بدأت القضية في كانون الأول/ديسمبر 2004، عندما أجرى رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي زيارة إلى ألمانيا من أجل الحصول على دعم ألماني في مجالات مختلفة لحكومة العراق الوليدة آنذاك. في ذلك الوقت أعلنت الشرطة الألمانية عن إفشال مخطط لاغتيال علاوي في زيارته الرسمية وعن اعتقال ثلاثة عراقيين للاشتباه في اشتراكهم في هذا المخطط، كما صرح في حينها المدعي العام كاي نيهم. ومنذ ذلك الحين لم تفصح الحكومة الألمانية عن المزيد من التفاصيل. فكل ما قيل آنذاك أن الشرطة الألمانية داهمت في ثلاث مدن ألمانية ثلاث شقق لأشخاص يشتبه في انتمائهم لجماعة أنصار الإسلام المتشددة، التي أعلنت مسؤوليتها عن سلسلة من الهجمات في العراق، عندما أخذت العمليات المسلحة ضد القوات الأمريكية والحكومية في التزايد. وتزامناً مع بدء محاكمة العراقيين الثلاثة عادت وسائل الإعلامية للحديث عن هذه القضية .
بدء وقائع المحاكمة
في وقت مبكر من صباح اليوم الثلاثاء، 20 حزيران/يونيو 2006، بدأت أولى جلسات المحاكمة في قاعة ذات إجراءات أمنية مشددة في محكمة شتوتغارت التي أقيمت خصيصاً في سبعينيات القرن الماضي للمحاكمات المتعلقة بقضايا الأمن العليا لأعضاء في جماعة الجيش الأحمر اليساري الألماني. وأفادت عريضة الاتهام، التي تليت على المتهمين الثلاثة، أنهم اعتقلوا بناء على اتصالات هاتفية بينهم تم التنصت عليها من قبل الشرطة الألمانية. وبناء على عريضة الاتهام فإن المتهم الأول رفيق محمد يوسف طلب من المتهمين الآخرين عطا عبد العزيز رشيد ومازن علي حسين بالمضي قدماً لاغتيال علاوي أثناء خروجه من مبنى دويتشه بنك في برلين بعد انتهاء اجتماع له هناك مع بعض المسئولين الألمان. وبعد ان وافق الآخران اتجه يوسف بالسيارة الى وسط برلين لمراقبة المبنى المزمع إقامة الاجتماع فيه في اليوم التالي. وهنا تدخلت الشرطة واعتقلت الثلاثة ليلاً في مدن برلين وشتوتجارت واوجسبورج.
التفاصيل غير كافية
بموجب قانون جديد أقر في ألمانيا بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001 الإرهابية تتعاقب بين الحين والآخر الاعتقالات والتحقيقات والمحاكمات المتعلقة بقضايا الإرهاب ودعم الجماعات الإرهابية الناشطة في أماكن مختلفة من العالم. ويسمح للقضاء الألماني بموجب هذا القانون بملاحقة عناصر الجماعات الإرهابية الأجنبية وسجنهم لمدة تصل إلى عشر سنوات. لكن بالرغم ذلك فإن هناك من يتحدث عن عدم كفاية الأدلة في هذه القضية. فصحيح أن المحققين الألمان تمكنوا من كشف المخطط لاغتيال علاوي في الوقت المحدد من خلال التنصت على هواتف المتهمين الثلاثة، لكن السلطات الألمانية عادت وأقرت بأن المعلومات التي كشفتها عن المخطط غير كافية وأنها غير واثقة بعد من إن المرحلة التي بلغتها تحضيرات مؤامرة الاغتيال تسمح فعلاً بمحاكمتهم وفق القانون الألماني. ولكن ذلك لا يعني ان المتهمين الثلاثة في منأى عن عقوبة القانون، فلائحة الاتهام تتحدث كذلك عن اتهامات موجهة لرشيد ويوسف بجمع ونقل أموال إلى العراق وإيران لصالح الجماعة الإرهابية. وبحسب الادعاء العام فإن رشيد (32 عاماً)، الذي يقيم في مدينة شتوتجارت، كان الرأس المدبر وصاحب الدور القيادي في المؤامرة. كما كشفت التحقيقات كذلك انه كان من مسئولي الخط الأول في شبكة أنصار الإسلام في الخارج منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2003، الأمر الذي وضعه في موقع جعله مطلعاً على اعتداءات ومخططات هذه الجماعة. ويفيد المحققون كذلك ان أهم دور له كان جمع الأموال لدعم نشاطات الشبكة الإرهابية في العراق، بالإضافة إلى تجنيد المرشحين لتنفيذ عمليات انتحارية هناك. الجدير بالذكر ان إثبات الانتماء لجماعة الإرهابية وحده يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون الألماني. وفي قضية منفصلة مثل عراقيان آخران أمام محكمة ميونخ اليوم الثلاثاء في اتهامات بتوفير الإمدادات والتسهيلات والدعم المادي للجماعة ذاتها.
