يخضع سكان محافظة الأنبار لابتزاز الجماعات الارهابية المسلحة التي تسيطر على معظم المحافظة، وتجبرهم على دفع اتاوات شهرية كبيرة تحت بند «دعم المقاومة»، ما دفع المتمولين والكفاءات العلمية إلى طلب الهجرة بعيداً عن الخطر.
وكانت الأنبار لسنوات طويلة من أنشط محافظات العراق تجارياً وصناعياً، كونها معبراً أساسياً لثلاث دول، ما جعل أهلها تجاراً بالفطرة، وظهرت فيها مدن حدودية تجارية نشطة كالرطبة والقائم، فيما صارت مدنها الرئيسة كالفلوجة والرمادي مراكز تجارية وصناعية ضخمة، وعقدة للمواصلات. واشتهر من الأنباريين كبار أصحاب رؤوس الأموال العرب كعائلة بنية والكبيسات وخربيط والمحمود، التي اقرضت الدولة ستة ملايين دينار عراقي لاجتياز أزمة مالية أيام حكم الرئيس عبد السلام عارف وسامي العبد العيساوي الذي توفي أواسط التسعينات، بعدما كون خلال حياته ثروة هائلة، وأورث أبناءه شركات ومصانع توزعت في شتى أنحاء العراق، لكنهم هاجروا حديثاً وتجنسوا بالجنسية الإماراتية بعدما حاصرهم المسلحون.
يقول الحاج مصطفى العاني من أهالي الفلوجة إن يوماً لا يمضي من دون أن يسمع الاهالي بحادثة خطف أحد الاثرياء، ليطلق سراحه لاحقاً، بعد ان يدفع فدية. وما زالت قضية منافذ تمويل المسلحين في العراق غامضة طوال السنوات التي أعقبت الحرب، لكن احد الارهابيين واسمه أبو حمزة يؤكد ان هناك الكثير من المنافذ للتمويل، «الجماعات الكبيرة لا تضطر الى اجبار الأثرياء على دفع اتاوات»، لكنه يعترف بأن «بعض العاملين في صفوف المقاومة ربما أقدموا على هذه الخطوة من دون علم قياداتهم».
«القاعدة» هي الأخرى متهمة بابتزاز اثرياء الأنبار على رغم ان لها دعمها المعروف المرتبط في الأساس بشبكة تمويل التنظيم الرئيسي.
ويتحدث الصائغ عبدالله الفلوجي عن تعرضه للابتزاز أكثر من مرة على يد جماعة «القاعدة»، حتى اضطر الى مغادرة العراق بعدما دفع نحو 300 ألف دولار تشكل نصف ما يملك من ثروة.
ويقول سعدي المحمدي، مقاول وصاحب شركة استيراد وتصدير من الانبار إن المحافظة على المال الذي جناه «باتت عسيرة بسبب تردي الوضع الأمني، فالحصول على أي مقاولة يتطلب إرضاء جهات مسلحة كثيرة ويحمل في طياته خطراً، فقد ترضي هذا الطرف ولا ترضي آخرين، فتصبح حياة المقاول نفسها في خطر». ويتابع: «شخصياً تمكنت من التعايش مع الوضع الحالي على رغم كل مصاعبه. غير أن عشرات آخرين، بل معظم أصحاب الأموال من أهالي الأنبار، فضلوا النجاة بأموالهم وأهلهم بعدما تكاثرت عليهم الأعباء والمخاطر وتفاقمت المصاعب التي تعترضهم».
وليس كبار التجار وحدهم المستهدفين، بل فضل العديد من صغار التجار مغادرة البلاد. وتعرض رافد عبدالغفور، أحد أصحاب محلات الحلي الذهبية في الفلوجة للخطف، وطلب خاطفوه 400000 دولار فدية، لكن بعد مفاوضات شاقة خفض المبلغ. ويقول أحد أقربائه إنه غادر البلاد مصطحباً عائلته، ورافضاً التحدث عن الجهة التي خطفته.
أصحاب الكفاءات والمهنيون الناجحون أيضاً عرضة لمثل هذا المصير، فقد تعرض الدكتور زيد العاني، أحد اشهر أطباء الأطفال في الفلوجة للخطف، ولم يطلق إلا بعدما دفع ذووه 20000 دولار.
وكان الدكتور سامي المحمدي، اختصاصي الباطنية في مستشفى الفلوجة العام، تعرض هو الآخر للخطف على يد جماعة من «القاعدة»، وضرب ضرباً مبرحاً ثم أطلقته لرفضه التقيد بأسعار الكشف الطبي التي حددتها الجماعة (بحسب بيان أصدرته حينها). ويقول الدكتور أياد الراوي، مدير مركز الصقلاوية الطبي، إن نسبة الهجرة بين الأطباء في الأنبار أعلى بكثير منها في بقية محافظات العراق باستثناء بغداد.
https://telegram.me/buratha