بسم الله الرحمن الرحيم
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً )
صدق الله العلي العظيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
نستقبل هذه الأيام ذكرى مجيدة في تأريخ الإنسانية، حبيبة لقلوب المسلمين، وهي ذكرى ميلاد أشرف الكائنات، هادي الأمم، أبي القاسم محمد المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي رفع الله تعالى شأنه قبل خلقه، فجعله نوراً زيّن به عرشه، ثم أنعم بمولده على البشرية ليهديها به من الضلالة، ويخرجها من الظلمات إلى النور، وأرسله رحمة للعالمين، وجعل دينه أفضل الأديان، وأمته أفضل الأمم.وحقيق بالمسلمين عامة أن يشكروا الله تعالى على ما اختصهم به من كرامته، وأسبغ عليهم من نعمته، وشرفهم به من حمل دعوته. وهو القائل: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
وعليه من أجل شكر هذه النعمة:
أولاً: أن يكونوا دعاة لهذا الدين العظيم بأعمالهم قبل أقوالهم، فيطبّقوه على أنفسهم، ويجسّدوه في سلوكهم وتعايشهم فيما بينهم ومع غيرهم، بالحفاظ على الفرائض، واجتناب المحرَّمات، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن المخالطة والمعاشرة، والتحلّي بالأخلاق الفاضلة، والخصال الحميدة التي دعا إليها الإسلام العظيم، وتحلّى بها نبينا الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم).قال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).وقال عزَّ وجلَّ:(وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) .وعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق».وفي الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال:«قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ألا أخبركم بأشبهكم بي؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: أحسنكم خُلُقاً وألينكم كنفاً...».قال الله عزَّ وجلَّ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً).
ثانياً: الاهتمام بجمع كلمة المسلمين، والتقريب بينهم، وتخفيف حدّة الخلاف، مهما تعددت مذاهبهم واختلفت وجهات نظرهم، وليحتفظ كل منهم بعقيدته لنفسه، من دون أن يؤدّي ذلك إلى الشقاق بينهم، والتنابز والتقاطع والتدابر.قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا).وقال سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم).وقال عزَّ وجلَّ:(وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإيمَانِ).وبذلك يقطعون الطريق على أعدائهم الذين يتربصون بهم الدوائر، ويحاولون إلقاح الفتنة وزرع بذور الخلاف بينهم، وإشغال بعضهم ببعض، من أجل قضاء مآربهم الخبيثة، وتنفيذ مخططاتهم الجهنمية.نعم، لا بأس بالحوار المنطقي الهادئ مع من أراده من أجل التعرّف على ما عند الآخرين، والوصول للحقيقة بنحو موضوعي سليم، مع الحفاظ على أدب المحاورة.قال عزّ من قائل: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) .ومن يأبى ذلك يُترك وشأنه، كما قال الله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً) .
وثالثاً: تعاون المسلمين بينهم من أجل رفع كلمة الإسلام، والدعوة له بالحكمة والموعظة الحسنة، وإطلاع العالَم على دعوته ومبادئه السليمة، بعيداً عن التحريف والتشويه، والتعريف برموزه الكبار الذين جسّدوه في سلوكهم، وأخلصوا في سبيله، وضحّوا من أجله، فإن التعريف بهم من شؤون الدعوة للإسلام.
ورابعاً:وقوفهم صفاً واحداً في وجه الأعداء والطامعين وإحباط مؤامراته ورد كيدهم، والدفاع عن المسلمين، وعن حقوقهم في جميع بقاع الأرض وشدّ أزرهم وتقديم العون لهم في محنهم وما ينزل بهم (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ).وفي الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال:«قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم».وعنه(عليه السلام) قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): أنسك الناس نُسكاً أنصحهم حباً وأسلمهم قلباً لجميع المسلمين».ونسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يجعل هذه الذكرى المباركة محفّزة للمسلمين على أداء واجبهم، وتدارك ما فرط منهم، وأن يجزي نبينا العظيم خير ما جزى نبياً عن أمته، ويصلي الله عليه وآله صلاة زاكية مباركة يصعد أولها ولا ينفد آخرها، ويجعلنا من المرحومين ببركته، الفائزين بشفاعته، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
https://telegram.me/buratha