هل ينطلق أنصار الإسلام من ألمانيا؟
يراقب المحققون الألمان عن كثب المجموعة المسلحة التي تأسست في كردستان العراق عام 2001 والمرتبطة -حسب بياناتها- بتنظيم القاعدة. تأسيس الجماعة في المنطقة الكردية يزيد من صعوبة مهمة الشرطة الألمانية. فألمانيا تستضيف عدد كبير من أكراد العراق، الذين لجئوا إليها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في ظل تصاعد العمليات العسكرية بين الحكومة العراقية آنذاك والانفصاليين الأكراد. وبحسب أجهزة الاستخبارات الداخلية الألمانية فإن هناك قرابة ألف ناشط في صفوف التنظيم، يعمل مئة منهم في ألمانيا وأغلبهم يقيم في ولاية بافاريا الغنية. ويعارض التنظيم، الذي يضم بشكل رئيسي أكراداً ذوي نزعات إسلامية - أصولية، الوجود الأمريكي في العراق وكذلك الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، كما يعارض أنصار الإسلام كذلك حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال الطالباني. الجدير بالذكر أن الكثير من الخبراء الأوروبيين في شؤون الجماعات المسلحة يعتقدون ان الغزو الأمريكي للعراق ولد عمليات تجنيد لمتشددين في البلدان الأوروبية، رحل بعض منهم إلى العراق للانضمام للمقاتلين. كما ان هؤلاء الخبراء يخشون من عودتهم من العراق بعد ان صقلتهم الحرب لتنفيذ هجمات في أوروبا. كما هو الحال مع مجاهدي أفغانستان الذي قاموا بعمليات عنف في بلادهم بعد عودتهم من أفغانستان.
من هم أنصار الإسلام؟
لقد قدم تنظيم أنصار الإسلام المأوى والدعم لأنصار بن لادن، وعرفاناً بالجميل أقام أعضاء من القاعدة في شمال العراق معسكرات لتدريب مقاتلي الجماعة على شن العمليات المسلحة. وقبل سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين تمكن مقاتلو التنظيم من السيطرة على منطقة صغيرة من كردستان العراق لسكانها ميول أصولية واتخذتها مقراً لهم ولمعسكراتهم. وخلال حرب العراق 2003 قامت قوات التحالف بمساعدة من ميليشيات البيشمركة الكردية بقصف معسكرات الجماعة. ومن خلال العمليات المسلحة يطمح أنصار الإسلام إلى إقامة دولة إسلامية في كردستان على غرار نظام طالبان في أفغانستان. وشن التنظيم الكثير من العمليات المسلحة ضد القوات الأمريكية وأعضاء المنظمات الإنسانية العاملة في العراق. ويقتصر نشاط هذه المنظمة في ألمانيا حسب رأي الخبراء على جمع الأموال ونقلها إلى العراق وتجنيد المتطوعين لشن عمليات انتحارية في العراق.
دويتشه فيله + وكالات (ع.غ.)
https://telegram.me/buratha