلح."
ويقول محمد عمران (موظف) "نشاهد يوميا عشرات السيارت الداخلة الى محافظة ديالى والخارجة منها وهي عوائل مهجرة من الطرفين والكل هارب من العنف الذي يدق الابواب ويهاجم الجميع داخل البيوت الامنة."وقال عماد عيسى (من الحزب الشيوعي) "وضعنا مأساوي في محافظة ديالى.. فمعظم المهجرين يعانون من الاهمال التام ، ولا يوجد اي اهتمام سياسي او انساني..ففي الجانب السياسي يشاهد المهجرون ما يجري في التلفزيون والبرلمان.. كل جماعة تتهم الاخرى بانها هي من قامت باستخدام العنف والتهجير.."واضاف "اما بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني فلا يوجد اي اهتمام بهم ولا يستطيعون العمل لان المحافظة تعاني من انفلات امني وشلل تام في جميع مؤسسات الدولة." واستطرد "فالواجب اولا ان تقوم الحكومة بايقاف عملية التهجير الطائفي وارجاع تلك العوائل الى مناطقهم بعد ان تبسط الامن وتقضي على الميليشيات من خلال تفكيكها لا من خلال دمجها في الجيش والشرطة." وتابع "القضية اصبحت خطرة جدا على بنية المجتمع العراقي عموما اذ انها سوف تؤدي الى تكوين مناطق واحياء وقرى صافية طائفيا وعرقيا وخالية من التكوينات الاجتماعية الاخرى ومتناحرة معها وسوف تقضي على الحميمية الاجتماعية والعيش المشترك بين الجميع."
اما عبد الكريم علي فيقول "من المخجل ان نصل الى هذه الظاهرة الخطيرة جدا والدخيلة علينا وهي بفعل الاحتلال واعوانه ،اذ انها تركت اثار سلبية انية تزيد من القضية العراقية تعقيدا وسوف تترك اثار اخرى ستكون تصدعات وشروخا اجتماعية ونفسية وثقافية قاتلة للبنية الاجتماعية ككل." وتابع " واجبنا الوطني هو ان نحافظ على ارث التعايش الطويل عبر مئات السنين من الصراع على السلطة والنفوذ في العراق، وان نواجه هذه الظاهرة بسرعة اسلاميا واجتماعيا وثقافيا."
https://telegram.me/buratha